الرئيسية » كتاب وآراء » الأقاليم السورية الخمسة  فكرة للحوار … لفتح الباب المسدود

الأقاليم السورية الخمسة  فكرة للحوار … لفتح الباب المسدود

 

 

د.محمد حبش

 

أعلنت الدولة السورية الجديدة عن الهوية البصـرية للدولة في مهرجان حاشد هائل لم تشهده سوريا من قبل، وكانت المهرجانات مدهشة من حيث التحضير، والانطلاق والانتشار والتأثير.

وقد تم شرح ذلك برياش العُقاب التي تمثل 14 محافظة في سوريا وكذلك عبر ظلالها الخمسة في أسفل العقاب التي عبر عنها الرئيس الشـرع نفسه بانها الأقاليم الجغرافية الخمسة لسوريا وهي الإقليم الشرقي والغربي الشمالي والجنوبي وإقليم المركز.

ومع أن هذا المصطلح جديد على الثقافة السورية البعثية القومية، ولكن يجب الاعتراف بأنه ضرورة حتمية ومجتمعية وسياسية للتوجه نحو الدولة الحديثة، ولعله يشكل أساساً منطقياً لسوريا الجديدة.

في الواقع السوري فإن القدر المتفق عليه هو أن سوريا الموحدة المركزية التي حكمها حافظ الأسد بيد من حديد هي اليوم غير ممكنة على الإطلاق، ولن تتم إلا على صفيح لاهب من الحرب، وعبر ضحايا ودماء تلعن كل ما فرحنا به من ثورة الحرية والكرامة، ومن وجهة نظري فإن هذه الصيغة غير مطلوبة أيضاً، بل يجب أن تكون سوريا موحدة في ظل نظام لامركزي يوفر الأمان والكرامة للسكان ويعيد الطمأنينة لكل مواطن.

وهذه الحقيقة أدركها الآباء السوريون الأوائل وأنجزوا في العصـر الديمقراطي السوري قانون التنظيمات الإدارية رقم (496) تاريخ 21/11/1957 الذي كان يتسم بالعقلانية والموضوعية والمنطق، وتفهم حاجات المناطق السورية المختلفة ومنح المحافظات حق اختيار ممثليها ومجالسها الاستشارية وإحياء اللغات المحلية والثقافة التراثية السائدة في كل إقليم.

كان قانون التنظيمات الإدارية (أو قانون الإدارة الذاتية) كافياً لمعالجة كل التوتر والريب التي كانت متبادلة بين العاصمة والأطراف، وعبر هذا القانون شعرت الأطراف أنهم شركاء لا أجراء، وشعرت الدولة أيضاً أن لديها شركاء لا موظفين.

للأسف لم يكتب لهذا القانون عمر طويل، ولا أملك التأكيد ما إذا جرت بالفعل عمليات ديمقراطية لاختيار ممثلي هذه المحافظات، فبعد عام وشهرين قامت الوحدة العربية بين سوريا ومصـر وتم إيقاف مفاعيل هذا القانون ليحل مكانه قانون آخر عام 1960 أضدره جمال عبد الناصر بعنوان قانون الإدارة المحلية الذي اعتمد نظاما ًمركزياً مفرطاً، وأمعن في تطبيقه وإرغام الناس عليه، وكانت النتيجة كما نعلم جميعاً انهيار الوحدة وانفصال الإقليم الشمالي عن الإقليم الجنوبي، وما تلا ذلك من اتهامات متبادلة لم تنته إلى اليوم.

في عام 2011 أعاد النظام السوري إصدار قانون الإدارة المحلية ومع أنه نص مباشرة على دور اللامركزية وأهميتها لتحقيق حاجات الناس وطموحاتهم ولكنه أصدر القانون بصيغة استبدادية قامعة، وحول حقوق المحافظات إلى ديكورات تجميلية لا تنعكس في شيء على المشاركة الحقيقية للناس، وظل الكاتب والآذن والموظف يحتاج في تعيينه لقرار من السلطة المركزية، وقد قام النظام بما هو أفحش من ذلك حين كان يصـر على إرسال محافظ من غير المنطقة، مهما توفر في المحافظة من كفاءات وخبرات، الأمر الذي أدى إلى غياب أي ثقة بين الدولة وبين الناس.

وعلى رغم النص الهزيل لقانون الإدارة المحلية 2011 فإن النظام لم يطبقه أيضاً من الناحية العملية، بل فعل ما هو أهزل، وظل التواصل مع الوحدات الإدارية يتم أساساً عبر المخابرات وضباط الأمن، فيما يتولى المحافظ والإداريون تطبيق التعليمات.

اليوم تحتاج سوريا إلى اعتراف بفشل الأنظمة المركزية في صناعة الوحدة المجتمعية، وفشل الأنظمة الاستبدادية في تنمية البلاد وتحقق ازدهارها، والأسوأ من ذلك هو تسبب النظام الاستبدادي المركزي في تدمير الوحدة الوطنية ووضع البلاد على شفا الحرب الأهلية أربعة عشر عاماً وهي تزداد تفجراً وخطورة.

