الرئيسية » يومياً ... 100% » الأمريكيون يعيشون وسط الحرب الأهلية!!

الأمريكيون يعيشون وسط الحرب الأهلية!!

 

علي عبود

 

يلقى فيلم (الحرب الأهلية) للمخرج أليكس غارلاند الذي يعرض حاليا إقبالا كبيرا في صالات العرض الأمريكية، وخاصة بعد اندلاع الخلاف بين الحكومة الفدرالية من جهة وحاكم ولاية تكساس غريغ أبوت من جهة أخرى على خلفية قضية الهجرة غير النظامية.

وتحاول حكومة تكساس، بتشجيع من المرشح للرئاسة دونالد ترامب، إغلاق نقاط الدخول عبر تثبيت أسلاك شائكة بينما ترفض إدارة الرئيس جوبايدن الأمر، مما أدى إلى خلافات شديدة دفعت بالحاكم إلى التلويح باستقلال الولاية الغنية بمواردها عن الولايات المتحدة.

وقد أعاد ذلك التلويح إلى الأذهان المأساة الكبرى في التاريخ الأميركي ، وهي الحرب الأهلية التي اندلعت خلال السنوات (12/4/1861 ـ 9/4/1865) بين ولايات الشمال وولايات الجنوب حول الاتحاد، وكانت تلك الحرب قد انطلقت من تكساس.

وليست المرة الأولة التي تلوح فيها تكساس بالإستقلال، لكن المرعب في الأمر هو تأييد 25 ولاية أميركية لدعوة حاكمها.

ويشير المخرج أليكس غارلاند في فيلمه الجديد إلى الشرخ الأميركي، إذ تدور الأحداث حول حرب أهلية تندلع في الولايات المتحدة بعد قرار مجموعة من الولايات الانفصال عن الاتحاد الفدرالي وتشكيل دولة مستقلة، ويرصد الفيلم فريقًا من الصحفيين يسافرون عبر الولايات خلال الحرب التي تزداد انتشارا في جميع أنحاء البلاد.

ويعكس الفيلم المخاوف التي تنتاب الحكومة العميقة من احتمالية نشوب حرب أهلية لوّح بها ترامب إن منعته هذه الحكومة من الوصول إلى البيت الأبيض.

ولم تتوقع الأجهزة الأمنية والمخابراتية ان تتعرض أمريكا فعليا لتهديد داخلي يتجسد بحرب أهلية ثانية، بدأت مظاهرها بوصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في عام 2016، وبارتفاع احتمال اندلاع مثل هذه الحرب في حال لم يفز ترامب في انتخابات 2024!!

وقد تفاجأ أركان هذه الحكومة بحادث اقتحام أنصار ترامب للكونغرس في عام 2021، وباندلاع أعمال شغب في عدة ولايات في السنوات الماضية،بل صُدموا بها لأنهم لم يتوقعوها رغم تحذيرات الكثير من المحللين والباحثين الأمريكيين، ويُمكن اختصار حال مسؤولي الحكومة الأمريكية العميقة بالسؤال الذي طرحه حاكم ولاية فرجينيا السابق (تيري ماكوليف) تساءل بعد أعمال العنف العنصرية في مدينة تشارلوتسفيل بالولاية عام 2017: كيف وصلنا إلى هذا الوضع ؟

وكانت الأحداث المذكورة انطلقت على خلفية الاعتراض على قرار السلطات إزالة نصب الجنرال الجنوبي (روبرت إي لي)، أحد أبرز رموز الحرب الأهلية الأمريكية (1861-1865).

وهذا التساؤل كان محاولة لاستكشاف الاتجاه الذي تسير إليه الولايات المتحدة وفق الكاتبة الأمريكية (روبين رايت)، وقد اجابت على سؤال حاكم فرجينيا بوضوح : “لأن وحدتنا باتت هشة، وكذلك دولتنا، بعد أن كنّا الدولة التي تُعرف في العالم بديمقراطيتها المستقرة”!!

وما كشفته رايت .. أيده أيضا (مايكل سيغنر)، عمدة تشارلوتسفيل السابق، حين اعتبر، في تصريحات لشبكة )سي إن إن) يوم 14 آب 2017، أن “أعمال العنف التى قام بها المتمردون البيض في تشارلوتسفيل أثبتت أن المبادئ الديمقراطية الأساسية للبلاد تتآكل”!

و لم تكن احداث تشارلوتسفيل مفاجأة فقبلها في 12 أب 2017، قُتلت امرأة وأُصيب 19 آخرون، عندما دهس رجل بسيارة مجموعة كانت تحتج على مسيرة لعنصريين من القوميين البيض والنازين الجدد في مدينة شارلوتسفيل، فيما أُصيب 15 آخرون في مناوشات بين الجانبين!

ووفق رايت فإن “الخطر ما زال يتنامي ويتخطى فكرة التجمعات العنيفة، بسبب تمكّن اليمين المتطرف، لأول مرة منذ نصف قرن، من دخول عالم السياسة”.

