نزار نمر
يوم الثلاثاء الماضي، خضّ مواقعَ التواصل الاجتماعي مقطعٌ لجندي من قوّات اليونيفيل يتعرّض للصفع في الجنوب. في اليوم ذاته، سقط شهيد للجيش اللبناني مع والده
يستحيل على المرء أن يشاهد حال الإعلام المهيمن يوم الثلاثاء، ولا يشكّ في أنّه كلّه مرتزق وأجندته لا تتعلّق البتّة بالمصلحة الوطنية. ولئن يعجز الشخص عن إيجاد تعليق مناسب، إلّا أنّ وصف التكالب هو الأقرب إلى ما حدث فعلاً.
قبل نقل ما ورد على هذا الإعلام، وهو ما نقوم به من باب التوعية والنقد الذي غالباً ما يكون غير كافٍ قياساً بحجم التفاهات، يجب توصيف المشهدية من مسافة واحدة. يوم الثلاثاء الماضي، خضّ مواقعَ التواصل الاجتماعي مقطعٌ لجندي من قوّات اليونيفيل يتعرّض للصفع في الجنوب. في اليوم ذاته، سقط شهيد للجيش اللبناني مع والده في بلدة شبعا بعد تعرّضهما لقصف صهيوني معادٍ.
ابن الأرض لا يستحقّ إلّا خبراً عابراً
ضع هذَين الخبرَين أمام ولد وقُل له أن يرتّبهما بحسب الأهمّية بما يناسب نشرة أخبار، ويكون الجواب واضحاً. لكن هذا في عالم الأطفال العادي، كي لا نقُل المثالي حيث لا يتعرّض أحد للقتل. أمّا في عالم الكبار، فالمصالح الشخصية والآنية تتعدّى على ما عداها، ويصبح لدى «الجديد» وmtv وLBCI صفع الجندي الغريب عن هذه الأرض هو نهاية الدنيا، فيما الجندي الشهيد ابن الأرض لا يستحقّ إلّا خبراً عابراً، هذا إن أوتي على سيرته!
طوال النهار، انكبّت القنوات الثلاث، إضافة إلى صحف ومواقع من الطينة نفسها، على نقل خبر الصفعة كأنّه كارثة طبيعية هزّت البلاد برمّتها، وبالكاد مرّت على خبر الشهيد.
انكبّت القنوات الثلاث على نقل خبر الصفعة كأنّه كارثة طبيعية هزّت البلاد
كما دأبت على لصق الأمر بالمقاومة، مؤجّجةً خطابها ضدّها إلى حدّ غير مسبوق. انعكس الأمر أيضاً في نشرات الأخبار المسائية الثلاثاء ومقدّماتها.
لصق الموضوع بالمقاومة
لكنّ المشكلة لا تقع فقط في الإصرار على لصق الموضوع بالمقاومة باتّهام جاهز يستبق أيّ تحقيق تنفيذاً لأجندة ضدّها، بل كذلك في احتقار أهل الأرض إلى درجة التغاضي عن الأسباب الكامنة وراء الإشكالات مع اليونيفيل، واختصار الأمر بالكيد السياسي.
لا يهمّ أنّ قوّات أجنبية تدخل أراضي خاصّة من دون مؤازرة الجيش اللبناني تماشياً مع القوانين اللبنانية التي «تفلقنا» بها القنوات ذاتها. ومن غير الممكن بالنسبة إلى هذه القنوات أن يكون للأهالي صوت. وإذا ما قاموا بفعل احتجاجي، فهذا لأنّهم مسلوبو القرار ويقومون بالأمر نيابةً عن «حزب الله»! علماً أنّ أحد الأهالي يتوجّه في أحد المقاطع بشكل واضح إلى جنود اليونيفيل بالقول «روحوا جيبوا الجيش».
مقدمات النشرات الإخبارية
بدأت «الجديد» مقدّمتها مساء الثلاثاء كالآتي: «على مرأى من ممثّلي الدول المانحة لإعادة إعمار لبنان من دمار العدوان الإسرائيلي، يقدّم الثنائي الشيعي «حزب الله» و«أمل» أسوأ أداء ميداني ضدّ قوات حفظ السلام اليونيفيل ومراجع دينية ويُسقط عمامتها أرضاً».
