مرال قطينة
تُشكّل منطقة الأغوار ما يقارب 30% من مساحة الضفة الغربية، وتكمن أهميتها الاستراتيجية في موقعها المنخفض عن سطح البحر، ما يمنحها مناخاً فريداً بتباين درجات الحرارة بين الصيف والشتاء، ويجعلها غنية بالأراضي الخصبة الصالحة لزراعة التمور والعنب والتوابل، إضافة إلى توليد الطاقة. غير أن أهميتها الكبرى تتمثل في كونها منطقة طبيعية خصبة يمكن استغلالها للزراعة على مدار العام.
وتتربع الأغوار فوق واحد من أهم الأحواض المائية في فلسطين، إذ تضم الأغوار الجنوبية 91 بئراً، والوسطى 68 بئراً، فيما تحتوي الأغوار الشمالية على 10 آبار، استولت إسرائيل على معظمها. ويُطلق على الأغوار لقب “سلة فلسطين الغذائية”، إذ تشكّل نصف المساحات الزراعية في الضفة الغربية، وتنتج 60% من الخضروات والفواكه الفلسطينية.
لكن الواقع على الأرض مختلف، إذ تسيطر إسرائيل على نحو 90% من أراضي الأغوار، وعلى 85% من مواردها المائية، وتحرم الفلسطينيين منها. كما تضم المنطقة 45% من المساحات الرعوية و40% من الثروة الحيوانية الفلسطينية. ويقيم فيها نحو 35 مستوطنة مركزية، معظمها زراعية، بالإضافة إلى عشرات البؤر الاستيطانية والثكنات العسكرية. في المقابل، لا يتجاوز عدد التجمعات الفلسطينية الثابتة 27 تجمعاً، موزعة على 10 آلاف دونم، إلى جانب العشرات من التجمعات الرعوية والبدوية.
من أصل 280 ألف دونم صالحة للزراعة في الأغوار، لا يستغل الفلسطينيون سوى 50 ألفاً، فيما يستولي المستوطنون على 27 ألفاً. وقد فرض الاحتلال إجراءات مشددة لمنع البناء والتطور العمراني الفلسطيني، وصادر آلاف الدونمات الزراعية والرعوية بحجة الدوافع الأمنية أو إعلانها مناطق عسكرية مغلقة، ومنع الرعاة من الوصول إلى المراعي. كما جرى عزل الأغوار عن باقي الضفة الغربية، وتقييد حركة الفلسطينيين إليها عبر حواجز مشددة مثل الحمرا وتياسير، حيث يتم تفتيش الهويات والتصاريح.
اعتداءات متواصلة
قرية رأس عين العوجا، الواقعة على بعد 12 كيلومتراً من أريحا، تعكس بوضوح حجم المعاناة. فالتوسع الاستيطاني غيّر جغرافية المنطقة وديموغرافيتها على طول شارع رقم 90 الواصل بين القدس والأغوار.
أحمد الرشايدة، البالغ 57 عاماً، يروي لـ”النهار” كيف يجد نفسه وعائلته المكونة من 17 فرداً محاصرين من المستوطنين الذين استولوا على أراض تبعد بضع مئات من الأمتار عن منزله. يلاحقه المستوطنون في حركته، يصورون سيارته ولوحاتها، ويتحرشون بأبنائه يومياً، حتى إنهم سرقوا نحو ألف رأس من الماشية منذ بداية العام، ومنعوه من زراعة القمح والشعير.
الرشايدة يؤكد أن هذه الاعتداءات ليست جديدة، بل بدأت قبل الحرب بسنوات، عندما حاول المستوطنون دهس أبنائه، أو منع عائلته من الرعي في المراعي الطبيعية. اليوم بات مضطراً لإطعام الماشية مرات عدة يومياً بدلاً من رعيها في الخلاء، ما يضاعف التكاليف في ظل أزمة مالية خانقة. المستوطنون لا يكتفون بسرقة الماشية، بل يستهدفون أيضاً المياه، وخلايا الطاقة الشمسية، والمحوّلات الكهربائية.
