محمود القيعي:
قال د. حسن أبو طالب مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية إنه مع مرور الأيام تتوالى الحقائق العلمية حول خطورة السد الاثيوبى، ومعها يتأكد أن أديس أبابا لا تقدر خطورة الأمر، وتتجاهل الأضرار التى قد تصيب دولتى المصب، لاسيما إذا انهار السد أو جزء منه نتيجة تحركات الطبقات الأرضية بفعل تراكم كمية هائلة من المياه فى منطقة معرضة للزلازل.
وأضاف في مقاله اليوم الاثنين بـ “الأهرام” “انهيار السد الإثيوبي خطر محتمل” أنه لم يعد الأمر منحصرا فى المخاطر السياسية والأمنية التى يمكن أن تحدث فى حال عدم التوصل إلى اتفاق قانونى وملزم يراعى مصالح الأطراف الثلاثة، إذ يمتد الى احتمال انهيار السد ذاته، وما سوف يترتب عليه من فيضان هائل على السودان ومصر. ونظرا لقرب السودان الجغرافى من موقع السد الإثيوبى، فقدر المخاطر سيكون أعلى بكثير على السودان، وستصيب الأضرار ما يقرب من 20 مليون نسمة.
وتابع قائلا: “فى الدراسة التى نُشر ملخص محدود لمضمونها، وشارك فيها وزير الرى والموارد المائية د. محمد عبد العاطي ود. هشام العسكرى أستاذ الاستشعار عن بعد وعلوم نظم الأرض بجامعة تشامبان بالولايات المتحدة الأمريكية وعدد من الباحثين فى مراكز وهيئات دولية معنية بدراسات الاستشعار عن بُعد، تتضح خطورة بناء حاجز أسمنتى كبير ومعه سد ركامى مساعد بطول ستة كيلو مترات لحجب المياه على أرض ثابت تاريخيا أنها تعرضت لزلازل كبرى، وبها الكثير من الفوالق الأرضية سريعة التحرك، ومع وجود كميات هائلة من المياه فوقها، فالمرجح أن تتسرب بعض هذه المياه إلى تلك الفوالق الأرضية مما يسرع التحركات الأرضية، ومن ثم تحدث الزلازل الكبرى المدمرة، التى ستطيح بالسد أيا كان ارتفاعه وحجمه.
فى تلك الدراسة التى اعتمدت تقنية الأشعة الرادارية، واستمرت خمس سنوات من ديسمبر 2016 إلى يوليو 2021، ثلاث نتائج مثيرة، من شأنها أن تكشف حجم المخاطر وانعدام معدلات الأمان لهذا السد المثير. الأولى أن هناك إزاحة مختلفة الاتجاهات، فى أقسام السد المختلفة سواء الرئيسى الأسمنتى أو الركامى المساعد، تتراوح بين 10 مم و 90 مم، ما يعنى وجود هبوط غير متسق فى أطراف السد.
والثانية تم رصد حركة زائدة جدا على الناحيتين الشرقية والغربية للسد غير متساوية، زادت عند الملء الأول، واتسعت أكثر مع الملء الثاني. وربما كان ذلك السبب الرئيسى فى وقف عملية الملء الثانى قبل أن تصل إلى المستهدف منها. والثالثة أنه تم رصد نشاط زلزالى بصورة عالية جدا فى موقع السد (حسب تعبيرات الدراسة) حتى قبل الملء.” .
وقال إن من المهم القول إن تلك الدراسة ومداها الزمنى الممتد، ومشاركة خبراء مصريين ودوليين فيها عبر خمس سنوات قابلة للاستمرار تجسد حجم المتابعة المصرية لكل كبيرة وصغيرة للسد الإثيوبى، وما يترتب عليه من الاستعداد لكل الاحتمالات المرجحة، لا سيما الأسوأ منها.