وقبل خمسة أشهر من هجوم شارلوتسفيل، وتحديدا في آذار 2017، قال (كيث ماين)، وهو مستشار سياسي في الجيش الأمريكي، لمجلة (ذا نيويوركر): “إن أمريكا قد تواجه بنسبة 60% حربا أهلية خلال السنوات العشر أو الخمس عشرة المقبلة”، (أليس هذا ما أكده المرشح الحالي دونالد ترامب إن لم يفز بالرئاسة الأمريكية)؟!

وتحدث دينيس براغر، وهو إذاعي ينتمي إلى تيار المحافظين، في حزيران 2017، عن إمكانات كبيرة لاندلاع حرب أهلية، حتى وإن لم ترافقها مظاهر عنف واضحة وكشف “أن المحافظين المناهضين للرئيس ترامب لايصدقون أن الأمريكيين قد يتقاتلون فعليا في إطار حرب أهلية، بينما يصدق ذلك المحافظون المؤيدون له” !!

براغر ذهب إلى أبعد من ذلك بالقول إن الأمريكيين يعيشون بالفعل وسط حرب أهلية دخلت منتصفها، حسب موقع (ذا دايلي سيغنل) الأمريكي!!

وقال أن “البعض يرفضون تصديق أننا في غمار حرب أهلية كونها غير عنفية، لكن الحرب الأهلية الثانية من وجهة نظري، لن تشترط اندلاع العنف”!

ورأى آخرون إن تعامل حاكم ولاية فرجينيا السابق مع الاعتداءات العنصرية لجماعات البيض في شارلوتسفيل، عبر إعلان حالة الطورائ في الولاية، يمثل أقرب شكل للحرب الأهلية!

وفي تحليل اعمق قال (كيث ماين)، وهو مستشار سياسي أمريكي، في تصريحات لمجلة (ذا نيويوركر)، في 14 آب 2017 ، “أن مصطلح الحرب الأهلية لابد أن يشمل نطاقا واسعا من أعمال العنف، يظهر في رفض السلطة السياسية التقليدية، واستدعاء الحرس الوطني للتعامل مع الأوضاع”..

ووفق فرضية ماين فإن تعامل حاكم ولاية فرجينيا السابق مع الاعتداءات العنصرية لجماعات البيض في شارلوتسفيل، عبر إعلان حالة الطورائ في الولاية، يمثل أقرب شكل للحرب الأهلية!

وتنص حالة الطوارئ المحلية، وفق بيان رسمي لشرطة شارلوتسفيل، على السماح للمسؤولين المحليين بطلب موارد إضافية لمواجهة الأحداث الجارية، فضلًا عن منع التجمعات غير القانونية..

واستنادا إلى خبرته في الحروب الأهلية، لمشاركته في مهمات عمل بثلاث قارات، استشهد ماين بخمسة محددات تدعم رؤيته، التي تشير إلى احتمال تعرض الولايات المتحدة لخطر الحرب الأهلية خلال سنوات !

وصنف تلك المحددات في: “الاستقطاب السياسي الراسخ، والتغطيات الصحفية المنقسمة، وضعف المؤسسات، لاسيما تلك المرتبطة بالكونغرس والقضاء، وتخلي القيادة السياسية عن مسؤولياتها، وتشريع العنف لحل المشكلات”.

ويرى محللون إن هذه المحددات تنامت بشكل متفاوت منذ ترشح الجمهوري دونالد ترامب لانتخابات الرئاسة في عام 2016، واحتدام الصراع السياسي بين الديمقراطيين والجمهوريين، الذي أفرز بدوره خلافات على صعيد السياسات الداخلية.

كما أن تفادي ترامب إدانة جماعات العنصريين البيض صراحة، وعدم تسميته لاعتداءات شارلوتسفيل بالـ “الإرهاب المحلي”، من بين أسباب تفاقم أزمة الاستقطاب في الولايات المتحدة، ودعم الممارسات العنصرية المتطرفة، وفق محللين.

واتضحت الأزمة أكثر من خلال استقالة أعضاء لجنة “الفنون والإنسانيات” بالبيت الأبيض (17 مستشارا) من مناصبهم، احتجاجاً على موقف ترامب من أحداث شارلوتسفيل، ومساواته بين المتطرفين اليمينيين ومناهضي العنصرية، فضلًا عن توجيه اتهامات لترامب بأنه “وراء تنامي جرأة الجماعات المتطرفة”!!

الخلاصة: لا يخفي ترامب استعداده للذهاب بعيدا في تفجير حرب أهلية تتخللها حمامات دم لم تشهدها أي حروب مماثلة في أمريكا متسلحا بأكثر من 40 مليون أمريكي يميني ومتعصب ونازي مدججين بالأسلحة الفردية، وربما بأسلحة أكثر فتكا، وقد وجّه رسالة صريحة جدا لمن يهمه الأمر: اما أنا أو الحرب الأهلية!

(موقع سيرياهوم نيوز)

x

‎قد يُعجبك أيضاً

الحرب على الوعي والمثقف الوطني المشتبك

  بقلم :د. حسن أحمد حسن   عندما يطوي السوريون تحت أقدامهم ثلاثة عشر عاماً من أقذر حرب عرفتها البشرية، ويفلحون في الحفاظ على كيان ...