ابنه سياف، البالغ 17 عاماً، يقول لـ”النهار” إنه شهد معظم الاعتداءات، إذ يقتحم المستوطنون المنزل برفقة الجيش والشرطة، يطلقون النار على المقتربين، ويعتدون على والده بالضرب، حتى إنه اعتُقل خمسة أيام وغُرّم بخمسة آلاف شيكل، أي ما يعادل 1700 دولار. أما الأطفال الصغار في العائلة، فيعيشون رعباً يومياً، إذ يصرخون ويبكون مع كل إطلاق نار عشوائي على المنازل ليلاً.
استهداف التجمعات
الاعتداءات طالت أيضاً منطقة شلال العوجا، حيث أقيمت بؤرة استيطانية جديدة قرب الشلال، وجرى منع تدفق المياه عنه عبر خزانات وأبار حُفرت خصيصاً، ما أدى إلى جفاف العين.
ويقول الباحث والناشط الفلسطيني ضد الاستيطان فارس علي، لـ”النهار”، إن الاعتداءات في منطقة شلال العوجا، أو ما يُعرف فلسطينياً برأس عين العوجا، متكررة ومتتالية، وقد تصاعدت بشكل كبير مؤخراً.
ويوضح أن هذه الاعتداءات استهدفت المنطقة بسرقة المواشي، وإقامة بؤرة استيطانية قرب الشلال، ومنع تدفق المياه خلال موسمها الطبيعي، ما أدى اليوم إلى جفاف العين. ويؤكد علي أن السبب وراء ذلك يعود إلى إقامة خزان ماء من قبل شركة “ميكوروت” الإسرائيلية قرب الشلال، إضافة إلى حفر آبار أخرى شرق رام الله وصولاً إلى العوجا، مما أثر على تدفق المياه السطحية والجوفية.
ويضيف علي أن هذه الاعتداءات دفعت الكثير من الفلسطينيين إلى بيع مواشيهم، بينما اضطر آخرون لوضعها داخل حظائر خشية سرقتها، وهو ما يسبب خسائر مالية كبيرة للمزارعين.
أما الضربة الأشد فكانت في تجمع “عرب المليحات” القريب من العوجا، حيث أقام المستوطنون بؤرة داخل التجمع وهاجموا المنازل، ما أدى إلى تهجير 70 عائلة قسرياً في يوم واحد، أي نحو 500 شخص، بعد أن عاشوا في المنطقة نصف قرن. ويخشى أهالي رأس عين العوجا أن يلقوا المصير نفسه.
إلى جانب ذلك، يهدد مشروع “إي 1” الاستيطاني بقطع أوصال الضفة الغربية، وتقسيمها إلى شمالية وجنوبية، ما سيضاعف معاناة سكان الأغوار ويشل الحركة التجارية والزراعية.
صمود رغم القيود
على الرغم من كل هذه الضغوط، يستمر سكان الأغوار في الزراعة، لكنهم يواجهون يومياً سياسات تهدف إلى خنق وجودهم: من مصادرة صهاريج المياه، وسرقة الأعلاف، وتكسير ألواح الطاقة الشمسية، وصولاً إلى منع استخدام البيوت البلاستيكية الزراعية. ويرى ناشطون أن فرض عقوبات شخصية ومالية على المستوطنين قد يكون وسيلة فعالة للحد من اعتداءاتهم، طالما أنهم يتصرفون بمعزل عن أي محاسبة قانونية محلية أو دولية.
هكذا، تبقى الأغوار الفلسطينية عنواناً لصراع بقاء، بين شعب يسعى لتثبيت وجوده على أرضه، واحتلال يسعى إلى اقتلاع هذا الوجود لصالح مشروع استيطاني يتمدد بلا توقف.
أخبار سوريا الوطن١-وكالات-النهار
syriahomenews أخبار سورية الوطن
				
 
		
											
											
											