محمود القيعي:
قال الكاتب البارز د. عبد العليم محمد إن تعابير “نهاية إسرائيل” أو “هزيمة إسرائيل” أو” النهاية المحتومة” والعديد من مرادفاتها؛ تشكل مكونا أساسيا فى خطاب بعض حركات المقاومة المسلحة؛ فى فلسطين أو فى لبنان وغيرها، مشيرا إلى أن هذه المفردات غالبا ما تظهر بمناسبة أحداث أو اشتباكات، قد لا تكون بمفردها مؤثرة فى صنع هذه النهاية الافتراضية، ومع ذلك فإن تراكم حصاد هذه المواجهات فى المديين المتوسط والطويل قد يصنع فارقا كبيرا، أو مؤثرا بدرجة أكبر فى تشكيل معادلة جديدة فى المشهد الراهن.
وأضاف في مقاله اليوم السبت بصحيفة “الأهرام” أن هذا الخطاب العربى غير الرسمى لم ينشأ من فراغ؛ بل ارتكز فى الواقع على حصيلة المواجهات المسلحة مع إسرائيل إن فى لبنان أو غزة على مدار العقدين الأولين من القرن الحادى والعشرين، ومطلع العقد الثالث فى مايو 2021؛ حيث منيت بالفشل المحاولات الإسرائيلية لكسر شوكة المقاومة وكتابة نهايتها، فقد اضطرت إسرائيل إلى الانسحاب من الجنوب اللبنانى عام 2000 دون مفاوضات ووفقا لقرار مجلس الأمن الصادر بهذا الشأن، كما اضطرت إلى الانسحاب من غزة وتفكيك مستوطناتها فى عام 2005، وإن أبقت على حصارها برا وبحرا وجوا.
وقال إن مثل هذه المفردات فى هذا الخطاب- من ناحية أخري- تمثل لجمهور هذا الخطاب والمنتمين لهذه الحركات ذخيرة معنوية وغاية مثالية لرفع المعنويات وإبراز الأهداف السامية لنضالهم؛ رغم علم أصحاب هذا الخطاب ببعد المسافة بين الخطاب والواقع.
وتابع قائلا: “يستبطن هذا الخطاب فى الواقع ما هو أكثر من هذه التعبيرات والمفردات؛ أى يرتكز على المخزون الحضارى للأمة العربية والشعوب العربية فى مقاومتها الممتدة تاريخيا للغزاة والمستعمرين من كل حدب وصوب، يتمثل هذا المخزون فى ثقافة متجذرة حول الكرامة والأرض والشرف والتميز عن هوية الغزاة، ويحفل تاريخ الأمة العربية بنماذج إيجابية لذلك، فى مواجهة الصليبيين فى مملكة القدس والمغول فى حطين وعين جالوت فى العصر الوسيط، والمواجهة مع الاستعمار فى المشرق والمغرب العربيين على حد سواء، وهذا المخزون الحضارى والثقافى لا يقتصر فحسب على المواجهة مع الغزاة، بل يمتد كذلك إلى القدرة على استيعاب التنوع الثقافى والعرقى والطائفى بما فى ذلك لليهود أنفسهم فى الأندلس وغيره من الحواضر العربية، إذا ما استثنينا عقود الإرهاب والتطرف الديني.
فى مقابل ذلك فإن الجانب الإسرائيلى لا يخل بدوره من القلق الوجودى حول إسرائيل ومصيرها فى المنطقة، أحد الكتاب بول أليستر كتب رواية تخيل فيها مستقبل إسرائيل، مستلهما محصلة مقابلاته مع مسئولى مكتب الإحصاء الإسرائيلى بعنوان العشيرة أم الدولة، وهى عبارة عن رحلة خيالية فى عام 2048، أى بعد قرن من نشأة إسرائيل، ومضاعفات الاختلاف بين العلمانيين فى تل أبيب وضواحيها والحريديم أى المتشددين دينيا فى القدس، وطرح الكاتب العديد من الأسئلة، هل ستبقى إسرائيل دولة واحدة يهودية؟ أم سيؤول الأمر إلى دولتين؛ دولة ديموقراطية وأخرى دينية؟ والرؤية تحذر من التعصب والتطرف الدينى اليهودي.” .
وأشار د. عبد العليم إلى أن ثمة أدبيات صهيونية متزايدة حول تفاقم التطرف والتعصب ومخاطره على الوجود الإسرائيلى والمصير داخل المؤسسات الأمنية والفكرية والأكاديمية؛ لافتا إلى أن نيتانياهو نفسه لم ينج من ذلك، فى عام 2017 وأثناء احتفاله بعيد العرش قال: سأجتهد حتى تبلغ إسرائيل المائة عام، لكن ليس بديهيا, لأن التاريخ يعلمنا أنه لم تعمر دولة للشعب اليهودى أكثر من ثمانين عاما وهى دولة الحاشمونائيم، ويقول مدير الاستخبارات إن إسرائيل تمر بظلام ما قبل الهاوية “بمناسبة الذكرى السبعين لنشأة الدولة.
