د.ميادة ابراهيم رزوق
لعب الإعلام دوراً رئيساً في الحرب على أمتنا العربية كأحد أهم جنرالاتها وخاصة بعد نهاية الحرب العالمية الثانية وانتهاء عصر الحروب التقليدية، علماً أنه وبدون استفاضة في الشرح ساهم الإعلام وفي تلك الآونة وبأدواته المتواضعة في الحرب النفسية، ومنها على سبيل المثال لا الحصر مصطلح الطابور الخامس، الذي تم تطويره بأسلوب آخر مع صعود نجم وسائل التواصل الاجتماعي ليتحول لمصطلح الذباب الإلكتروني. أما في العصر الحديث عصر الصورة وتطور التكنولوجيا، وتحول الإعلام ليكون أحد أهم الأسلحة والجيوش فقد تدرج وتطور استخدامه في أواخر القرن العشرين وبداية الألفية الثالثة ليحسم بعض حروبها او يتدخل بتعضيات تفاصيلها بشكل كبير، من رواج فيديو الطفلة الكويتية ابنة السفير الكويتي من على منبر الأمم المتحدة عام ١٩٩٠ بإتقان دورها بالتباكي على الأجنة والأطفال الكويتيين الذين فظع بهم جيش صدام حسين على حد زعمها تبريرا لتواجد القوات الأمريكية في المنطقة وبذرائع إنسانية، إلى كذبة امتلاك العراق الأسلحة الكيميائية، إلى اكذوبة (ثورات الربيع العربي)، إلى اداة سابقة ولاحقة في الحرب النفسية لكيّ الوعي وكيّ الوعي المعاكس الذي أتقنه محور حلف المقاومة وأهمها إطلاق نظرية (إسرائيل أوهن من بيت العنكبوت) التي دحضت ومن بعد انتصار حرب تشرين التحريرية أسطورة “جيش كيان العدو الصهيوني الذي لايقهر”، وابطلت مفعول الثقافة الانكسارية والانهزامية لدى الجيوش والشعوب العربية التي روجت لها الآلة الإعلامية الغربية بالتعاون مع إعلام الأنظمة الرجعية العربية، إلى تحول منابر ومنصات وسائل التواصل الاجتماعي لإعلان مواقف دول واحزاب ومنظمات من على حسابات وصفحات رؤسائها وقادتها ومسؤوليها وتراشق الاتهامات والتهديدات…. تهدف السيطرة على الإعلام للتحكم بالعقول، وتحديد نمط الأفكار، وبما ينعكس تأثيره في السلوك البشري، وهذا ما أدركه الغرب الامبريالي وعمل عليه كأحد أهم الاستراتيجيات بصناعة امبراطوريات إعلامية ذات نفوذ كبير تشمل الشركات العملاقة متعددة الجنسيات للصحافة والبث والأقمار الصناعية مع شبكة معلومات دولية (انترنيت) تسيطر على 90% من صناعة الإعلام والأفكار بوجه عام وتشمل الصحف، والقنوات التلفزيونية والمواقع الإلكترونية، ودور النشر وحتى السينما والبرامج الترفيهية، وبما يشكل قوى ضغط كبيرة على الحكومات المختلفة، لضمان وصول ماتريده من المعلومات، وبشكل مشوه ومجتزأ، حتى أصبحت هذه الإمبراطوريات تشكل القوة الحقيقية للكيان الصهيوني في العالم وخاصة بعد الحرب العالمية الثانية، إذ تعمل على تجميل وجه الاحتلال القبيح وتشويه صورة العرب، ضمن بروباغندا ممنهجة أشار إليها الحاكم الصهيوني “راشورون” في خطاب ألقاه في مدينة براغ التشيكية عام 1869 “إذا كان الذهب هو قوتنا الأولى للسيطرة على العالم، فإن الصحافة ينبغي أن تكون قوتنا الثانية”، ولذلك عملت الولايات المتحدة الأمريكية واللوبي اليهودي من خلال شركات عدة أسسها مؤيدون لدولة كيان العدو الصهيوني منهم روبرت ميردوخ، وجيف بيزوس، وبريان ريبورتس، وجيرفي بيكس، وروبيرت إيجر، ولاري بيج على استخدام الإعلام الكاذب المزيف كسلاح من أسلحة الحرب النفسية، وتطوير جيوش إعلامية عبر السنين كقوة لا مادية ناعمة لتشويه الحقائق وصناعة الحدث والتحكم في تطوره ومنعكساته والتداعيات عليه لإعادة صياغة الوعي ضمن بروباغندا ممنهجة تعمل على تسطيح العقول واخضاعها، وهذا ما أوضحه المفكر الأمريكي نعوم تشومسكي في كتابه “السيطرة على الإعلام”، حيث ذكر الكثير من الأمثلة التي تُبيِّن حجم الأكاذيب والخدع والتضليل الذي يُمارَس على الشعوب، وخلص إلى نتيجة رئيسة، وهي أن صورة العالم التي تُقدَّم للعامة أبعد ما تكون عن الحقيقة، وحقيقة الأمر عادةً ما يتم دفنها تحت طبقة وراء طبقة من الأكاذيب، بحسب وصفه. ويمكن تفنيد ذلك بمجموعة من المحطات في مجتمعاتنا العربية : 1- صناعة مؤسسات