بقلم سعد الله بركات
بعض الناس يدخلون إلى قلبك من لحظة رأي أو موقف ، فيتركون أثرا في النفس ، لا تمحوه السنون ، وإن من دون تواصل يعزز تلك اللحظة . الدكتور إسماعيل مروة ، واحد من هؤلاء الذين صادفتهم في حياتي ، وكيف أنسى؟ حين جمعنا لقاء وحيد في اجتماع عمل في التلفزيون ٢٠٠٧ ، ومن دون سابق معرفة ، أبدى رأيا معززا لما كنت أجهد لبلوغه ، وهو إفساح المزيد من الفرص ، في برنامج ناشئ على الشاشة الوطنية ، لمواد عن واقع المحافظات وفعالياتها المختلفة ، عبر إشراك المراكز التلفزيونية وكنت مديرها ، وذلك لغرض مهني يعزز صورة سورية عبر شاشتها ، وتخفيفا من المركزية ،لفائدة مادية للزملاء الذين يجوبون أنحاء الريف وميادين العمل والحياة … ما قرأت مقالة للزميل الدكتور اسماعيل ،إلا ومر ذاك الموقف في خاطري ، حتى قادني النت إلى صدور مذكراته أو كما سماها ((الأيام.. كما عشتها )) عن دار بستان هشام – دمشق ٢٠٢١. ولما كنت ،أضع اللمسات الأخيرة لصفحات رحلتي في العمل والحياة ، وجدتني أسارع لقراءة صفحات ،،أيامه ،، والتحصل على رقمه من الصديق المشترك د.غسان الكلاس ، فأبادر للتواصل ، وما كان يجب أن يكون لأول مرة ، ليطمئنني ، أنه مستمر في عطائه على خلاف ما نوه ، فكانت المسك وليس الختام ، وأنه يذكرني بمودة كما هاتيك اللحظة. وفي كل صفحة من ،، أيامه التي عاشها ،، كانت بوصلتي مقولته الدلالية ((السيرة يكتبها ،صاحب الخبرة والتجربة )) وهو الأكاديمي والإعلامي والأديب ،وبصماته واضحة في كل مجال ، ما يعطي لسيرة ايام د. مروة نكهة خاصة في هذا النوع الأدبي. على مدى 304 صفحات من القطع العادي، يأخذنا الكاتب في رحلة ماتعة ،عبر أيام وسنوات جهد أو معاناة ، وتجاوز تحديات أونجاحات ، في مراحل تحصله العلمي والوظيفي ، مستعيدا أمام قرائه ، و بأسلوبه الشيق السلس ، ذكريات تكاد تحسبها طرية ، وهو يصف بدقة ، أمكنة وناسا، منذ احتضنته طفلا وفتى ، قرية معربا على مشارف الشام ، أو مدارس وجامعات مر بها ، دراسة أو تدريسا ، إذ يذكر بالخير والعرفان ، أساتذته وقد كسب صداقة عديدين ، وسرني أني تتلمذت على بعضهم مع صداقة ، حتى الذين اختلف معهم ولم يجاملهم ، أو من وقف أمام طموحه ، ما يدل على كبر خلق وتفكير ، وعلى وفاء عز في هذا الزمان..ومن باب الوفاء تراه يهدي كتاب حياته ، وفي إيجاز بلاغي ، ،، إلى نور الأيام التي عاشها ، وإلى عمامة أستاذه طه حسين التي أنارت أيامه ،،… وفاؤه هذا ، انطلق من تربية أسرية ، فعززه بالعرفان ، وعلاقته الحميمية بأفرادها ، فتزود بإحساس الوالدة ، حين أيقن من دعائها بالسفر، أو بندائها للعودة ، علاقة كرسها وإخوته بنسيان خلاف إرثي تنازلا عن حقوق ، ومصالحة أولاد عمه، علاقة طالت أيضا أصدقاءه أو الذين أخذوا بيده ، فشملهم بالوفاء كما لدمشق، ولئن عانى من نكران وطعن ،فما فكر بحقد أو انتقام … و في أيامه الدراسية جانبان ، رسمي ، وأهلي عبر دروس في المسجد وتردده على الحلقات الصوفية ، وتخرجه خطيبا وإماما إلى حين ، وهنا يسجل له تنوع صداقاته ، ورأيه اللافت ، حين دعا جازما إلى عدم تدريس منهاجين وكتابين ،إسلامي ومسيحي