وقال إن النتائج العلمية الثلاث على النحو السابق ترجح حدوث تغيرات فى طبقات الارض فى موقع السد، وكلما زادت كمية المياه التى سيتم حجبها فى السنوات المقبلة، اكثر من 13 مليار متر مكعب المحجوبة حتى الآن، فإنها ستزيد فرص النشاط الزلزالى، ومعها فرص انهيار السد أو تعرضه لخطر جسيم.
وأكد أن الكثير من مراكز البحوث المعنية بالسدود، لاسيما الأمريكية، تعلم يقينا أن موقع هذا السد معرض للزلازل، وأن الدراسات السابقة عن مدى ملاءمة الموقع لبناء سد كبير لم تحدث بالصورة العلمية الواجبة، وأن الشركة الإيطالية التى قامت ببناء السد لا تعتبر نفسها مسئولة عن أى أضرار قد تحدث وتحمل المسئولية كاملة للحكومة الاثيوبية، والتى بدورها تتنصل من تلك المسئولية.
وتابع: “وفى السياق ذاته لم توفر إثيوبيا أى دراسات جادة عن أمان السد والتداعيات البيئية للسد على دولتى المصب، وتعتبرهما سرا حربيا لا يجوز لأحد الاطلاع على تلك الدراسات ونتائجها وكيفية حدوثها. وفى المحصلة تتحرك أديس أبابا كبلد لا يأبه بمصير جيرانه، ولا كم الأضرار التى سيتعرضون لها، وكأن هدفها الرئيس هو إشاعة الخراب والدمار فى دولتى المصب، وتبقى هى فى مأمن من أى مخاطر”.
ووصف إثيوبيا بأن سلوكها عدوانى بامتياز، مشيرا الى أن أول خطوة للرد على تلك العدوانية أن تبادر مصر بوضع نسخة من تلك الدراسة المهمة فى الأمم المتحدة كوثيقة رسمية تثبت سوء النوايا الإثيوبية وخطورة استمرار نهجها الأحادى اللامبالى.
وقال إن من المهم إرسال نسخة موثقة من الدراسة الى كل الدول الاعضاء فى مجلس الامن، وفى الاتحاد الافريقى، وأن تنال أكبر قدر ممكن من الشرح والتفسير على النطاق العربى والدولى، داعيا وزارة الرى المصرية لعقد مؤتمر إعلامي عالمي تشرح فيه بالخرائط والمعلومات ما تضمنته هذه الدراسة المهمة.
وتابع: “وإذا كانت مصر والسودان قد لجأتا إلى مجلس الأمن باعتباره القائم على صيانة الأمن والسلم الدوليين، ولكنه أعاد الأمر مرة أخرى إلى الاتحاد الإفريقى قليل الحيلة، فمن الحكمة الا تتوقف محاولات مصر والسودان إقناع المجلس بتغيير رؤيته السلبية الى رؤية إيجابية تنطوى على تحرك فعلى يضمن حياة 150 مليون نسمة، استنادا إلى معلومات علمية دقيقة غير قابلة للتأويل، تثبت حجم الضرر الكبير الذى ستتعرض له المنطقة ككل مادامت استمرت أديس أبابا متجاهلة كل الحقائق والالتزامات القانونية والسياسية”.
وأنهى قائلا: “ما توصلت إليه هذه الدراسة المهمة يدق ناقوس الخطر، ويستدعى وضع السيناريوهات المناسبة لدرء الخطر كليا إن أمكن، أو التعامل مع تداعياته إن حدث انهيار جزئى أو كلى للسد الإثيوبى. والمسألة هنا ليست تحركا سياسيا وحسب، بل علمى ودعائى بأكبر قدرة ممكنة، على أن تنال الدول الإفريقية أكبر مساحة ممكنة من تلك التحركات، والتى على مصر والسودان القيام فورا بها بعد تنسيق بينهما واستمرارية لا تهدأ.”
سيرياهوم نيوز – رأي اليوم