إن العمل على قيام خمسة أقاليم جغرافية تتمتع باللامركزية الإدارية كما تنص على ذلك كل قوانين الإدارة المحلية، يعتبر من وجهة نظري حلاً محتملاً لواقع الاحتقان والصـراع الذي انكشفت عنه الشهور الأولى من الدولة الجديدة، وأدى إلى أجواء مرعبة من التحفز والتوتر وانعدام الثقة بين الدولة وبين الناس في مناطق كثيرة.

يكاد يكون من المستحيل التفكير بهذه الحلول في ظل الإعلان الدستوري الحالي الذي أعاد تأكيد المركزية بشكل مفرط، وألغى مناصب أساسية في الدولة كرئيس الوزراء وخنق صلاحيات المحكمة الدستورية العليا، وألغى انتخابات مجلس الشعب، ولم يمنح المكونات الرئيسية في البلاد أي مشاركة في صناعة القرار.

ولكن طريق الألف ميل يبدأ بخطوة، وعلينا أن نقدم للرأي العام خيارات وحلولاً ممكنة من اللامركزية الواعية تنقذ البلاد من الواقع المخيف الذي وصلت إليه، ويوقف التحشيد والتحريض الذي يمارسه رجال المعارضة ورجال النظام.

الوحدة السورية باتت اليوم مهددة، بعد الأحداث الدامية في السويداء والتي زاد في تعقيدها التدخل الإسرائيلي السافر، وقد بات الشرق السوري أمام سيناريوهات مختلفة، وعلى الدولة أن تتحرك بسرعة للوصول إلى خيار وطني ينقذ سوريا ويكف عنها أيدي الغرباء.

ومع أن الهاجس الطائفي هو أصعب الهواجس، ويشكل أكبر المخاطر، ولكن هذا لا يقلل أيضاً من الجوانب الموضوعية الأخرة لقيام لامركزية إدارية تناسب واقع السوريين، فالسوري في الجزيرة والفرات يهتم بالنخلة والفرات والشعر النبطي ولكن لا يعنيه البحر في شيء، فيما يهتم ابن الساحل بالبحر وما يخلقه من تجارة وسياحة وانفتاح ولا تعنيه النخلة ولا الشعر النبطي.

في الشمال يهتم السوري بالتجارة مع الجار التركي، حيث تنقسم العوائل دوماً على طرفي الحدود، وهو أمر قد تضاعف بشكل مريع، فيما لا يعنى الجنوبي بأمر تركيا في شيء وتجد عوائله وأسره موزعة في الجانب الأردني.

اللامركزية ليست اضطراباً وطنياً ينشا عن الخيانة والعمالة، بل هي مصطلح أصيل معروف في القانون الدستوري الدولي، وقد قدمه القانون السوري بكل ثقة في النسخ الثلاثة لقانون الإدارة المحلية، واعتبره جوهر قيام التنمية والحرية والكرامة.

الدفاع والخارجية في المركز، ثم لكل وزارة أخرى حقل مركزي وحقل محلي، ينظمه القانون، وهكذا تبقى الدولة موحدة في سياق اختيار الناس وكرامتهم.

أمريكا خمسون ولاية، تنتخب كل ولاية حكامها ونوابها وشيوخها، وألمانيا ولايات وبريطانيا أربع دول تاريخية، والإمارات سبع إمارات، وهذا يجري في العالم كله بسلاسة واحترام، وأنا أعتبره في بلاد كبلادنا أهم ضمانة لوحدة البلاد ومنع الاستبداد.

نعم أنا مع فكرة الأقاليم الخمسة، ومع قانون جديد للإدارة المحلية يبني رؤية موحدة لوطن يقوم على خمسة أقاليم، تتحدد اهتماماتها بحاجات كل إقليم في الجغرافيا والثقافة واللغة، واهتماماتها البحرية، أو البرية أو الصحراوية أو الزراعية، وكذلك اهتماماتها الدينية والمذهبية، وتظهر فيها قوى سياسية فاعلة، توفر الفرص لطبقة سياسية فعالة، وتمنع قيام استبداد جديد، والأهم هو بالطبع الإنسان.

(أخبار سوريا الوطن 1-صفحة الكاتب)

x

‎قد يُعجبك أيضاً

العالَمُ يَشتَعِلُ من غزَّةَ إلى أوكرانيا، مرورًا بممر زِنغزور إلى تايلاند وكمبوديا

      ميخائيل عوض   ١ العالَمُ القَديمُ الأنجلو سَكسوني، بِقيادةِ حُكومةِ الشَّركاتِ الخَفيَّةِ، قَرَّرَ إشعالَ الحَرائقِ في كُلِّ مَكانٍ، وَعازِمٌ على مَنعِ إطفاءِ ...