لمادة التربية الدينية . في ،،الأيام كما عاشها اسماعيل ، مسيرة كدح واجتهاد في علم وعمل وحياة ، المعاناة والإصرار فيها ،كانا وراء تجاوزه تحديات وبلوغه نجاحات ، رافق أغلبها منغصات من عراقيل إدارية بيروقراطية ، أو مصادفات بل مغامرات ، قادته إلى نقلات نوعية في حياته العلمية والعملية والمعاشية ، وخاصة تدريسه في جامعة العين الإماراتية .. أما ،،أيامه ،، في الاكتساب المعرفي هواية ومبادرات ، ثم في التأليف القصصي والبحث والنقد ، قبل إسهاماته الإعلامية وكتاباته الصحفية ، فهي غنية بما يفيض عما أفرد لها من فصول وصفحات ، وقد أوضحها بدلالتها في المتن قبل أن يخص مؤلفاته – وقد تجاوزت ال100- بذكر مفصل في نهاية الكتاب ، على جاري عادة المؤلفين ، ولكن هنا تراها ، مع صفحة مختصرة لعناوين سيرته الذاتية ، معبرة عما أخذته من أيام حياته ، أطال الله بها سنوات وسنوات .. وفي فصل ،، الأيام والقامات والاصدقاء ،، يعرفنا بشبكة معارفه و صداقاته الواسعة ولقاءاته المتعدد ، مع الشخصيات الأدبية والفنية والصحفية السورية والعربية ، التي يفخر بمعرفتها و بصداقتها ، وإن اختلف في الرأي مع البعض، او اختلفوا معه ، قائمة تبدأ من أدونيس ود. نجاح العطار ، كوليت وهاني ونزيه خوري ، ياسر ووضاح عبد ربه ، رياض عصمت ،علي عبد الكريم ، عبد الفتاح العوض ، محمد الأحمد و جورج قيصر- ولي في ود بعضهم نصيب – ولا تنتهي بأساتذته في الجامعة اللبنانية أسعد ذبيان و رفيق عطوي ، ومن مصر ، يوسف القعيد ، أسامة أنور عكاشة، وسميحة أيوب، والسفير الإماراتي الشاعر يوسف المدفعي ، و القائمة تطول على مدى نحو 70 صفحة ، وأحسب أنه لو تخفف من بعض تفاصيل وجزئيات ، في هذا الفصل وماسبقه ، لكان أفضل ،منعا لتكرار ، وتيسيرا للقراء … وأحسب ، أنه كما أخذ بيد طلبته ، و رحب بهم في بيته ، أخذ أيضا بيد مواهب واعدة ، من خلال مهامه الصحفية ، وحبذا لو تخلى عن تواضعه و أشار الى ذلك واسماء بعض من رعاهم . وفي ،،الأيام والدول ،، نتعرف على ما زارمن دول بمهام أو سياحة ثقافية ، ونلمس تقصده منها، غنى معارفه بمعالم وقامات، ومع،،أيام الأيام ،، نراه يتوقف عند أول حدث لافت ،أومهم ، أو محزن، أو مفرح في حياته ، مختتما ، بصراحة عن ندمه من تجربة انتخابية نقابية . وفي عزف منفرد للحب وأيامه التي عرف فيها الصوفية يافعا ، يطالعنا بقصيدة وجدانية نثرية مطولة ، يسوق عبرها مشاعر وأفكار عن سمو معاني الحب وقدسيته ، ولزومه في الحياة : ((وحده الحب ، لاينقلب إلى الضد ، ..يطير بنا إلى سماء لا ندركها ، ….انتصر الحب ، انتصر الوطن ،…ولا نجاة بغير الحب ، فكل عام وانت بخير ايها المعشوق …)) أما خط النهاية ، فيأتي متمما ، لما حوت ،،الأيام ،، من مواقف ،أو عبر وآراء ، أرادها الكاتب بوصلة لأولاده ، ومن خلالهم للناشئة ، مشددا على الود والحوار والاحترام للناس ،والبعد عن الحقد ، تجسيدا لمسلكه في ،، الأيام ،، كما عاشها بسيرة أثيرة ، من ود وكفاح واجتهاد … الكتاب : ،،الأيام..كما عشتها،، الكاتب : د. اسماعيل مروة الناشر : دار بستان هشام ،دمشق ٢٠٢١
(سيرياهوم نيوز ٦-خاص بالموقع ٢٩-٦-٢٠٢٢)