| أيهم مرعي
الحسكة | لم تحمل انتخابات الإدارة المحليّة في محافظة الحسكة، بُعداً دستورياً وإدارياً وتنموياً فحسب، وإنما أيضاً رسائل سياسية رافضة للوجود العسكري الأميركي والتركي، ومحدودية سيطرة الحكومة في مدينتَي الحسكة والقامشلي وريفَهْما. وجاء إصرار الحكومة السورية على إجراء انتخابات مجالس الإدارة المحليّة في محافظة الحسكة في موعدها، ليعكس حرصها على وجود مجالس منتَخبة لمدنها السبع، وبلداتها الـ54، وبلديّاتها الـ89. ويجلّي هذا الحرص حسمَ الدولة لقرار استعادة السيادة على هذه المناطق، متى توافرت الظروف العسكرية والسياسية المناسِبة، وإصرارها على ضرورة خروج القوات غير الشرعية منها، وتأكيدها المستمرّ على أن الطريقة الأنجع للقيام بذلك تكون من خلال «الحوار، والتوصّل إلى توافق سياسي». وتهدف دمشق من وراء وجود مجالس منتَخبة لنحو 150 من الوحدات الإدارية في الحسكة، إلى إيجاد تواصل بين هذه المجالس والسكان – بغض النظر عن مناطق وجودهم -، ومواصلة تقديم الخدمات الحكومية لهم، بالإضافة إلى تهييء الأرضيّة لإدارة هذه المناطق، يومَ تعود رسميّاً إلى كنف الدولة.
وفيما كانت الحكومة السورية قد طرحت على «الإدارة الذاتية» الكردية المشاركة في انتخابات الإدارة المحليّة لعام 2018، وفتْح صناديق انتخابية في مناطق سيطرتها، لم تَرِد أيّ معطيات عن وجود مثل هذا العرض للدورة الحالية، على رغم تقارب الطرفين عسكرياً، وانتشار الجيش السوري على امتداد مدن وبلدات الشريط الحدودي في كل من حلب والرقة والحسكة. ويَظهر أن التوجّه الحكومي يهدف للوصول إلى حوار شامل مع «قسد» لردم الهوة انطلاقاً من المصلحة الوطنية، وعلى قاعدة ضرورة فكّ ارتباطها بالأميركيين، وسط توافر معلومات عن وجود جلسات حوار محليّة في الحسكة برعاية روسية، للتوصّل إلى نقاط مشتركة لإطلاق حوار شامل يحدّد مستقبل المنطقة، في ظلّ استمرار التهديدات التركية بإطلاق عملية عسكرية جديدة ضدّ مدن وبلدات الشريط الحدودي.
تهدف دمشق للوصول إلى حوار شامل مع «قسد» وردم الهوّة انطلاقاً من المصلحة الوطنية
وما يبيّن أن الانتخابات حملت طابعاً سياسياً، أن غالبية مَن التقتهم «الأخبار» من المقترعين خلال جولةٍ على المراكز الانتخابية في مدينة الحسكة، أكدوا أن المشاركة بالنسبة إليهم هي بمثابة «تمسّك بالهوية الوطنية السورية». وفي هذا السياق، قال محافظ الحسكة، لؤي صيوح، في تصريح إلى «الأخبار»، إن «كل صوت نزل في الصندوق الانتخابي، هو رسالة رفض شعبية للاحتلالَين الأميركي والتركي، وتعبير عن تمسّك أبناء المنطقة بدولتهم، عبر المشاركة الكثيفة في هذا الاستحقاق الوطني»، معتبراً أن «المشاركة اللافتة للأهالي، على رغم كل الظروف الصعبة التي تعيشها الحسكة، هو تحدٍّ لوجود هذا المحتلّ، وتعبير عن إرادة شعبية لضرورة خروجه من المنطقة». من جهته، بيّن رئيس اللجنة القضائية الفرعية في الحسكة، القاضي عبد العزيز المحمد، أن «الانتخابات جرت في الحسكة من دون أيّ منغصات أو مشكلات»، لافتاً إلى أن «المراكز الانتخابية الـ74 سارت فيها الانتخابات من دون أي عوائق». وأشار المحمد إلى أن «الانتخابات أجريت بمشاركة 1790 مرشحاً تنافسوا على 1775 مقعداً، ضمن مناطق سيطرة الدولة السورية»، موضحاً أن «العملية الانتخابية شهدت مشاركة أعداد جيدة من مختلف أحياء مدينة الحسكة وأريافها، ووصلوا إلى المراكز بكل سهولة ويسر».