آخر الأخبار
الرئيسية » الزراعة و البيئة » الأمن المائي العربي بين التطوّر والتغيّر المناخي

الأمن المائي العربي بين التطوّر والتغيّر المناخي

| أحمد الحاج

تبدّلت الظواهر الطبيعية وأصبحت الكرة الأرضية تتعايش مع فكرة طفرات الفصول، فتارةً تظهر السيول في باكستان وتغمر طرقات الرياض ودبي، وطوراً يضرب الجفاف أنهار القارّتين الأوروبية والأميركية، وفي كلتا الحالتين هناك خسائر اقتصادية، بيئية، بشرية واجتماعية. تقاطعت الأسباب ووصلت إلى نظرية الاحتباس الحراري الذي ينجم عن انبعاثات الكربون الذي بدوره يؤدي إلى تغييرات في التيارات الهوائية وحكماً المطرية – المائية. لتلك الأسباب أطلقت الأمم المتحدة عدة قمم مناخية، كقمة ستوكهولم ومدريد وكوبنهاغن وبازل وباريس وشرم الشيخ وغيرها، وأغدقت بالوعود والأموال لمساعدة الدول الباعثة للغازات الضارّة، على أن تنتقل تدريجياً إلى وسائل صديقة للبيئة وتحدّ من انبعاثاتها. وكعادتها، شاركت الدول العربية في تلك القمم ودفعت الرسوم المتوجّبة وتقبّلت الأرقام المفروضة عليها من انبعاثات للكربون من دون التفطّن إلى أنها ليست ضمن الدول العشر الكبرى الملوّثة.

كثرت المقالات العلمية عن أثر التغيّر المناخي، عن توقّعات لانهيار اقتصادات دول كبرى وعن تغييرات ديموغرافية مواكبة، وفي المقابل عن عودة الجنائن المعلّقة في شبه الجزيرة العربية. تاريخياً، وُثّقت أول حالة انعكاس تغيير للمناخ على الاقتصاد السياسي، في كتاب «IRAN-A Modern History»، للكاتب عباس أمانات، ففي نهاية القرن السابع عشر حين مرّ العالم بما يُسمّى «العصر الجليدي الصغير»، فقلّت الأمطار وأصبح الطقس أكثر برودة، ما أثّر على الزراعة والمراعي وجعل القبائل الفارسية في حالة من التوتر والثورة مؤدّياً إلى انهيار الدولة الصفوية.

ولمقاربة الموضوع أكثر، ومن خلال الاعتماد على الإحصاءات الرسمية لـ«البنك الدولي» و«منظمة الأغذية والزراعة»، و«الأسكوا»، و«وكالة الصحافة الفرنسية»، و«جامعة الدول العربية» منذ عام 2009 وحتى عام 2022، وبالنظر إلى خريطة العالم، نجد أن حزاماً مضطرباً بدأ في وسط أفريقيا، ومن ثم امتدّ إلى الشرق الأوسط وصولاً إلى اليمن. هذا الحزام، وليد التلاعبات الجيوسياسية، أدّى إلى هجرة الوسط الأفريقي الزراعي نحو شمال القارة السوداء التي ما لبثت أن دخلت بلادها في ما يُسمّى بـ«الربيع العربي»، والتي تدحرجت معها الأزمات العراقية واليمنية والسورية والنزوح إلى لبنان والهجرة إلى القارة العجوز، وبالتالي أدّت إلى استنزاف للموارد الطبيعية وزيادة الطلب على الطاقة والموارد المائية في البلاد المضيفة. وممّا زاد من تضخم أزمة الطاقة والهجرة هو الحرب الروسية – الأوكرانية التي منعت تدفّق الغاز الروسي، وانخفضت معها الصادرات الزراعية الأوكرانية التي كانت تلبي الأسواق الأوروبية، ما دفع ببعض الدول العربية إلى تلبية تلك الأسواق مهما كلّف من استنزاف لمواردها المائية لقاء العملة الأجنبية الصعبة.
هنا تكمن الخطورة الاستراتيجية، فالدول العربية قاطبة تعتمد على 5% من أراضيها للزراعة، أمّا 12% فهي أراضٍ زراعية لكنها غير مستثمرة (160 مليون هكتار) وتبقى 85% من الأراضي غير صالحة نهائياً. علماً أن البلاد العربية تعاني من شحّ في توزيع المياه العالمية، إذ تستحوذ على 2% من الأمطار، وعلى 7% من المخزون العذب الجوفي، و1% فقط من المياه السطحية، مع العلم أن 60% من مياهها الجارية تنبع من خارج حدودها. ومما زاد تفاقم الأزمة شروع دول المنبع الخارجية إلى إقامة المشاريع المائية الضخمة كمشاريع «الغاب» التركية على نهرَي دجلة والفرات وسد «النهضة» في أعالي نهر النيل والسرقة الإسرائيلية لمياه حوض نهر الأردن. حتى مع الخمسة في المئة من الأراضي العربية المزروعة وحدها الأردن والإمارات والبحرين وسلطنة عمان تخطّت المعدل الوسطي لإنتاج الهكتار الواحد في الزراعات المحمية (100 طن/هكتار) والسبب يعود إلى عامل وجود التكنولوجيا الزراعية الموفّرة للمياه وتوفّر الطاقة.

