عبد المنعم علي عيسى
في تزامن بدا أنه يشير إلى ترابط الحدثين ببعضهما بعضاً أعلنت «الإدارة الذاتية»، التي تمثل سلطة أمر واقع في مناطق شمال وشرق الفرات، عن «عقدها الاجتماعي الجديد» الذي ينص على أن «الإدارة الذاتية الديمقراطية لشمال شرق سورية جزء من جمهورية سورية الديمقراطية»، ثم أعقبته بعقد «مؤتمرها الرابع» يوم الأربعاء الماضي بمدينة الرقة الذي جرى تحت شعار «وحدة السوريين أساس الحل السياسي، وضمان لتحقيق سورية ديمقراطية تعددية لا مركزية».
واقع الأمر هو أن «الإناء ينضح بما فيه» والفعل قد لا يحتاج «للتذوق» لكي يعرف نوع الطعام المقدم في الطبق، فـ«العقد الاجتماعي الجديد» قد تختصره الجملة الواردة أعلاه والتي جاءت ضمن «الديباجة»، وهذه هي التسمية التي أطلقتها عليها «الإدارة الذاتية» التي سبقت المواد الـ132 التي احتواها ذلك العقد، أما «المؤتمر الرابع»، الذي انعقد بعد مضي أكثر من خمس سنوات على سابقه الثالث، فالمؤكد هو أن الشعار الذي انعقد تحته كاف لتبيان المرامي التي هدف إليها الفعلان الأخيران، وهي بالمختصر تريد القول: إن صورة سورية المستقبلية يجب أن تكون «تعددية لا مركزية».
في التفاصيل يرد في «العقد الاجتماعي الجديد» مصطلحات مفصلية من نوع «الشعوب السورية» و«التنوع البشري» الذي يظهر في التركيبة السكانية السورية، والمؤكد هو أن تلك المصطلحات حقيقية، بمعنى أن التركيبة السكانية للسوريين تتألف من امتداد لخمس قوميات ولأكثر من 16 ديناً ومذهباً وطائفة، لكن الصحيح أيضاً هو أن العرب في سورية يمثلون نسبة تزيد على 90 بالمئة من عدد السكان، حسب روزنامة العام 2010، ومن غير الطبيعي لـ10 بالمئة أن يفكروا في تغيير صورتها أو الصبغة التي هي عليها الآن، ناهيك عن أن تلك القوميات متداخلة بشكل كبير داخل نسيج المجتمع السوري ما يجعلها حالة تفاعلية، وليست تنافرية، داخل هذا الأخير، حتى الأكراد الذين تدعي «الإدارة الذاتية» تمثيلهم وهذا غير صحيح، والصحيح هو أنها تتقاسم ذلك مناصفة تقريباً مع «المجلس الوطني الكردي» الذي لم يستطع لعب دور يتناسب مع ثقله ذاك لاعتبارات عديدة أبرزها الدعم الأميركي المقدم لـ«الإدارة الذاتية» والذي يعني حكما تحجيم «المجلس» والحد من تفعيل دوره، نقول حتى الأكراد لا يمثلون حيثية سكانية تعيش على رقعة جغرافية محددة أو هم يمثلون أغلبية سكانية فيها، ولشرح ذلك يمكن العودة إلى وثيقة أعدها 107 باحثين سوريين ما بين أيلول 2011 وحزيران 2012 كان أكثر من نصفهم من الأكراد، تقول الدراسة: إن سكان محافظة الحسكة يتوزعون على 5 مناطق تضم 11 ناحية وأن نسبة التواجد الكردي فيها على النحو التالي: في مدينة الحسكة يمثل الأكراد ما نسبته 10 بالمئة من عدد السكان، وفي مدينة القامشلي نحو 40 بالمئة، وفي عامودا نحو 50.5 بالمئة، القحطانية 32 بالمئة، رأس العين 12 بالمئة، تل براك 30 بالمئة، اليعربية 6 بالمئة، تل حميس 7.8 بالمئة، تل تمر 3.5 بالمئة، المالكية 20 بالمئة، أما في الشدادي ومركدة والهول والعريشة فلا وجود للأكراد، على الإطلاق باستثناء الحالات الفردية التي يقتضيها العمل مثلاً، وبإحصائية بسيطة يتضح أن الأكراد يمثلون نسبة تتراوح بين 25 – 27 بالمئة من سكان محافظة الحسكة ناهيك عن أن طريقة تواجدهم هو على هيئة تداخل مع المجاميع السكانية الأخرى، وهذا لا يعطي «مشروعية» لقيام «فئة» أو «حزب» أو «تيار» بطرح مشروع سياسي على تلك البنية الواقعة أصلاً تحت حماية أميركية، ناهيك عن أنها، أي تلك الحالة، تمس السيادة الوطنية سواء أكان ذلك عبر تسويق «دستور» غير الذي سائد بالبلاد، أم عبر القول إن هذا «الدستور» يمثل حالة نابعة من المعطيات والحقائق التي أفرزها الصراع السوري خلال سني الأزمة، فضلاً عن قولها: إنه يمثل حالة يمكن «تعميمها» على الواقع السوري ككل.
يشير السلوك السابق إلى أن القيمين على مشروع «الإدارة الذاتية» باتوا يشعرون، بعد الصراع الدائر في غزة وما استدعاه من حضور أميركي عسكري يضاف إلى سوابقه، بأن واشنطن قررت التمديد لقواتها الجاثمة على الأرض السورية، ومن الممكن الاستفادة من حالة التمديد سابقة الذكر للعمل على سد النواقص في المشروع الناجمة عن المعطيات والحقائق سابقة الذكر، ومن المؤكد هو أن قيادات «الإدارة الذاتية» تبدو مدركة جيداً لعوامل العطب الحادة في التجربة، ولأن تلك العوامل كافية لانهيارها داخلياً بمجرد غياب مظلة الحماية الخارجية، لكنها بفعلها ذاك، إقرار «العقد الاجتماعي الجديد» وعقد المؤتمر الرابع، تريد إرسال رسالة، متعددة الجهات وبشكل أدق إلى دمشق، مفادها القول: «نحن هنا»، وأن لا طائل من «تجاهلنا»، وأن المشروع بات في «ربيعه» السابع، أقوى مما كان عليه سابقاً، وهذا في النهاية يمثل، بشكل أو بآخر، ردة فعل مزدوجة على كل من الحكومة السورية التي ترفض الحديث عن «اللامركزية» وعلى المعارضة السورية التي ترفض هي الأخرى بكل أطيافها، الحديث عن هذه الأخيرة تحت أي ظرف كان، والمؤكد هو أن أي طرف سوري لن يكون بمقدوره الحديث عنها لا راهناً ولا في مراحل لاحقة حتى ولو تبدلت ظروف أو برزت مستجدات.
سيرياهوم نيوز1-الوطن