آخر الأخبار
الرئيسية » كلمة حرة » (الإعلامُ بوصفهِ عتَبةً)

(الإعلامُ بوصفهِ عتَبةً)

بقلم: ميرفت أحمد علي

تبدو علاقةُ الإعلامِ بالأدبِ في المجتمعاتِ العربيةِ، و على وجهٍ أعمّ، في المجتمعاتِ الإسلاميةِ، علاقةً متعاليةً، ينظرُ فيها الإعلامُ من بُرجهِ العاجيِّ، و من موقعهِ الأنفذِ كسلطةٍ رابعةٍ إلى الأدبِ و مُريديهِ نظرةَ ذويِ الفضلِ و النعمةِ ممَّن يُدنونَ أو يُقصونَ مَن شاؤوا من أهلِ الأدبِ، و يستقدمونَ ما أُوصُوا بتدليلِهم و بتصديرهِم إلى الرأيِ العامِّ كعلاماتٍ أدبيةٍ فارقةٍ في أُممهِم و أوطانهِم، بموجبِ ترشيحاتٍ مِن جهاتٍ ضامنةٍ أو مُزكّيةٍ في أحوالٍ كثيرةٍ، أو بحكمِ علاقاتٍ شخصيةٍ و شبكةِ محسوبياتٍ يُزاحمُ فيها طالحُ القومِ صالحَهم، و طفيليّو الأدبِ الأدباءَ الأجلّاءَ، ما أسقطَ عن الأديبِ ــ اليومَ ـــ تهمةَ التقوقُعِ على الذاتِ و الركونِ في (البرجِ العاجي)؛ ليستوليَ الإعلامُ على هذا الموقعِ، و ليُسلِّعَ مِن خلالهِ الكُتَّابَ و (بضاعتَهم)، فيُكسِدُ ما شاءَ منها، و يروِّجُ لما شاءَ، حسبَ مشيئتهِ و أمزجةِ أُولي السلطةِ و المتنفّذينَ!و بإجراءِ مسحٍ شموليِّ الرؤيةِ لأداءِ المؤسسةِ الإعلاميةِ و أزلامِها، و لمُتصدِّري منافذِها، و لمُفعّلي منابرِها الورقيةِ و البصريةِ و السمعيةِ،ندركُ حجمَ الفجيعةِ التي ابتُليَ بها الإعلامُ في وصايتهِ غيرِ الأمينةِ (أحياناً) على الأدبِ، فالناهضونَ بهِ معظمُهم من غيرِ  ذوي الأهليةِ في ممارسةِ الإعلامِ و الارتقاءِ به، و في تَنضيجِ الرأيِ العامِّ و استرضائهِ. و ينسحبُ الأمرُ على مقدِّمي البرامجِ الإذاعيةِ و التلفزيونيةِ، و بعضِ رؤساءِ و محرِّري الصفحاتِ و البرامجِ الثقافيةِ، الذينَ يصلُ بهم الجهلُ بمكانةِ الأدبِ، و الاستخفافُ بالأديبِ المُستضافِ حدَّ استدعائهِ متأبّطاً محاورَ النقاشِ، و معدَّاً للبرنامجِ دونَ أجرٍ، و لا يُصرفُ لهُ استحقاقٌ ماليٌّ عن استضافتهِ، بل يتقاضاهُ نيابةً عنهُ معدّو البرامجِ (على بارد المستريح)، هذا في حالِ كانَ هناكَ تعويضٌ من أساسه!أمَّا المُحاورونَ فقد يجسِّدون (شرَّ البليَّة) فكرياً و ثقافياً، فعلى الأغلبِ تجدُهم بريئينَ منَ الروحِ التشاركيةِ في الحوارِ، ويفتقدونَ إلى النِديَّةِ، و لا يُبالونَ بالاستخفافِ بأهلِ الفكرِ، و لا بافتضاحِ أمرهِم على العلَنِ، و مِن أضرابِ ذلكَ الرُّكونُ إلى الحوارِ العاميِّ، و إلى الارتجالاتِ الخاطئةِ و المُسفَّةِ، و إلى مقاطعةِ الضيفِ، و تشريحِ الفكرةِ و الإطاحةِ بأشلائِها يميناً و يساراً، ما يفضحُ معدوميَّةَ الخبرةِ و اللباقةِ، و انتفاءَ أدبيَّاتِ  الظهورِ الإعلاميِّ، و يتسبَّبُ بصدمةٍ و بخُسرانٍ معنويٍّ و اعتباريٍّ للضيفِ و للمتلقّي معاً. ما قادَ و يقودُ إلى الضحالةِ و انتفاءِ الجدوى، و ترحيلِ الأدبِ و المتأدِّبينَ إلى الكواليسِ الخلفيةِ للحياةِ و للفعلِ الإنسانيِّ، ليكتفوا بدورِ (الكومبارس). و تنعدمُ ــ تأسيساً على ذلكَ ــ جدوى رسالتِهم التوعويَّةِ و الجماليةِ الفنيةِ، و ليتصدَّرَ الإعلامُ موقعَ (عرِّيفِ الصفِّ) في المجتمعاتِ، ينظرُ إلى مكوِّناتها الثقافيةِ و غيرِ الثقافيةِ بعينِ الاسترخاصِ التي تعلّلُها حاجةُ التابعِ إلى المتبوعِ، و القاصرِ إلى البالغِ. و هذا التَّفاخرُ الإعلاميُّ ــ بزَعمي ــ أحدُ مسبِّباتِ فَقرِ دمِ الثقافةِ، و تبلُّدِها  و انتكاسِها. فالإعلامُ عتبةٌ ضامنةٌ لولوجِ الأديبِ بوابةَ الشهرةِ على اتّساعها، و لتعميمِ بطاقةِ تعريفهِ الإبداعيَّةِ، معَ ما تحملُ من مرموزيَّةِ الإنجازاتِ و ثقلِ الوزنِ الثقافيِّ لدى الجمهورِ، و توثيقِها و حفظِها في ألبومِ الذاكرةِ الوطنيةِ. إنَّ الخيانةَ الإعلاميةَ لجدِّيةِ الدورِ الحضاريِّ المنوطِ بها و لمصداقيَّتِه، قد أحالتِ الأديبَ الحقَّ إلى التقاعدِ المُبكرِ، و إلى الانسحابِ من منافسةٍ غيرِ مُجديةٍ مع المتطفلينَ على الحِرفةِ، المتدافعينَ إلى الظهوراتِ الإعلاميةِ بإملاءاتٍ و بتزكياتٍ من هذا و ذاكَ. و المطلوبُ هو عدمُ الاكتفاءِ بتسجيلِ موقفٍ مُعاتبٍ لعلاقةٍ شائهةٍ بينَ طرفينِ غيرِ متكافئينِ في الأخذِ و العطاءِ. المطلوبُ ـــ برأيي ــــ تعاضُدٌ نخبويٌّ جادٌّ، و تعبئةٌ حشديّةٌ يقودُها الأدباءُ و المثقفونَ لإعادةِ الأمورِ إلى نصابِها، و التوضُّعاتِ و الأدوارِ و القيمِ إلى صحيحِها، و تنقيتِها مِن مرذُولِها و مُزيَّفِها. و يبدأُ ذلكَ من استدعاءِ الكبرياءِ الشخصيِّ للأديبِ و بثِّ الروحِ و الانتعاشِ فيهِ، و مقاطعةِ وسائلِ الإعلامِ ما لم تضمنْ نقاءَ ماءِ وجهِ الأدبِ و أهلهِ و حمَلَةِ قبَسهِ الوضيءِ. ما يُترجمُ بعدمِ الاحتكامِ إلى الشروطِ المُذلَّةِ للاستضافةِ الإعلاميةِ، و فرضِ الحقِّ في تجويدِ أدائِها، و الإعدادِ الرصينِ المُسبقِ لمحاورِها. ما يستدعي بالضرورةِ استجلاءَ ملامحِ السيرةِ الأدبيةِ للأديبِ المُكرَّمِ، و استطلاعَ بعضِ مؤلفاتهِ، و احترامَ الشراكةِ النِّقاشيَّةِ، و توسيعَ هامشِ الرّقابةِ و حريةِ المعتقدِ، و صرفَ التعويضِ الماديِّ المُستحقِّ قبلَ مغادرةِ الضيفِ مقرَّ الهيئةِ الإعلاميةِ، و بما يتلاءمُ معَ الأوضاعِ المعيشيةِ المعاصرةِ للحدَثِ الإعلاميِّ. 

