آخر الأخبار
الرئيسية » كتاب وآراء » الأردن من خطر الهلال الشيعي إلى خطر الخلافة العثمانية

الأردن من خطر الهلال الشيعي إلى خطر الخلافة العثمانية

 

د. سعود الشَرَفات*

 

 

في ظل التقلبات الجيوسياسية التي يشهدها الملف السوري، يعيش الأردن حالة من القلق المستمر بشأن أمنه واستقراره الوطني. فقد أدت تصريحات الرئيس الأميركي ترامب خلال لقائه الأخير مع رئيس الوزراء الإسرائيلي في واشنطن يوم الاثنين 7 نيسان (أبريل) 2025 إلى إعادة فتح ملف التنافس على النفوذ الإقليمي، في ظل تدخل تركيا وإسرائيل للتوسط بشأن تقاسم مناطق النفوذ في سوريا، ولا سيما القواعد في “المحطة الرابعة” (T4) الواقعة في مدينة تدمر ضمن محافظة حمص.

 

لطالما اعتمد الأردن على دبلوماسية حذرة واستراتيجيات أمنية متوازنة لحماية حدوده الداخلية والخارجية، خاصة بعدما تنفّس الصعداء بسقوط نظام الأسد واستقبال حكومة أحمد الشرع الجديدة، التي ولدت قيصرياً من أحشاء جماعة وُصفت عالمياً بالإرهاب، كفرصة لتخفيف التهديدات الأمنية. إلا أن التحولات الأخيرة في الملف السوري وضغط القوى الخارجية جعلت من معادلة النفوذ الإقليمي تحدياً جديداً يستوجب من صناع القرار الأردني إعادة تقييم استراتيجياتهم.

من ناحية أخرى، يبرز خطر “الخلافة العثمانية” – انا استخدم المفهوم كإطار تحليلي فقط لغايات هذا المقال في مقابل مفهوم الهلال الشيعي الذي صاغة أصلا الملك عبد الله الثاني – كظاهرة جديدة تنبثق من التحالف المثير للجدل بين تركيا و”الإخوان المسلمين” و”حماس”، التي تعمل دون كلل على زعزعة استقرار الشارع الأردني، سواء من خلال التظاهرات الشعبية التي تحوّل نفسها إلى منصة للعصيان المدني أو عبر استغلال الفضاء الإعلامي لنشر أفكارها الثورية.

 

وفي ظل هذه الظروف، يواجه الأردن تحديات مزدوجة؛ فهو مطالب بضبط الشارع الوطني الذي يشهد موجات من التظاهرات والتعبير الشعبي عن الاستياء، بينما تحاول جهات خارجية استغلال هذا الاضطراب لدفع البلاد نحو تغيير مساراتها السياسية والأمنية. علاوة على ذلك، ازدادت العلاقة بين الأردن وإسرائيل تعقيداً، إذ إن التوترات على الحدود الغربية لم تعد مجرد مسألة أمن داخلي، بل أصبحت جزءاً من معادلة أكبر تتداخل فيها مصالح القوى الإقليمية والدولية. ففي الوقت الذي يسعى فيه الجانب الإسرائيلي إلى تأكيد وجوده عبر مشاريع استيطانية على الحدود، ربما تستغل تركيا والجهات الداعمة لها مثل “الاخوان” و”حماس” الفوضى الإقليمية لتوسيع نفوذها، ما يضاعف المخاطر الأمنية على المملكة.

 

ومع ذلك، لا يزال الأردن يحاول الحفاظ على مساره الحذر، مستنداً إلى مزيج من الدبلوماسية والقدرات الأمنية المحترفة والمتنوعة، في محاولة لتجنب الوقوع في فخ النزاعات الإقليمية. ويصبح لزاماً على قادتها وضع خطط طويلة الأمد لتعزيز التعاون مع شركاء استراتيجيين مثل مصر والولايات المتحدة، بهدف حماية مصالحهم الوطنية ومنع استغلال الفوضى لتحقيق مكاسب سياسية غير مشروعة.

 

 

إن الملف السوري لم يعد مجرد أزمة داخلية في سوريا، بل أصبح محوراً لصراعات أوسع تتداخل فيها قوى الهلال الشيعي ومفهوم “الخلافة العثمانية”. وبينما يسعى الأردن إلى ضبط الشارع وتأمين حدوده الدولية، يبقى السؤال قائماً: هل يستطيع الأردن مواجهة التحديات المتشابكة دون أن تتأثر وحدة مجتمعه الوطني؟ والإجابة تعتمد على قدرة صناع القرار على قراءة الإشارات والتحولات بعناية، واتخاذ قرارات جريئة تضمن حماية أمنه الوطني ومصالحه الوطنية.

 

في الخلاصة، أن مستقبل الأردن يعتمد على قدرة صنّاع القرار على التعامل مع معادلات النفوذ الإقليمي المتقلبة، وعلى تحقيق توازن دقيق بين التعامل مع التهديدات الخارجية والحفاظ على النسيج الاجتماعي الذي بُني على أسس الوحدة الوطنية. ويتعين على الأردن أن يدرك أن التوازن في المنطقة لا يتحقق بمعزل عن السياسة الخارجية، بل يتأثر بشكل مباشر بتحركات القوى الكبرى. ومن هنا، يصبح من الضروري تعزيز الحوار مع الدول الصديقة والمجتمع الدولي لتجنب الانزلاق نحو مواجهة مباشرة قد تؤدي إلى تداعيات كارثية. كما يجب التركيز على تعزيز الوحدة الوطنية داخلياً ومواجهة التيارات المتطرفة، ما يساهم في تحقيق استقرار يسوده الأمن والاستقرار على المدى الطويل.

 

* عميد متقاعد مدير مركز شُرُفات لدراسات وبحوث العولمة والإرهاب -عمان الأردن

 

 

 

 

 

أخبار سوريا الوطن١-النهار

x

‎قد يُعجبك أيضاً

لماذا فشلت أوسلو ويفشل وقف إطلاق النار؟

  مأمون فندي   كان من الممكن أن يكون العنوان عن السذاجة والدبلوماسية، أو يخفَّف ليكون «في البراءة والدبلوماسية»، وهو أمر لا يتعلق بفشل اتفاق ...