وأضافت أنّه «وفي الوقت الذي لم يضرب حزب الله كفّاً لإسرائيل على عدوانيتها المتكرّرة قصفاً واغتيالات ويعلن التزامه خيار الدولة، فإنّه يعطي الإذن لمجموعات تحت مسمّى الاهالي لتسديد الكف على وجنات أفراد اليونيفيل».
كما أوردت أنّ «المؤامرة أنّ إسرائيل وأميركا اللتَين تسعيان إلى عدم التجديد لقوّات اليونيفيل قد انضمّ إليهما اليوم الحزب والحركة عبر دفع قوّات السلام إلى طلب المغادرة طوعياً ومن دون فيتو أميركي».
وممّا ورد في مقدّمة mtv: «اللافت أنّ «حزب الله» الذي يدوزن هذه الاعتداءات وفقاً لحساباته الخاصّة لم يغيّر شيئاً من أسلوبه القديم المفضوح، إذ يدّعي دائماً أنّ مَن يقوم بالاعتداءات هم الأهالي.
علماً أنّ الجميع يدرك أنّ الاعتداءات ليست من مسؤولية الأهالي، بل من تخطيط حزب الملالي وتنفيذه! (…) نفهم أن تكون إسرائيل لا تريد بقاء القوّات الدولية لأنّها تعتبر أنّ بقاءها في جنوب الليطاني لم يعُد له أيّ دور بعد تفكيك البنية العسكرية لـ «حزب الله» في المنطقة المذكورة. ولكن ما لا نفهمه أن يسير الحزب في المخطّط الإسرائيلي».
أمّا LBCI فاعتبرت أنّه «بات من البديهي القول إنّ «حزب الله» يتعاطى مع قوّات الطوارئ الدولية وفقاً لسيناريو يريده في نهاية المطاف أن يؤدّي إلى إحداث فراغ في الجنوب يريد أن يعود إليه، مع إدراكه أنّ هذا الهدف دونه صعوبات. فهو ليس اللاعب الوحيد في الجنوب، فهناك أربعة لاعبين على الأقل: قوّات الطوارئ، الجيش اللبناني، إسرائيل، والحزب.
وهو لا يستطيع أن يعيد عقارب الساعة إلى الوراء، إلى ما قبل الثامن من تشرين الأوّل 2023، يوم أعلن الانخراط في حرب «طوفان الأقصى» تحت عنوان الإسناد والمشاغلة». لكنّ القناة عادت و«دوزنت» الأمر في نهاية تقريرها، بحيث أشارت إلى عدم انتظار اليونيفيل إذن الجيش، كما إلى أنّ الحوادث المشابهة تتكرّر مع فرقة «احتياط قائد القوى» ولا تحصل مع الدوريّات الأخرى. كما أشارت إلى أنّ بلدية بدياس استنكرت الحادثة وهي «تدور في فلك حركة أمل والرئيس نبيه برّي».
وحدها «المنار»…
في المقابل، بدأت مقدّمة «المنار» كالآتي: «نزف الجيش اللبناني جنوباً من جديد بشهيد كان ووالده شاهدَين على عدوانية صهيونية متمادية، حيث لم يسلما من مسيّرة صهيونية رمتهما في خارج بلدتهما شبعا وهما يرعيان الماشية، فمشى الخبر بين رعاة السيادة كأنّ شيئاً لم يكن، ولم تلتفت له منابر السياسة ولا الإعلام ولا أصدقاء أفيخاي».
هكذا، سيكتب التاريخ أنّ «المنار» التي تنتقدها القنوات المهيمنة وحزبها وتنزع عنهما الوطنية، كانت الوحيدة في ذاك اليوم المشؤوم التي أبدت اهتماماً بالجيش الوطني، فيما كانت تلك القنوات تتباكى على «كفّ». لا تهمّ الخلفيّات التي قد يختلقها خصوم المقاومة تبريراً لموقف «المنار»، فالواقع سيبقى كما أسلفنا وصفه.
علماً أنّ ما سبق لا يجعل الضرب مباحاً، وجلّ ما في الموضوع طريقة التعاطي الإعلامي معه واعتماد النفاق والمعايير المزدوجة، حتّى لو وصل الأمر حدّ التخلّي عن الوطنية. بل إنّه وصل إلى حدّ التآمر على كلّ ما يزعج الاحتلال، تحت ادّعاء أنّ «المزعج» متواطئ مع الاحتلال!
أخبار سوريا الوطن١-الأخبار