زيادالمجالي
مقدمة:
حين تفتح قناة “العربية”، ترى إيران تنهار. تفتح “الميادين”، ترى إسرائيل تلفظ أنفاسها. تفتح قنوات مصر، فتُقال لك جملة واحدة: “فتنة تُدار من الخارج”.
تشاهد الأخبار فتظن أنك تشاهد العالم… لكنك في الحقيقة تشاهد ما يُراد لك أن تعتقد أنه العالم.
المفارقة ليست في الرأي، بل في الغاية. فالسؤال الحقيقي ليس:
> “من يقول الحقيقة؟”
بل:
“من يملك الرواية الأقوى… التي تُرغمك على تصديقها، حتى لو خالفت إحساسك؟”
هذا المقال ليس فقط عن الإعلام، بل عن العمق السياسي والاجتماعي الذي يستخدم الإعلام كأداة… لترويض الشعوب.
أولًا: فوضى إعلامية متعمّدة… لا توعية بل إنهاك
تناقض الروايات لم يُصمّم لتنويرك، بل لتُنهك وتيأس.
تتلقى أخبارًا متضاربة حتى تفقد الثقة بكل شيء، وتصل إلى جملة قاتلة:
> “كلهم كاذبون… لا فائدة من المتابعة.”
وها قد وقعت في الفخ.
فالغاية ليست أن تُصدّق أحدهم، بل أن تكفّ عن التصديق كليًا… أن تصبح محايدًا في قضايا لا يجوز فيها الحياد.
ثانيًا: من الإعلام كناقل… إلى الإعلام كصانع وعي
كل مؤسسة إعلامية اليوم تصنع قصة، لا تنقل واقعًا.
الإعلام الخليجي يضخّم “الخطر الإيراني” ليُبرّر التحالف مع الغرب.
الإعلام القومي يبالغ في تمجيد “المقاومة” لتغطية فشل الأنظمة.
الإعلام الرسمي يخوّفك من “الفتنة” ليبرر القمع والتكميم.
إنه ليس اختلافًا في الطرح، بل صراع على تعريف الواقع نفسه.
وما أكثر الذين يُصدقون “السردية” لا “الحدث”.
ثالثًا: ترويض المواطن لا تنويره
ليس الهدف أن تفهم، بل أن تُعاد برمجتك:
أن تخاف بدل أن تُحلل.
أن تكره بدل أن تُطالب.
أن تصفّق بدل أن تُفكّر.
كل من يسأل يُخَوّن، وكل من يصمت يُكافأ.
وحين تسأل عن الخبز… يُقال لك: “أنت لا ترى المؤامرة؟”
وحين تسأل عن غزة… يُقال: “ادعُ لهم فقط.”
وحين تهمس عن الفساد… يُقال: “هذا ليس وقته.”
رابعًا: كيف يُدار وعيك؟
التركيز الانتقائي: لا تُعرض لك الحقيقة، بل لقطة منها.
التكرار الموجّه: يُعاد المشهد ألف مرة… لتُقنعك أنه الحقيقة المطلقة.
الخبر الناقص: يُروى جزء صغير… ويُحذف ما ينسف الرواية.
والنتيجة: عقل مُنهك، يتعامل مع العالم بردّ فعل عاطفي، لا بعقل ناقد.
خامسًا: قافلة الصمود: الوعي الذي لا يُروّض
حين قرر شبّان تونسيون السير إلى غزة في قافلة الصمود، فعلوا ذلك من خارج السرديات الرسمية.
فلم تُغطَّ القافلة كما تُغطّى الحروب المصطنعة، ولا احتفى بها الإعلام الرسمي كما يحتفي بتغريدات المطبعين.
السبب؟
لأنها مبادرة من الناس، لا من السلطة.
والإعلام السلطوي لا يحبّ ما لا يتحكّم به.
فكان التعتيم هو العقوبة.
سادسًا: من المستفيد من الضجيج؟
1. السلطة: تلهيك بالخارج لتُخفي فشلها في الداخل.
2. الممول: يريدك أن ترى العالم بعين مصالحه.
3. النخب الفاسدة: تعيش من الجهل والخوف.
سابعًا: ما العمل؟
في عالم تختلط فيه الأكاذيب بالحقائق، يصبح الوعي الشخصي هو آخر خط دفاع.
لا تصدّق كل ما يُقال، ولا تُنكر كل ما لا يُقال.
بل اسأل:
> “من كتب هذا؟ ولماذا الآن؟ وما الذي لم يُقل؟”
خاتمة: بين الضجيج والصمت يولد الوعي
الإعلام اليوم لا يُخبرك بما يحدث… بل بما يُراد لك أن تفهمه.
ولذلك، فإن أخطر معركة اليوم ليست مع دبابة، بل مع كاميرا.
في عالم يُدار بالأكاذيب الناعمة…
الحقيقة تحتاج إلى قلوب لا تخاف، وعقول لا تُشترى.
(اخبار سوريا الوطن ١-روائع الأدب السياسي الساخر)