آخر الأخبار
الرئيسية » كتاب وآراء » الإسلاموفوبيا في سياق النزاعات المعاصرة: تأملات في تداعيات الحرب على غزة

الإسلاموفوبيا في سياق النزاعات المعاصرة: تأملات في تداعيات الحرب على غزة

العلاقة بين استمرار الحرب في غزة وتصاعد ظاهرة الإسلاموفوبيا تؤكد التداخل بين الأزمات السياسية والعسكرية وبين الديناميات الاجتماعية والثقافية، بخاصة في ظل سيرورة العولمة…

 

د. سعود الشرفات

 

تشهد الساحة الدولية تزايداً ملحوظاً في مشاعر الكراهية والتمييز ضد المسلمين في أعقاب استمرار الحرب في غزة؛ ففي ظل الأحداث الدامية وتفاقم عمليات القصف والاعتداء التي تتعرض لها الأراضي الفلسطينية، باتت موجة الإسلاموفوبيا تمتد لتغطي أجزاءً كبيرة من المجتمعات الغربية، ما يؤثر على حياة المسلمين ويعمّق الانقسامات المجتمعية.

 

يُعد الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وبشكل خاص العمليات العسكرية المكثفة في قطاع غزة، عاملاً محفزاً رئيساً لتصاعد الخطابات السلبية والتمييز ضد المسلمين. فقد بدأت التقارير في الظهور مبكراً بالإشارة إلى زيادة حادة في عدد الشكاوى والبلاغات عن حوادث التمييز والهجمات الجسدية واللفظية ضد المسلمين والعرب، بخاصة في الولايات المتحدة.

 

تشير الإحصائيات إلى ارتفاع الأرقام بشكل كبير خلال الأشهر الأخيرة من العام الماضي، حيث قفز متوسط عدد الشكاوى الشهرية إلى أرقام غير مسبوقة مقارنة بالفترات السابقة.

 

هذا التصاعد في حوادث الكراهية لا يقتصر على الولايات المتحدة وحسب، بل امتد تأثيره إلى الدول الأوروبية التي تشهد وجوداً كبيراً للجاليات المسلمة. ففي بعض الدول الأوروبية، مثل بريطانيا وألمانيا، لوحظت زيادة ملحوظة في الاعتداءات التي تستهدف المسلمين في مجالات متنوعة كالتوظيف والتعليم، إلى جانب استخدام منصات التواصل الاجتماعي لنشر رسائل الكراهية والتحريض. وقد أدت هذه الحوادث إلى شعور متزايد بالخوف والترقب بين أفراد المجتمع المسلم، ما أثر سلباً على قدرتهم على الاندماج والشعور بالأمان في البلدان المضيفة.

 

يرتبط هذا التصاعد في الإسلاموفوبيا ارتباطاً وثيقاً بتصاعد الخطابات الإعلامية والسياسية التي تستغل الصراع في غزة كوسيلة لتبرير مواقف عنصرية وسلبية تجاه المسلمين. ففي حين ينقل الإعلام بصورة مبالغ فيها صوراً نمطية سلبية عن المسلمين، تتعزز هذه الصور في أذهان الجمهور الغربي، ما يساهم في تأجيج مخاوفهم وزيادة الانقسام الاجتماعي. كما أن بعض السياسيين يستغلون هذه الخطابات لتحقيق مكاسب انتخابية من خلال تأجيج مشاعر التحيز والتمييز، ما يخلق بيئة خصبة لانتشار خطاب الكراهية ضد الأقليات المسلمة.

 

في هذا السياق، لا يمكن إغفال الجهود الدولية التي تبذلها الأمم المتحدة لمكافحة الكراهية الدينية، وعلى وجه الخصوص الإسلاموفوبيا. فقد أكد الأمين العام للأمم المتحدة في أكثر من مناسبة أن “رهاب الإسلام هو شكل من أشكال العنصرية التي تتعارض مع ميثاق الأمم المتحدة”. كما خصصت الأمم المتحدة يوم 15 آذار/مارس من كل عام يوماً دولياً لمكافحة الإسلاموفوبيا، في خطوة رمزية تهدف إلى تسليط الضوء على تصاعد ظاهرة الكراهية والتمييز ضد المسلمين حول العالم.