إعلامية ضخمة وبإمكانيات متطورة تكسب ثقة الجماهير بتغطية حصرية لانتصارات المقاومة اللبنانية والفلسطينية على كيان الاحتلال الصهيوني بتحرير جنوب لبنان عام 2000، وفي عدوان تموز على جنوب لبنان عام ٢٠٠٦، والعدوان على غزة عام ٢٠٠٨-٢٠٠٩، والحديث هنا عن قناة الجزيرة القطرية ، ودور آخر لعبته وأخواتها من فضائيات الأنظمة الرجعية في مسار تطبيع الأسرلة بترويج استضافة أشخاص من كيان العدو الصهيوني في حواراتها وبرامجها السياسية بذريعة شعار المصداقية والرأي والرأي الآخر، ولتتحول في خطوة لاحقة بتغطية الفضائيات الغربية الإعلامية لما يسمى (ثورات الربيع العربي) لمرجعية ومصدر. 2- انتشار عدد من المحطات الدينية المذهبية الفتنوية قرابة ٤٢ محطة في عام ٢٠٠٣-٢٠٠٤ ووفق شعار الرأي والرأي الآخر وبحوارات تعتمد تكريس الطائفية والتطرف بالاعتماد على إعلاميين وعلماء دين من كافة الطوائف والمذاهب مصنعين صهيونيا لأجندة تحويل البوصلة عن الصراع العربي الصهيوني…. 3- اعداد برامج سياسية وثائقية في عدد من المحطات الفضائية العربية والاجنبية الغربية الناطقة باللغة العربية تقلب وتشوه أحداث و حقائق التاريخ وتروج للفكر التلمودي الصهيوني. 4- إعداد برامج فنية وكليبات وصناعة نجوم كأرباب لشباب هذا الجيل بموسيقى ومشاهد وكلمات تلوث منظومة السمع والبصر بما ينعكس على تشويه منظومة الأخلاق وتسخيف وتسطيح العقول. 5- لعب دور أساسي في تغطية مايسمى (ثورات الربيع العربي) بصناعة الحدث وتضخيمه وتزوير الحقائق وتشويه المفاهيم والمصطلحات (الشهيد، المعارضة، الثورة، الجهاد، الانتماء، الحرية، الديمقراطية، الإرهاب…..)، و بخطاب تحريضي فتنوي، واعتماد ظاهرة شهود العيان وصناعة أبطال ودينكوشوتات منهم في أغلب الأحيان غير متواجدين في موقع الحدث، أو هم من يصنعون الحدث ويعملون على إخراجه وإنتاجه من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، وتزويدهم في بداية الحرب على وفي سورية بهواتف الثريا التي تعتمد على الاتصال عبر الأقمار الصناعية. 6- انتشار مواقع التواصل الاجتماعي واتاحتها بشكل مجاني للوصول إلى أكبر شريحة ممكنة من الجماهير، بما يساهم بالتفكك الأسري، وانشاء صفحات موجهة لصناعة أحداث تخدم الأجندة الصهيوامريكية، وتدعمها بحسابات وهمية للتفاعل والترويج وتظهير الحدث كي يصبح أقرب إلى الحقيقة، أو بحوارات بين حسابات وهمية على هذه الصفحات تكرس وتعمق الانقسام الطائفي والمذهبي….. بما يخدم تظهير مايحدث أنه حرب أهلية أو طائفية. 7- افتقاد المصداقية والمهنية بنشر مقاطع أو صور مفبركة دون التأكد من موثوقيتها وعائديتها، واعتمادها. 8- اعتماد نظرية غوبلز التي تقوم على فكرة السيطرة على العقول وفق نظرية التأطير، ومن خلال ذلك يجري تمرير السياسات.. وبهذه الآلية تم الاحتلال الأمريكي للعراق .. واتهام الجيش العربي السوري باستخدام الأسلحة الكيميائية ضد المدنيين… 9- شيطنة رموز المقاومة وقادتها، وتشويه قدسية الجيوش الوطنية وشيطنتها ، وربط الحل السياسي وانهاء الأزمات والمآسي والحروب بالتخلص منهم بهدف تدمير الدولة الوطنية. 10- ترافق ذلك مع إعلام درامي خليجي ممنهج يروج للاسرائيليات والروايات التلمودية التي تظهر احقية العدو الصهيوني ببناء دولته على أرض فلسطين المحتلة، وبما يبرر خطوات تطبيع الأسرلة (اتفاقات ابراهام). وفي الختام رغم التمويل بمبالغ هائلة بملايين الدولارات لهذه المواقع والصحف والفضائيات إلا أنها خسرت مصداقيتها، وفشلت إلى حد ما بفصم عرى الحاضنة الشعبية لقياداتها في قوى ودول محور المقاومة، وفي سورية على وجه الخصوص… وأخيراً تمكن الإعلام الوطني في هذا المحور ورغم امكانياته المتواضعة من تطوير قدراته التقنية والفنية ومهنية كوادره العاملة، وتعزيز مصداقيته أمام الجماهير العربية ، وتكريس فكر المقاومة، ليكون أحد من لهم أحقية التوقيع على مانشيت الانتصار.
(سيرياهوم نيوز-صفحة الكاتبة٢٩-٤-٢٠٢١)