نبيه البرجي
آن الأوان للتساؤل : لماذا الملاحقة الهيستيرية لـ “حزب الله” ؟ هذا لم يحدث لأي منظمة في العالم تعتبرها الولايات المتحدة ارهابية , وحتى التي ضربت داخل أراضيها . كل المؤسسات الدستورية , والسياسية , والأمنية , في حالة تعبئة جنونية ضد الحزب .
أعظم أمبراطورية في التاريخ تبذل جهوداً هائلة لحصار , أو لانهاء , تنظيم في دولة مركبة من 18 طائفة , ولا تتعدى مساحتها مساحة مدينة أميركية , كما أن عدد سكانها بالكاد يساوي نصف عدد سكان نيويورك .
البيت الأبيض , الكونغرس , وزارة الخارجية , وزارة الدفاع , وزارة الخزانة , كل وكالات الاستخبارات . حقاً , ما هو ذلك العدو الاسطوري الذي يشغل بال الأمبراطورية ويهدد أمنها الاستراتيجي ؟
قبل الكورونا , طرحنا السؤال على ملحق عسكري في احدى السفارات الأوروبية في بيروت . الاجابات كانت مثيرة . قال “ان “حزب الله” أحدث عقدة عميقة , أو ما يسمى استخباراتياً بـ “حفرة في الرأس” لدى الأجهزة الأميركية والاسرائيلية بكل جبروتها , كونها أخفقت في أكثر من مجال في الصراع المفتوح معه” .
“هذه الأجهزة لم تتمكن , بالرغم من كل المحاولات العملانية , والالكترونية , الجبارة , بما في ذلك تخصيص أقمار صناعية , من رصد مكان (أو أمكنة) تواجد قيادة الحزب . الأميركيون والاسرائيليون يعتبرون أن مواصفات حسن نصرالله , وبخاصة الكاريزما , تشكل العامل الأساسي في بناء الديناميكية السياسية , والعسكرية , والشعبية , للحزب , حتى اذا ما تم ابعاده لا مجال البتة لبقاء التنظيم على ما هو عليه” .
الملحق العسكري الأوروبي رأى “أن الاجهزة اياها التي تدّعي رصد دبيب النمل على طول الحدود بين لبنان وسوريا, فشلت في الكشف عن كيفية نقل الصواريخ , والمعدات الحساسة الأخرى , من الأراضي السورية الى الأراضي اللبنانية . الأمر الذي حدا بمسؤولي الأجهزة تنفيذ عمليات بالغة التعقيد لمعرفة ما اذا كان الحزب قد أقام شبكة من الأنفاق بعشرات الكيلومترات بين سوريا ولبنان” .
هنا المفارقة اللافتة , وهي أن الأجهزة الأميركية والاسرائيلية , وبالرغم من فشل عملياتها , تعتقد , بل تجزم, بأن الترسانة الصاروخية لـ”حزب الله” تجاوزت كل الخطوط الحمراء .
هذه الترسانة باتت , ان من الناحية النوعية أو من الناحية الكمية , تشكل حتى خطراً وجودياً على اسرائيل التي لا تستطيع أن تتحمل , في أي حال , سقوط عشرات آلاف القتلى , ناهيك عن تدمير المنشآت الحيوية , بما في ذلك المنشآت العسكرية التقليدية (القواعد الجوية والبحرية والمستودعات) وغير التقليدية (المفاعلات والصوامع النووية) .
المعطيات أعلاه , في نظر الملحق العسكري , وراء الحملة الهيستيرية على “حزب الله” . “الأميركيون والاسرائيليون يعتقدون أن قيادة الحزب خططت , فعلاً , لاختراق الخط الأزرق والتوغل في العمق الاسرائيلي” .
هذا يمكن أن يحدث “باطلاق آلاف الصواريخ خلال ساعات . اذ تفضي الى فوضى هائلة في الداخل الاسرائيلي , تبدأ , تزامناً , عمليات الاختراق من قبل مقاتلين خاضوا , على الأرض السورية , أكثر المعارك شراسة وتعقيداً , ما أكسبهم مهارات , وحتى قدرات سيكولوجية , لا يمكن , في أي حال , أن تكون موجودة في العديد من الجيوش الأكثر تطوراً” .
هنا , لا خيار أمام الأميركيين والاسرائيليين “سوى الضغط المالي المريع , مع تأليب الأطراف اللبنانية الأخرى ضد الحزب , ما يعني أن لبنان سيواجه أوضاعاً صعبة , بل وأكثر صعوبة” .
“كل هذا لن يؤثر على وضع الحزب الذي نشأ , أساساً , بسبب ضعف الدولة اللبنانية التي “باعت” المنطقة الحدودية لياسر عرفات . ولا أعتقد أن هذه الدولة ستكون قادرة على تجاوز الضعف المزمن ما دام اداء الطبقة السياسية على ذلك المستوى من السؤ” .
الملحق العسكري ختم “أن واشنطن وتل أبيب تتصرفان حيال لبنان بعشوائية عمياء . النتيجة أن الدولة اللبنانية تزداد ضعفاً و”حزب الله” يزداد قوة …” !
(سيرياهوم نيوز12-6-2020)