تسعى اللجنة التحضيرية لمهرجان بغداد السينمائي الأول أن تكون هذه الفعالية الفنية والثقافية لائقة باسم العراق وعمقه الحضاري المعروف. وقد أعلن رئيس المهرجان الدكتور جبار جودي خلال الأشهر القليلة الماضية عن الأفلام المشاركة في مسابقات الأفلام الوثائقية والروائية القصيرة وأفلام التحريك، كما انتهت اللجنة من اختيار الأفلام الروائية الطويلة التي بلغ عددها 12 فيلمًا عراقيًا وعربيًا وهي من الأفلام المهمة بثيماتها ومقارباتها الفنية إضافة إلى حصولها على جوائز مرموقة في مهرجانات عربية ودولية ذائعة الصيت وتشارك فيها نخبة من الأسماء الفنية المعروفة على صعيد التأليف والتمثيل والإخراج والتقنيات السمعية والبصرية. تضم الأفلام المشاركة ثلاثة أفلام روائية عراقية، وتسعة أفلام عربية تمثل كلاً من مصر والسودان وسوريا والأردن وفلسطين والكويت واليمن وتونس والمغرب.
وأوضح د. جبار جودي أنّ الأفلام العراقية الروائية الطويلة هي: فيلم (آخر السعاة) للمخرج سعد العصامي، وفيلم (ميسي بغداد) للمخرج سهيم عمر خليفة، وفيلم (عروس المطر) للمخرج حسين حسن. في حين ضمّت قائمة الأفلام العربية الفيلم اليماني (المُرهَقون) للمخرج عمر جمال، والفيلم السوري (رحلة يوسف) للمخرج جود سعيد، والفيلم المصري (طرف الخيط) للمخرج شريف شعبان، والفيلم الفلسطيني (حمّى البحر المتوسط) للمخرجة مها الحاج، والفيلم المغربي (مُطلّقات الدار البيضاء) للمخرج محمد عهد بن سودة، والفيلم الكويتي ( الشرنقة) للمخرج أحمد التركيت، والفيلم السوداني (وداعًا جوليا) للمخرج محمد كوردفاني، والفيلم الأردني (إن شاء الله ولد) للمخرج أمجد الرشيد، والفيلم التونسي (بنات ألفة) للمخرجة كوثر بن هنية وسوف تُعرض هذه الأفلام الروائية خلال أيام المهرجان الذي تنطلق فعالياته للمدة من 10 ولغاية 14من شهر شباط (فبراير) 2024م. ولكي نحيط القارئ الكريم علمًا بطبيعة هذه الأفلام وثيماتها الرئيسة والفرعية نقول إنها تتمحور على الحرب، والإعاقة البدنية، وموت بعض الوظائق التقليدية، ومقاتلة داعش، والإجهاض، والصداقة، وظاهرة الطلاق، والميراث في مجتمع ذكوري متشدد، والانضمام إلى قبضة الإرهاب، وانقسام السودان وتمزق نسيجه الاجتماعي والقومي.
انعتق بعض الأفلام الروائية العراقية الطويلة من ثيمة الحرب المكررة مثل فيلم “آخر السُعاة” المُقتيَس عن قصة “ساعي البريد الفرنسي” لجوزيف فردينان شوفال وقد أستطاع كاتبا السيناريو سعد العصامي وولاء المانع أن يُكيّفا هذه القصة بما يتناسب مع البيئة العراقية، فثمة ساعي بريد يُفصل من مهنته بعد الثورة التكنولوجية وتطور وسائل الاتصال الحديثة ولم تعُد هناك حاجة لسُعاة البريد، ثم تؤخذ أرضه من قبل جاره الإقطاعي كديّة على جريمة لم يرتكبها، فيبدأ برحلة البحث عن صديقه الذي انتقل إلى إحدى المدن العراقية بعد إحالته على التقاعد. اشترك في تمثيل هذا الفيلم رائد محسن، أيار عزيز خيون، مقداد عبدالرضا، اياد الطائي ومهدي صلاح.
لم ينجُ فيلم “ميسي بغداد” للمخرج الكوردي العراقي سهيم عمر خليفة من فكرة العنف كليًا وأنا أتحدث عن فيلمه الروائي القصير الذي يحمل الاسم ذاته ومدته 17 دقيقة وأنجزه سنة 2013م، ثم طوّر هذا الفيلم ليصبح روائيًا طويلاً مدته 88 دقيقة. يتناول هذا الفيلم قصة طفل عراقي بساق واحدة مولع بنجم كرة القدم الأرجنتيني ليونيل ميسي لكن أصدقائه يمنعونه من اللعب بسبب إعاقته البدنية التي تحول دون حراسة مرماهم ويستعيضون عنه بفتاة. علاقة ميسي بغداد بالتلفاز قوية لأنه يتابع المباريات الدولية لكن هذا الجهاز يعطل فيذهب مع والده إلى بغداد لإصلاحه غير أنّ رصاصة طائشه تصيب الأب وهو يمشي مع ابنه في شوارع العاصمة العراقية.
أما الفيلم العراقي الطويل الثالث فهو “عروس المطر” لحسين حسن الذي عُرض في الدورة التاسعة لمهرجان دهوك السينمائي فهو يتناول موضوع الدمار والخراب الذي خلفته الحرب ضد داعش من زاوية إنسانية. ولابد من الإشارة إلى أنّ الدورة الأولى من مهرجان بغداد السينمائي قد استقطبت العديد من الأفلام الكوردية العراقية ونتمنى على المهرجانات الكوردية في الإقليم أن تكون حاضنة للأفلام العراقية المنجزة في وسط وجنوب العراق.