التغيّر المناخي مع تقلّص الموارد المائية والزيادة السكانية، يفرض وضع استراتيجيات فنية ومؤسساتية وبيئية سريعة

إحصائياً، تبلغ نسبة سكان الأرياف في الدول العربية 43% بينما سكان المدن 57%، أمّا نسبة القوى العاملة في الزراعة فتصل إلى 23%، بينما القوى غير الزراعية 77%، ما يدل على أمر من اثنين: إمّا مجتمع غير زراعي بالرغم من سكن الأرياف أو مشكلة في تقلّص الحيازة الزراعية يضاف إليها انعدام مياه الري.
في هذا الإطار، تشكّل الزراعة المستهلك الأول للمياه، إذ تستحوذ على 85% من استخدامات المياه (ري بالجر 75%، ري بالرش 22% و3% للري بالتنقيط) بينما تبلغ 7% للصناعة و8% للاستخدامات المنزلية. جميع هذه الاستخدامات تأتي من المياه السطحية بنسبة 81%، 14% من المياه الجوفية، 1% من المياه المالحة المحلّاة، 1% من مياه الصرف الصحي المعالج و3% من مياه البزل.
بالنسبة إلى الطاقة، لا يزال العالم يعتمد بنسبة 75% على الطاقة غير المتجددة مع ارتفاع سنوي في الإنتاج يصل إلى 2.7%. وفي التفاصيل، اعتمدت على أرقام «الوكالة الدولية للطاقة المتجددة» (IRENA)، وعلى إحصائيات الأعوام نفسها (2009 – 2022) من «Oil Market Report»، و«World Energy Outlook»، و «Bilan Géostrategique (Moyen Orient)»، ليتبيّن أن توزّع إنتاج واستخدامات الطاقة عالمياً تراوح ما بين 38% للطاقة الأحفورية، 24% للغاز، 16% للطاقة الكهرومائية، 10% للنووية، 5% للرياح، 2% للألواح الشمسية، 3% للفيول و2% للطاقة الحيوية. بالرغم من التقدم التكنولوجي والضوابط الناجمة عن قمم المناخ وتوجه الدول النامية نحو تخفيض انبعاثات الكربون نجد أنه خلال السنوات العشر الأخيرة تطوّر استخدام الطاقة الأحفورية 1.8%، الغاز 4.1%، طاقة الرياح 20%، ألواح الطاقة الشمسية 48%، المحطات الكهرومائية 2.6%، الطاقة الحيوية 9.2%، الطاقة الجيوحرارية 3.2% ولكنه تراجع بنسبة 4.3% للفيول و0.1% للطاقة النووية.

من الأرقام المبينة أعلاه، يمكن الاستخلاص بأن إنتاج الطاقة العالمي لا يزال يعتمد وبشكل أساسي على الطاقة غير المتجددة والمتمثّلة بالطاقة الأحفورية والغاز الملوّثيْن للجو وعلى كميات من المياه الضرورية – إن وُجدت – لتبريد المعامل النووية وتوليد الطاقة الكهرومائية. أمّا القمم المناخية فليست سوى دعاية عالمية لالتقاط الصور التذكارية وفرض سياسات وقروض وبرامج على الدول النامية، وما الدول العربية سوى مثال بالاعتماد الكلّي على الطاقة الأحفورية.

وضمن ما تقدّم من الوقائع والأرقام، لا يمكن فصل الأمن المائي العربي عن الطاقة الملبّية له لأن التجارب غير البعيدة أظهرت الفشل الذريع وأن الطاقة هي عصب الاقتصاد والإنتاج والأمن. لذا، ولأن التغيّر المناخي أصبح واقعاً ملموساً وخصوصاً مع تقلص الموارد المائية والزيادة السكانية، لا بد من وضع استراتيجيات فنية ومؤسساتية وبيئية سريعة:

– إعطاء الأولوية لتوسيع خدمات المياه للمجتمعات الريفية، وتشجيع المبادرات المحلية، عبر الآليات الاقتصادية والمالية وتصاريح وحسومات وحوافز ضريبية وإعانات موجّهة.
– تعزيز التعاون وتبادل الخبرات والمعرفة في مجال المياه وزيادة الاستثمار في العلوم والتكنولوجيا المائية الفعّالة.
– تقييم المكوّنات والموارد المائية كأصول، مع ربط قيمة نقدية لاستنفادها، وتبني حوكمة ذات سياسات مائية وأنظمة وحوافز سوقية مستقرة.
– تعزيز التعاون الإقليمي، بما في ذلك المشاريع المشتركة في مجالات المياه وإنتاج الغذاء والقيام بمشاريع إقليمية مشتركة في مجال الزراعة بشكل متكامل.
– التحول إلى الاقتصاد الأخضر، وإنشاء صندوق عربي لتمويل المشاريع المتعلقة به، من أجل تقليص الفجوة الغذائية المتزايدة.
– دمج تدابير تغيّر المناخ في السياسات والاستراتيجيات الوطنية، عبر تبنّي نهج الترابط بين المياه والغذاء والطاقة، وترجمة الإعلانات السياسية إلى برامج عمل منتجة.
بالنتيجة، ولأن المياه السطحية العربية بين مدّ وجزر سياسياً لدول المنبع ولأن الطاقة عصب الأمن المائي والغذائي، لا بد من تغيير نمط التفكير الاستراتيجي والتوجه نحو التطور التكنولوجي للطاقة والمياه لمواجهة التغيّر المناخي.

 

 

سيرياهوم نيوز3 – الأخبار

x

‎قد يُعجبك أيضاً

إعادة انتخاب الدكتور نصر الدين العبيد لولاية جديدة بالإجماع مديراً عاماً لمنظمة اكساد في ختام اجتماعات الجمعية العمومية التي استضافتها السعودية

    نظم المركز العربي لدراسات المناطق الجافة والأراضي القاحلة، اجتماعات الجمعية العمومية، بحضور المهندس عبدالرحمن بن عبدالمحسن الفضلي، وزير البيئة والمياه والزراعة في المملكة ...