خالد العبود
-نعتقد أنّ أيّ إصلاحٍ، سياسيٍّ أو اقتصاديٍّ أو حتّى إداريٍّ، لا يمكن أن يكون، أو يكتمل، إلا في واقعٍ موضوعيٍّ، والواقع الموضوعيّ الذي يمكن إصلاحه، يجب أن يكون واقعاً حقيقيّاً أيضاً، وليس واقعاً افتراضيّاً!!..
-لهذا نعتقد أنّ الإصلاح الإداري، يجب أن يتم في جسمٍ وظيفيٍّ، أو في وظيفة عامة، يحتاجان أساساً إلى إصلاح إداريٍّ، كون أن الإصلاح الإداريّ لا يمكن أن يكون إلا في واقعٍ يمتلك مقوّمات هذا الإصلاح!!..
-فالواقع المستهدف بالإصلاح يجب أن تتوافر فيه مجموعة شروط، تجعله يقبل هذا الإصلاح، كي تستوي العملية الإصلاحيّة، وكي يكون الإصلاح مفيداً، أو كي نصل إلى الأهداف المرجوة من هذا الاصلاح..
-إنّ الجسم المستهدف من عملية الإصلاح الإداريّ في سوريّة، هو الجسم الوظيفيّ لجميع مؤسسات الدولة، وهو جسمٌ أنتجته ظروفٌ تاريخيّةٌ متعدّدةٌ ومتنوعةٌ، باعتبار أنّ الدولة أساساً هي نتاج ظروفها، السياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة، وهي ظروفٌ ساهمت عميقاً في إنتاج هذا الجسم الوظيفيّ، وفي تحديد هويّة الوظيفة العامّة!!..
-لقد كانت هذه الظروف أساسيّة في تأمين استقرار الدولة، وبالتالي في استقرار مكوّناتها، ومنها جسمها الوظيفيّ، وعندما تمّ النيل من استقرار الدولة، خلال العدوان عليها، تمّ النيل أيضاً من جسمها الوظيفيّ، وهو ما جعل هذا الجسم يشكّل واقعاً غير مستقرٍّ، أي أنّه شكّل واقعاً غير حقيقيٍّ أو غير موضوعيٍّ، أدى إلى منع إمكانيّة نجاح هذا الإصلاح!!..
-كذلك بالنسبة للوظيفة العامة في مؤسّسات الدولة، فقد أنتجتها ظروف استقرار الدولة ذاتها، فبفضل هذه الظروف تحدّدت رئيسيّات هذه الوظيفة، فاستقرّت باستقرار الدولة، واستقرار جسمها الوظيفيّ أخيراً، ونتيجة العدوان على الدولة والنيل من استقرارها، تمّ النيل من الوظيفة العامة أيضاً!!..
-فمؤسسات الدولة جميعها، ومنها الجسم الوظيفيّ والوظيفة العامة، لم تعد على ما كانت عليه سابقاً، وهي جميعها تعاني بشدّة نتيجة هذا العدوان، فالجسم الوظيفيّ غدا جسماً متهالكاً، وهو غير قابلٍ لإصلاحٍ إداريٍّ، بمقدار ما هو بحاجة لإصلاحٍ ماليٍّ عميقٍ، يبدأ بمواجهة التدنّي الكبير والخطير للرواتب والأجور، ولا ينتهي بما تعرّض له هذا الجسم من تسرّب وهروبٍ واستقالات وانزياحات مناطقيّة كبيرة، في خرائط توزّع الجسم الوظيفيّ قبل العدوان على الدولة!!..
-فقبل الحديث عن الإصلاح الإداريّ، في واقع جسمٍ مريضٍ جدّاً، علينا أن نتحدّث عن إصلاح ماديٍّ ومعنويٍّ، يجعل هذا الجسم جسماً وظيفيّاً حقيقيّاً وموضوعيّاً، فكيف يمكننا أن نبني على إصلاح إداريّ، في جسم وظيفيٍّ، يغيب عنه أكثر من نصف الشعب السّوريّ، والنصف الآخر لا يؤمن بهذا الجسم، ولا يعوّل عليه؟!!..
-كذلك بالنسبة للوظيفة العامة، فهي اليوم أمام تحدياتٍ كبيرة، إذ أنّها لم تعد تمثّل شأناً وطنيّاً عامّاً، كما أنّها لم تعد تشكّل شأناً جامعاً للسوريين، كي نستطيع أن نستفيد منها، في رفد الدولة ومؤسّساتها، وفي تمثيل مواطني الدولة فيها، تمثيلاً موضوعيّاً، لتعود كما كانت سابقاً، باعتبارها البنية التحتيّة الأساسيّة الرافعة للدولة ومؤسّساتها!!..
-إنّ هذا الواقع، في هذه الحيثيّة بالذات، لا يبدو واضحاً بالنسبة لكثيرين من السوريّين، وبخاصّة ممّن هم لا يدركون جيّداً، العلاقة المركّبة للوظيفة العامة، بين الدولة والمواطن السوريّ، حيث تُعتبر الوظيفة هي المدخل الرئيسيّ والرابط الأساس، لموقع السوريّين من الدولة، وعلاقتهم بها، قبل أن تكون عنواناً اجتماعيّاً – اقتصاديّاً!!!..
-بقي أن نشير إلى أنّ تجارب الإصلاح الإداريّ التي تسترشد، وتستشهد، بها وزارة التنميّة الإداريّة، باعتبارها الوزارة المسؤولة عن تنفيذ هذا المشروع، وتحديداً في بعض النماذج العربيّة، إنّما هي تجارب ونماذج تمّت في مراحل استقرار تاريخيّة، مرّت بها تلك الدول، وفي واقع عملٍ وظيفيٍّ متعافٍ جدّاً، ماديّاً ومعنويّاً، غلبت عليه ظروفٌ لا تحاكي ظروف الواقع السوريّ الآن، ولا تشبهه أبداً!!..
-لهذا فإنّنا نرى أنّ الإصلاح الإداريّ الذي تعمل عليه هذه الوزارة، ومنذ سنوات عديدة، إنّما هو إصلاح لا يمكن أن يفيد واقع الجسم الوظيفيّ، ولا يمكن أن يفيد واقع ومستقبل الوظيفة العامة، ولا يمكن أن يرتدّ خيراً على واقع وكفاءة هذا الجسم وتلك الوظيفة!!..
(سيرياهوم نيوز1-صفحة الكاتب)