| نبيه البرجي
دعيت الى جلسة دورية لنخبة من الشخصيات العربية المقيمة في باريس. جنسيات، وربما أجناس مختلفة. هنا المغربي الذي لم يعد يفاخر بأبي زيد الهلالي ولا طارق بن زياد، والعراقي الذي يرى أن الحجاج بن يوسف ما زال يقطع رؤوس أهل الرافدين، والسوري يسألك ما اذا كان الدمشقيون يزورون ضريح محيي الدين بن عربي.
الآن، زمن الخبز الضائع، والمازوت الضائع، والأهم زمن التراب الضائع. «هذا ما حملنا الى التراب الفرنسي، وان كانت مارين لوبن قد علقت في غرفتها لوحة لمعركة بواتييه، حيث دحر شارتل مارتل (مطرقة الله) العرب الذين أغوتهم المغانم». ولكن اذا دخلت زعيمة «الجبهة الوطنية» الى الاليزيه، ألا تنفجر فرنسا؟
المكان مقهى باريسي. وكانت الشاشة تنقل وقائع تتويج تشارلز ملكاً. في البداية دهشة أمام الأبهة الانكليزية، قبل أن تثير المغالاة في المظاهر، والكثير منها مملّ ومضحك، عبارات السخرية فيما الاقتصاد البريطاني يتعثر.
هنا يخطر السؤال لدى أحد المشاركين «ما دام انتخاب رئيس للجمهورية يثير لديكم أزمة كلما خلا الموقع، لماذا لا تتحولون الى النظام الملكي»؟ تعليقي «حتى لو أتينا بالملك من السماء لن يتوقف الصراع، لأن الطوائف قد تختلف حتى على الملابس الداخلية لصاحب الجلالة».
استغراب لكون اللبنانيين الذين كانوا أول من عرف الحداثة في الشرق، مصابين بالوباء الطائفي. «كيف لذلك المجتمع الديناميكي أن يكون رهينة في أيدي بارونات الفساد، وقد رأينا اللبنانيين هنا، بعد الأميركيين، الأكثر اقبالاً على شراء العقارات في المدينة (نحو 630 مليون دولار عام 2022)»؟ تعليق أحدهم «أمبراطورية في الخارج ومغارة في الداخل» !
ثناء لافت على الديبلوماسية السعودية باتجاه سوريا «التي ليس من مصلحة أحد أن تبقى مقطّعة الأوصال، ليستفرد بها الأتراك والاسرائيليون». الكل متفائل بما يمكن أن تأتي به قمة الرياض. أكاديمي تونسي توقع انقلاباً في المشهد الشرق أوسطي…
غضب على كل من عبد الفتاح البرهان ومحمد حميدي دقلو. رجل اعمال مصري رأى فيهما عميلين للموساد. «هنا أبلغني صحافي يهودي أن تل أبيب اخذت، منذ سنوات طويلة بدعوة رجل الأعمال النمساوي اليهودي صمويل روزنبرغ، الذي فتح أسواق آسيا الوسطى والقوقاز أمام الاسرائيليين، الى اختراق السودان باعتباره «منجم الشرق الأوسط»، كما أن الامساك باقتصاده (وبسياساته أيضاً) يمكن أن يساعد على تحقيق رؤية (أو رؤياً) ابا ايبان أن يكون البحر الأحمر «بحيرة يهودية»، ليس فقط لارتباطه بالليتورجيا العبرية، وانما لأنه في لحظة ما، قد يصبح «جدار النار في وجهنا».
في نظره أن «السعوديين انتزعوا ورقة الوساطة من اسرائيل، لتستضيف جدة المحادثات بين فريقي الصراع. حتى ان الأميركيين رأوا أن التدخل الاسرائيلي، حتى ولو كان التدخل الديبلوماسي، سيزيد من تعقيد الوضع. والله أعلم ما تقوم به حكومة نتنياهو بعيدا من الضوء».
رواد «طاولة السبت» حملوا أزمات بلادهم على ظهورهم. «ثمة وجه مرير للغربة، لكننا هنا تمكنا من أن نستعيد انسانيتنا. متى كان للمفاهيم التوتاليتارية أو القبلية، ان تعترف بالبعد الانساني للكائن البشري»؟
بأسى لم يعثر كل من الحضور على أي امكان للاستقرار أو للازدهار الوشيك في بلاده «على العكس من ذلك، الأرقام تتداعى على نحو تراجيدي، على أمل أن يفضي اتفاق بكين الذي لا بد أن يكون عرضة لضغوط ولتعقيدات لا تحصى، الى تشكيل منظومة اقليمية اقتصادية على الأقل، للانتقال من ثقافة البداوة الى العالم التكنولوجي».
لماذا فرنسا بالذات ؟ أولاً لكونها دولة القانون، لا دولة اللاقانون. هي الطريق الى أوروبا، والى أفريقيا، وحتى الى أميركا. وحين سألت ما اذا كان بالامكان ظهور لوبي عربي في القارة العجوز، كادت الضحكات تكسر زجاج المقهى. «كما لو أنك تحاول أن تلتقط الرياح بيديك».
أخيراً «ننتظركم في لبنان». ردهم «حتماً سترانا في ربوعكم حال أن تطردوا لصوص الهيكل». حتى اللحظة العكس الذي يحصل. لصوص الهيكل يطردوننا…
(سيرياهوم نيوز3-الديار)