وقال إنه بالإضافة إلى هؤلاء فثمة العديد من الكتاب والمحللين الإسرائيليين والمعروفين بمواقفهم النقدية إزاء المؤسسة الاستعمارية الإسرائيلية، واحتلال الأراضى الفلسطينية، والمؤيدون لحق الفلسطينيين فى الدولة مثل أرى شفيط بصحيفة هاآرتس وجدعون ليفى والذى قال: لا أحد لديه جواب عما سيكون عليه وجه الدولة بعد عشرين عاما بل هناك من تشكك فى وجودها حتى ذلك الحين، فى حين طالب آرى شفيط بتحضير جواز السفر استعدادا للهجرة, وذلك استنادا إلى غموض المستقبل والاستعمار والتعصب، أما بنى موريس, فينسب له القول بأن إسرائيل كيان ستغرب شمسه وسيشهد انحلالا وغوصا فى الوحل.
وأضاف أن تصريح نتنياهو حول هذا الأمر يدخل فى إطار «صناعة الخوف» واستخدام الخوف كورقة للبقاء قبل الانتخابات، وهو الذى لا يتورع عن استثمار كل الأوراق لمصالحه.
وعن الكتاب والمحللين المشار إليهم وبصرف النظر عن مواقفهم النقدية المتعاطفة مع الشعب الفلسطينى وحل الدولتين، وبالرغم من أن نواياهم صادقة وبمحض إرادتهم، قال عبد العليم إن المؤسسة الإسرائيلية الأمنية تستثمرها كجزء من الدعاية الإسرائيلية الرسمية الموجهة للرأى العام الدولي؛ لحفز التعاطف مع إسرائيل والتأييد لها فى المحافل الدولية، بدعوى أنها دولة صغيرة مهددة بالفناء ومحاطة بالعداء العربى والإسلامى والفلسطيني.
وتابع: “كذلك تستخدم الاستراتيجية الدعائية الإسرائيلية مثل هذه الكتابات ونبوءات النهاية والتوجس والغموض؛ لبث الخوف والتخويف لدى الإسرائيليين ودعوتهم للالتفاف حول السياسات الإسرائيلية والنخبة الحاكمة، كما أن مثل هذه الكتابات تستهدف ترويج التواكلية فى العالم العربى وتفكيك حالة التعبئة النفسية ضد إسرائيل بدعوى أنها ستنهار من الداخل إن عاجلا أم آجلا بحكم التناقضات الداخلية فى تكوينها”.
وعن الصعيد العربى وبالذات الخطاب الذى يبشر بنهاية إسرائيل, قال إن هذا الخطاب يظهر كما لو كان مصير إسرائيل، سيتقرر بمعزل عن الإرادة العربية والنهوض العربى على جميع الصعد الاقتصادية والعلمية والتكنولوجية والسياسية، وبمعزل عن مقاومة الشعب الفلسطينى الباسلة، بجميع صورها فى القدس وغزة والأقصى وإصراره على حقوقه غير القابلة للتصرف، هذه العناصر على الصعيد العربى تمارس تأثيرها فى صورة مستقبل إسرائيل على نحو قد يفوق تأثير العناصر والتناقضات الداخلية أو على الأقل يفاقم من تأثيرها على المستقبل الإسرائيلى والفلسطيني.
وخلص عبد العليم محمد إلى أنه مهما يكن الأمر فإن النخبة الإسرائيلية المغرقة فى يمينيتها والمستغرقة فى تعصبها الديني، ترفض حتى إشعار آخر، كل صور المستقبل الممكنة؛ دولة ثنائية القومية أو كما يسميها بعض الكتاب الإسرائيليين جمهورية حيفا باعتبار أن هذه المدينة نموذج للتعايش العربى ــ اليهودى، أو دولة ديموقراطية علمانية تتبنى مبدأ صوت لكل مواطن بصرف النظر عن ديانته وطائفته أو دولة فلسطينية بعاصمتها القدس جنبا إلى جنب دولة إسرائيل وفق مقررات الشرعية الدولية، مشيرا إلى أن هذه النخبة تتمسك بدولة الفصل العنصرى، والتى يراها الكثيرون من كل حدب وصوب بداية النهاية.
سيرياهوم نيوز 6 – أي اليوم