يتناول الفيلم اليماني “المُرهَقون” للمخرج عمر جمال النتائج السلبية للحرب على اليمن وتأثيرها على الأوضاع المعيشية للسكان، كما يركز من جانب آخر على عائلة تفكر بإجهاض الطفل الرابع بسبب تدهور الوضع الاقتصادي لهما بعد أن فقدا الوظيفة وبقيا بلا مصدر رزق.
تتشعّب قصة فيلم “رحلة يوسف” للمخرج السوري جود سعيد إلى أحداث ووقائع كثيرة من بينها الحرب والمليشيات المسلّحة التي سيطرت على قريته ومع ذلك فقد ظل مرابطًا في منزله لكن خوفه على حفيده زياد، يتيم الأب والأم، مع حبيبته هاجر وخالتها هو الذي دفعه إلى الفرار نحو الحدود اللبنانية بعدما حاول أحد زعماء المليشيات الاستيلاء على الفتاة ذات الستة عشر عامًا.
يسرد فيلم “حمّى البحر المتوسط” للمخرجة الفلسطينية مها الحاج قصة صديقين متناقضين من الداخل لكنهما يتشابهان بالألم واليأس. فالأول وليد يبحث عن حبكة لرواياته وحياته بعد أن هجره الإلهام، والثاني جلال الذي يبحث عن صديق يساعده في حل مشاكله.
يتمحور الفيلم المغربي “مُطلّقات الدار البيضاء” للمخرج محمد عهد بن سودة على ظاهرة الطلاق في المغرب ويناقش حضانة الأطفال وهفوات القانون فيما يخص مدوّنة الأسرة.
تدور أحداث “وداعًا جوليا” للمخرج محمد كُردفاني حول فترة ما قبل انفصال جنوب السودان بقليل، حيث تسعى مغنية سابقة من سكّان الشمال إلى التخلص من الإحساس بالذنب بعد تسببها في وفاة رجل من الجنوب، عن طريق تعيين زوجته خادمة لها. والفيلم ينذر ويحذّر من تشظيات أخرى في البيت السوداني إن لم تنظر الحكومات بعدالة إلى كل المكوِّنات العرقية والدينية والمذهبية في هذا البلد المترامي الأطراف.
يتناول فيلم “إن شاء الله ولد” للمخرج الأردني أمجد الرشيد قصة كفاح امرأة تضطر لمواجهة الهاجس الذكوري في عائلتها إثر وفاة زوجها بجلطة دماغية في مجتمع قد يسلب النساء حقوقهن إذا لم ينجبنَ ذكرًا.
تثير المخرجة التونسية كوثر بن هنية في فيلما الموسوم “بنات ألفة” نقاشًا حول قضية العنف وخلاياه النائمة من خلال أم تونسية لديها أربع بنات (رحمة وغفران وتيسير وآية) اللواتي يعشن حياة عادية تبدو مستقرة لكن ثمة تحوِّل دراماتيكي يحدث حينما تقع الشقيقتان الكبيرتان في قبضة الإرهاب وتنضمّان إلى إحدى الخلايا المسلّحة على الحدود الليبية. يمزج هذا الفيلم الذي ذاع صيته في المهرجانات العربية والعالمية وهو يمزج بين تقنية الفيلم الوثائقي والروائي في آنٍ معًا.
لابد من الإشارة إلى أنني لم أجد أية معلومة تُذكر عن فيلم “طرف الخيط” للمخرج المصري شريف شعبان وفيلم “الشرنقة” للمخرج الكويتي أحمد الكرتيت. وجدير ذكره أن الدكتور جبار جودي قد أعلن أيضًا عن مسابقة (فضاءات سينمائية جديدة)التي تشمل أكثر من عشرة أفلام روائية قصيرة أنتجتها نقابة الفنانين العراقيين. من جانبه صرّح مدير المهرجان الدكتور حكمت البيضاني قائلاً بأنّ المهرجان سيشهد تكريم ثلاث شخصيات سينمائية عراقية مهمة لها حضورها الإبداعي الكبير في المشهد السينمائي، وفي مقدمتهم المخرج الكبير محمد شكري جميل الذي تحْمل هذه الدورة اسمه حيث سيمنح جائزة إنجاز العمر لما قدّمه من منجزات سينمائية خالدة على مدى عقود طويلة وذلك في حفل الافتتاح الذي سيتضمن عرض نسخة مرممة من فيلمه الروائي الطويل (الظامئون) الذي أخرجه عام 1972م، إضافة الى تكريم الفنان القدير قاسم الملاك، نجم الكوميديا في السينما العراقية، والفنان المتألق سامي قفطان الذي يعد أكثر الفنانين العراقيين تمثيلاً حيث بلغت مشاركاته أكثر من 25 فيلماً، فضلاً عن دليل شامل عن فعاليات وبرامج المهرجان .
وأشار البيضاني الى أن المهرجان سيصدر كتابًا مهمًا عن مسيرة وتجارب هؤلاء السينمائيين الكبار من تأليف الإعلامي عبد العليم البناء يحمل عنوان (جواهر سينمائية) الذي يجيء ضمن إصدارات المهرجان التي تشمل كتاب (فيلموغرافيا السينما العربية) للناقد والمؤرخ السينمائي مهدي عباس، وكتاب (ضياء البياتي مذكرات مدير إنتاج سينمائي)، وإصدار عدد خاص من مجلة السينمائي .
وأضاف أن المهرجان سيشهد حضور ومشاركة كوكبة لامعة من نجوم وصناع السينما العربية والعراقية، فضلاً عن عدد من النقاد والإعلاميين العراقيين والعرب المعنيين بالسينما. وهناك عدد من الندوات من بينها ندوة ( سبل تعزيز الإنتاج السينمائي العربي المشترك)بمشاركة عدد من صناع ومنتجي السينما العربية.
سيرياهوم نيوز 2_راي اليوم