 

وقد أصدرت المفوضية السامية لحقوق الإنسان تقارير متعددة تحذر من تنامي خطاب الكراهية، خصوصاً في أوقات الأزمات والنزاعات، مثل الحرب في غزة، مؤكدةً أن الخطاب العنصري أو المعادي للمسلمين لا ينبغي التساهل معه، وأن من واجب الدول الأعضاء سنّ تشريعات تجرّمه وتكافحه بفعالية. وفي آذار / مارس 2023، نظمت الأمم المتحدة نقاشاً رفيع المستوى في الجمعية العامة تناول الترابط الإيجابي بين الصراعات الدولية وموجات الإسلاموفوبيا، حيث أشار المتحدثون إلى أن النزاعات المسلحة في الشرق الأوسط كثيراً ما تؤدي إلى شيطنة المسلمين في الإعلام والسياسة العالمية.

 

كما تعمل آليات حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، بما في ذلك المقررون الخاصون المعنيون بحرية الدين أو المعتقد، على توثيق الانتهاكات المتعلقة بالكراهية الدينية، وتقديم التوصيات إلى الدول لاتخاذ خطوات فعالة، مثل تعزيز التعليم المتسامح، وحماية أماكن العبادة، والتصدي لخطاب الكراهية على الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي المختلفة.

 

من الناحية الاقتصادية والاجتماعية، يترتب على تصاعد هذه الظاهرة تبعات سلبية تتعدى حدود العنصرية، إذ تؤدي إلى فقدان الثقة بين مكونات المجتمع، وانخفاض مستويات الاندماج الاجتماعي، ما يعطل التقدم الاجتماعي والاقتصادي في الدول المتأثرة. إن الشعور بعدم الأمان والتمييز يجعل من الصعب على المسلمين المشاركة الفعّالة في الحياة العامة والمساهمة في بناء مجتمع متماسك ومتوازن.

 

في ضوء هذه الوقائع، يتعين على المجتمعات والحكومات اتخاذ خطوات جريئة لمواجهة خطاب الكراهية والتصدي للممارسات التمييزية. فمن المهم تعزيز دور المؤسسات القانونية والأمنية في حماية الأقليات وضمان تطبيق العدالة على كل من يثبت تورطه في جرائم الكراهية ونشر خطاب الكراهية. كما يجب على وسائل الإعلام أن تتحمل مسؤوليتها في تقديم تغطية موضوعية ومتوازنة، تبتعد عن المبالغة والتصعيد الذي يثير مشاعر التحيز ضد المسلمين.

 

في الخلاصة، إن العلاقة بين استمرار الحرب في غزة وتصاعد ظاهرة الإسلاموفوبيا تؤكد التداخل بين الأزمات السياسية والعسكرية وبين الديناميات الاجتماعية والثقافية، بخاصة في ظل سيرورة العولمة، إذ إن الأحداث في غزة لا تبقى محصورة في حدود الصراع الإقليمي، بل تتسرب إلى وعي المجتمعات الغربية وتعمل على تأجيج الانقسامات التي تؤدي إلى ظهور موجات جديدة من الكراهية والتمييز. لذا، يصبح من الضروري العمل على تعزيز ثقافة التسامح والاحترام المتبادل والعيش المشترك وتبني سياسات داخلية وخارجية تركز على حماية حقوق الإنسان، وذلك لتأمين بيئة آمنة ومستقرة للجميع دون تميز في الدين أو الجنس أو اللون.

 

 

 

 

اخبار سورية الوطن 2_وكالات_النهار البنانية

x

‎قد يُعجبك أيضاً

قبل “اختراع سوريا”

  ناظم عيد     غير تقليدية .. وإستراتيجية.. تلك الأفكار والرؤى و “النيّات” التي بدأت ترشح عن مكاتب بعض حملة حقائب المهام الصعبة في ...