سعيد محمد
كانت البروفيسورة الأميركيّة الهدف الأحدث للحملة الصهيونية الشرسة ضد الخطاب الأكاديميّ المعارض لحرب الإبادة الصهيونية. إذ قررت «كليات هوبارت وويليام سميث» في نيويورك وقفها عن التدريس وتحويلها للتحقيق بعد نشرها مقالاً مؤيداً للمقاومة وصفت فيه منظر الطائرات الشراعية المحلّقة نحو فلسطين المحتلة في السابع من أكتوبر، بالمبهج وبأنّه «تحطيم جماعي لحدود الممكن»
«المكارثيّة حقيقية. لقد تم إعفائي من مسؤوليات التدريس. لا تتوقفوا عن الحديث عن فلسطين». هكذا كتبت المفكّرة اليساريّة والأكاديمية الجامعية البارزة جودي دين على أكس بعد إعفائها من التدريس في «كليّات هوبارت وويليام سميث» في نيويورك في انتظار إجراءات التحقق من احتمال وجود «طلّاب في الحرم الجامعي قد يشعرون بالتهديد داخل أو خارج الفصل الدراسي» بسبب مقالة نشرتها الأسبوع الماضي على موقع الناشر (فيرسو) أعربت فيها عن تأييدها للمقاومة الفلسطينية. وجاء الإعفاء في رسالة إلكترونية بعثها رئيس «الكليّات» مارك دي جيران، إلى مجتمع الحرم الجامعي، مثيراً عاصفة من الانتقادات في الأوساط الأكاديمية في الولايات المتحدة وأوروبا. وفي رسالته، أدان جيران آراء دين، مشدّداً على أنه في حين أنّ «الكليات» تدعم الخطاب الحضاريّ، فإنّه «لا يمكننا ولن نتغاضى أبداً عن العنف أو نثني عليه، وخصوصاً عندما يكون هذا العنف موجهاً ضد الأفراد على أساس دينهم أو عرقهم أو أصلهم القومي».
وفي رسالة توضيحية بعثت بها عميدة الشؤون الأكاديمية في «الكليات» سارة كيرك، قالت إنّ المؤسسات الأكاديمية في الولايات المتحدة ملزمة بموجب القوانين الفدرالية لمكافحة التمييز، بما في ذلك الباب السادس، بالتحقيق في تكوّن «بيئات معادية» محتملة ضد أفراد على أساس أصلهم القومي أو العرقي أو غيرهما من الفئات المحمية الأخرى. وأضافت: «هذا هو القانون، ونحن نلتزم به تماماً». وقالت متحدثة باسم «كليّات هوبارت وويليام سميث» إنّ دين ستواصل تقاضي راتبها أثناء التحقيق، ويمكنها الوصول إلى مكتبها واستعمال مرافق الكليات لإجراء الأبحاث. ورفضت المتحدثة قبول أي تلميح إلى أنّ الحرية الأكاديمية قد انتُهكت، مشيرة إلى أنّ البروفيسورة أدلت بتعليقات مماثلة للمقال المثير للجدل في محاضرة في الحرم الجامعي في 28 آذار (مارس) الماضي. وأطلق أساتذة جامعات مرموقون عريضة وقّعها أكثر من ألف أكاديمي توجهت إلى رئيس الكليات بهدف حثّه على إلغاء أمر إيقاف دين بصفة فوريّة، والامتناع عن أي انتهاكات أخرى للحريات الأساسية لأي أكاديمي، معتبرين أنّ قرار الرئيس يرقى إلى «انتهاك خطير لحرية التعبير والحرية الأكاديمية».