إنَّ تغَوُّلَ المؤسسةِ الإعلاميةِ على الأدباءِ و المفكرينَ، بهضمِ حقوقِهم المعنويةِ و الماديةِ، و بتجاهُلِ قيمتِهم الاعتباريَّةِ و الإبداعيةِ، و بتكليفِ العاطلينَ (غالباً) عن اللياقةِ الفكريةِ بإدارةِ الحواراتِ، ينبغي أن يقفَ عندَ حدٍّ. و النداءُ الأولُ ـــ في هذا السياقِ ــــ موجَّهٌ إلى المؤسسةِ الإعلاميةِ ذاتِها، فعليها أنْ تُعيدَ ترتيبَ بيتِها الداخليِّ، و أنْ تُحسنَ انتقاءَ طواقمِ العملِ، و تستدعيَ الأكفاءَ، و تُلزمَهم مشقَّةَ النموِّ بخبراتهم، و تحسينِ الجَودةِ المهنيَّةِ، و تعزيزِ الحوارِ الغائصِ في الخصوصيةِ الأدبيةِ و الفكريةِ للضيفِ المُستقدمِ لشغلِ مساحةِ البثِّ الإعلاميِّ، و سحبِ الثقةِ مِن صبايا العشريناتِ و الثلاثيناتِ اللواتي لا يشفعُ لهنَّ  ـــ في استلامِ زمامِ الأمورِ ــــ جمالُ المظهرِ، و لا أناقةُ و عصريَّةُ الملبسِ و الإكسسوارتِ، و لا تصنُّعُ الابتساماتِ، و لا تمتينُ العرى و الوشائجِ معَ أصحابِ القرارِ الإعلاميِّ و غيرِ الإعلاميِّ؛ لملءِ الشاشاتِ و الإذاعاتِ بكمٍّ هائلٍ من ضحالةِ الفكرِ المضخوخِ يومياً، و المشفوعِ بسطحيةِ الأداءِ، و بمعاملةِ الضيفِ معاملةَ الدائنِ للمَدينِ، و الماننِ للممنونِ. و النداءُ الثاني للأدباءِ أنفسِهم، و لما يُمليهِ عليهم الواجبُ نحوَ آدابِهم، و ذلكَ بمقاطعةِ الحوارِ الإعلاميِّ بأشكالهِ كافَّةً، و حتى الألكترونيِّ و التواصليِّ الاجتماعيِّ، مالم يتحققْ شرطُ الاحترامِ لخلفيَّةِ الأديبِ و لمكانتهِ بينَ قومِه و زملاءِ كارِهِ، و إلَّا…فستبقى صورةُ الأديبِ في مرآةِ الإعلامِ نمطيةً، مكرورةً، شائهةً، شئْنا ذلكَ ــ نحنُ مِعشرَ الأدباءِ ــ أم أَبيْنا.و ستبقى المنصَّةُ الإعلاميةُــ على عِلَّاتِها ــ هيَ (عتَبةُ الأحلامِ) المنشودةِ لنا، لا العكسُ. و قد دقَّ ناقوسُ الخطر، و استفحلَ الأثر، فما رأيُكم؟

(سيرياهوم نيوز28-12-2021)

x

‎قد يُعجبك أيضاً

( نحن ) البؤساء .. ؟!

  سلمان عيسى تعودنا ان ( نتبوأ ) المراكز الاولى عالميا وهذا قدرنا .. لذلك لم نتفاجأ من ان نكون في المركز الثاني عربيا والرابع ...