تمر العلاقات والاتصالات الأردنية السعودية بحالة غريبة، وقد تكون غير مسبوقة وتحمل الضد وعكسه والتنسيق وغيابه والاجتماع عند مساحات سياسية محددة في المستوى الإقليمي ثم الافتراق والخلاف والتجاذب في مستويات أخرى.
حالة غامضة تماما تفرض بصماتها على المخفي في كواليس العلاقات بين عمان والرياض بالرغم من تحسّن فرص الاستثمار في العلاقة بين المملكتين الجارتين بطريقة متناثرة هنا وهناك فيما لا تشهد الاتصالات والعلاقات على المستوى الاقتصادي والاستثماري إلا مؤشرات تراجع حتى شعر المراقبون مؤخرا بأن الجانبين يتموقعان مع الوضع القائم في العلاقات الثنائية.
ويقرران ضمنا وبدون اتفاق مسبق العمل معا بنظام القطعة والتقسيط.
وكان زار العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني أواخر شهر رمضان السعودية بدعوة خاصّة لأداء مناسك العمرة وتخلّل الزيارة “سُحور خاص” مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان تضمّن ترحيبا اجتماعيا كبيرا بالضيف الأردني.
لكن لم يصدر عن الزيارة أي إشارة أو بيان سياسي وبدا للمُراقبين أن سُحور رمضان على سطح الحدث مناسبة لتلطيف الأجواء وعزل بعض خلافات الماضي والبناء على استعادة منظومة الاتصالات بحيوية حيث لا يوجد خلاف علني أصلا ولا تصريحات نقدية بين الجارين وبالاتجاهين.
الغريب والغامض هو أن السحور المشار إليه أعقب حدثا من الجانب السعودي كشفت عنه بعض الأوساط الدبلوماسية الغربية في تقرير خاص معمق اطّلعت “رأي اليوم” على بعض تفصيلاته حيث سحبت السعودية قرارها بالمشاركة في الاستثمار بثلاثة مشاريع حيوية وكبيرة واستراتيجية في الأردن فجأة وبدون سابق إنذار أو شرح.
المشاريع مرتبطة بالطاقة وسكة حديد ومدينة العقبة والسحور أعقب إبلاغ مؤسسات سعودية إستثمارية خاصة بانها لم تعد مهتمّة وبأن الشريك الأردني في بعض تلك المشاريع التي علّقت أملا في تحسين العلاقات بين الجانبين يستطيع التصرّف والبحث عن بدائل.
في الأثناء كانت السلطات السعودية أيضا وفي خطوة تؤشر على نظام الري بالتنقيط والتقسيط في الاتصالات تُفرج عن سُجناء محكومين من بيهم أردنيين أو حملة وثائق أردنية وبعضهم محسوب على حركة حماس.
هؤلاء أُفرج عن بعضهم وغادروا إلى المطار فورا باتجاه عمان واللافت أن السلطات السعودية الأمنية رتّبت ذلك خلافا للعادة بين الدول وبدون تنسيق مع المنظومة الأردنية التي يقال أنها فُوجئت مرّتين على الأقل مؤخرا بوجود مسجونين في السعودية بمطار عمان في إجراء قد يتكرّر إذا ما التزم الجانب السعودي بما وعد به قيادات فلسطينية بخصوص الافراج عن نحو 40 مسجونا أقل بقليل من نصفهم على الأقل يحملون وثائق أردنية.
عملية تسفير محكومين إلى مطار عمّان تمّت وسط استغراب الحكومة الأردنية لأنها حصلت بدون تنسيق مسبق.
في المُقابل وفي سياق الملف السوري ومستجداته تفاعل غير مسبوق وكيمياء مع خطة تنفيذية وسيناريو بين وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي ونظيره السعودي فيصل بن فرحان وفي الأثناء أيضا السفير السعودي في الأردن نايف بن بندر السديري يُواصل جمع أقطاب في المجتمع الأردني على مائدة الافطار الشهيرة في عمان وينشر صور ضيوفه الأردنيين ويرحب بهم ويطلق سيلا من تعليقات المجاملة التي تتحدّث عن علاقات أخوية وشقيقة وودية ودائمة وصلبة.
عمليا يتحدّث السديري عن نظام علاقات غير موجود على أرض الواقع.
والوزير الأردني الصفدي حضر لقاء جدة التشاوري من أجل عودة سورية لمقعدها في الجامعة وحضر نظيره السعودي لقاء عمان وامتدح الأول دور المملكة الشقيقة وديناميكية الثاني في مُجالسات على هامش الاجتماعين.
وبدا واضحا للمراقبين أن جملة التنسيق النشطة بين عمّان والرياض بخصوص الجزئية السورية كانت فعّالة بصيغة غير مسبوقة ومنتجة إلى حد بعيد وتؤسس لمنطقة مشتركة مرحليا على الأقل.
لكن هذا التنسيق لا ينعكس على ملفات أخرى حسّاسة وما يُقال في كواليس الدبلوماسيين الغربيين عن قنوات سعودية- إسرائيلية في البعد الأمني وليست سياسية يثير حساسية الجانب الأردني لأن مثل هذه القنوات يشعر الخبراء بعملها خلف الكواليس وإنتاجيتها بدون الاطلاع على أي تفاصيل لا بل بدون التنسيق الثنائي أيضا وهو أمر بالعادة يُثير حساسية الجانب الأردني.
في خُلاصة المشهد في بعض المفاصل العلاقة الأردنية السعودية تغمز المركبة السعودية إلى اليسار ثم تتّجه إلى اليمين وطبيعة نمطية منظمة التواصل اليوم تبدو مُحيّرة لغالبية المراقبين وتُثير من الأسئلة أكثر بكثير ممّا تطرح إجابات.
سيرياهوم نيوز 4_راي اليوم