وكانت دين (الأخبار 9/11/ 2019) التي اشتهرت بأعمال فكرية ذائعة الصيت، قد نشرت مقالة بعنوان «فلسطين تتحدث باسم الجميع» على موقع «فيرسو» الناشر ذي الميول اليسارية، ووصفت فيها مشهد الطائرات الشراعية الفلسطينية التي عبرت نحو الأراضي المحتلة في السابع من تشرين الأول (أكتوبر) 2023 بأنها كانت «مبهجة للعديدين منّا». وقالت: «من منا لم يشعر بالانفعال لرؤية الناس المضطهدين وهم يهدمون الأسوار التي تحيط بهم، ويحلقون في السماء هرباً، ويطيرون بحرية في الهواء؟». واستنتجت بأن مشهد السابع من أكتوبر كان «تحطيماً جماعياً لحدود الممكن، وجعل الأمر يبدو كما لو أن بمقدور أيّ منّا أن يكون حراً، وكما لو أنّ الإمبريالية والاحتلال والقمع يمكن الإطاحة بها، وستتم الإطاحة بها».
وقرّعت دين في مقالها الأكاديميين اليساريين «الأنذال» الذين جعلوا دعم فلسطين مشروطاً بإدانتهم لحركة «حماس». لكن المقالة دفعت جهات صهيونية لإطلاق حملة إلغاء وكراهية ضد دين على الإنترنت بعد أربعة أيّام على نشر مقالتها (يمكن الاطلاع على ترجمة للمقالة إلى العربيّة على «مدونة الثقافة المضادة» counterculture1968.com).
ويمثّل قرار «كليّات هوبارت وويليام سميث» المتعسّف بحق دين نموذجاً آخر على الشراسة الوقحة التي يواجه بها كل من يتحدى السرديّة العبرانية بشأن فلسطين في الجامعات الغربيّة أو يتبنى فيها خطاباً معادياً لحرب الإبادة الإسرائيلية في قطاع غزّة. وتعرّض أساتذة بارزون في جامعات أميركيّة وبريطانية وألمانيّة، وبعضهم يهود، للفصل التعسفي، أو ألغيت عقود توظيفهم، وحولوا إلى تحقيقات مكارثيّة الطابع بسبب خطابهم المؤيد للفلسطينيين. ويشير بعضهم إلى أن ضغوطاً خفيّة تمارسها جهات مانحة مرتبطة باللوبي الصهيوني، قد تكون وراء توجه بعض الجامعات إلى التشدّد في مصادرة الآراء، فيما يرى آخرون أن ثمّة جذوراً عنصريّة عميقة تطبع توجهات إدارات الجامعات وتجعل شعارات الحرية الأكاديمية وحق التعبير ممارسةً انتقائيّة، بل مجرد نكتة سمجة للسخرية من عقول المغفّلين.
وقد تحدثت دين إلى الصحافة تعليقاً على قرار الكليات، قائلةً «إنّ عدم القدرة على الاعتراف بشجاعة المقاومة وعزمها هو أحد الأشياء التي تمنع تطوير أكبر قدر من التضامن الذي نحتاجه حقاً هنا في بطن الوحش، في الولايات المتحدة، للمشاركة في وقف هذه الإبادة الجماعية وتقديم دعم حقيقي للفلسطينيين». وأكّدت أنه «من الجليّ أن إسرائيل منخرطة في حرب إبادة جماعية، وأن الجهود المبذولة للتظاهر بأنّ هذا لا يحدث لا تزال فاعلة، ولا سيما في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وألمانيا، بما في ذلك المحاولات لإملاء رد فعل الناس وصياغة كيف يجب أن يشعروا تجاه الجرائم الإسرائيلية». ورأت دين أنّ مؤسسات التعليم العالي جزء من النظام الإمبريالي الذي يحافظ على الدعم المؤسسي في الولايات المتحدة لـ «إسرائيل»، لكنّها أعربت عن تفاؤلها بأن هذا الجزء تحديداً بدأ بالانحسار بعد السابع من أكتوبر «أكثر من أي وقت مضى، منذ عام 1967 على الأقل».
سيرياهوم نيوز1-الاخبار اللبنانية