آخر الأخبار
الرئيسية » كتاب وآراء » الإعلان الدستوري السوري والقرار 2254

الإعلان الدستوري السوري والقرار 2254

 

 

ناصر قنديل

 

 

مع صدور الإعلان الدستوري للمرحلة الانتقالية في سورية، ربما تكون الفرصة قد حانت لفهم سبب اعتراض الحكم الجديد في دمشق على اعتماد القرار 2254 إطاراً للمرحلة الانتقاليّة، علماً أن حجة الرفض كانت أن القرار 2254 يتحدّث عن حوار وتسوية بين النظام السابق والمعارضة، ومع سقوط النظام السابق يسقط القرار. وهذا مردود عليه أصلاً بكون المعارضة التي كانت تضم الحكم الجديد لدمشق كانت تتبنى دائماً تفسيراً للقرار يقول بربط تشكيل هيئة الحكم الانتقالي المنصوص عليها بتنحّي الرئيس السابق، فما هو السبب الحقيقي لرفض القرار 2254؟

 

يقدم الإعلان الدستوري أجوبة كافية عن السؤال حول رفض القرار 2254، فالقرار خطط لمرحلة انتقالية وفقاً للمعايير الدولية، التي تقوم على ثلاث ركائز، الأولى مدة انتقاليّة سقفها سنة ونصف، لأن الحكم الانتقاليّ لا يستند إلى أيّ نوع من الشرعيّة المستندة إلى الإرادة الشعبية كمصدر وحيد للسلطة، والركيزة الثانية هي هيئة حكم جماعية جامعة كما ورد في القرار، لا رئيساً فرداً، وسبب الذهاب إلى الهيئة الجامعة بما فيها من تناقضات هو السبب الذي يفسر اعتمادها، لأن لا انتخابات بعد تستمدّ منها السلطة وشرعيّتها، فكيف يمكن التسامح مع تسلّم فرد مقدّرات بلاد ودولة وشعب، وهو غير منتخَب، وتبقى الهيئة الجامعة وبالتحديد عبر تناقضاتها مانعاً أمام طغيان لون سياسيّ أو فكريّ أو دينيّ أو عرقيّ ينتمي إليه الفرد، فيصبح مستحيلاً أن تجمع حيث يشترط الإجماع أو تقرّر وفق لوائح عملها الداخليّة عبر التصويت بنصاب معيّن على القرارات، حسب طبيعة وأهميّة القرارات، إلا بما يتيح تجنيب الهيئة أي شبهة تغليب مصلحة أو رؤية لون سياسيّ أو حزبيّ أو طائفيّ أو عرقيّ أو دينيّ على حساب سائر الألوان، أما الركيزة الثالثة فهي أن الهيئة التي يصدر تشكيلها بقرار عن مجلس الأمن لا تضع إعلاناً دستورياً للمرحلة الانتقاليّة، بل تضع مسودة دستور عام للبلاد تطرح على الاستفتاء وتجري الانتخابات على أساسه تحت رقابة الأمم المتحدة.

 

عندما نقرأ الإعلان الدستوريّ يسهل علينا اكتشاف كيف ضربت الأسس الثلاثة، حيث صارت مدة المرحلة الانتقاليّة خمس سنوات بدلاً من سنة ونصف، والخمس سنوات من الفترات النادرة في المراحل الانتقاليّة، وهي أطول هذه المراحل إطلاقاً، وخطورتها تأتي من شبهة الاستبداد التي يحتملها تفويض حكم البلاد لمدة طويلة لجهة غير منتخبة من جهة، وتمكين هذه الجهة من الحكم لفترة كافية تضمن لها توفير شروط السيطرة على الحكم لاحقاً عبر أي انتخابات، باستغلال ما بين يديها من موارد وسلطات. فكيف وإن هذه الجهة هي فرد واحد، ينتمي لجهة حزبية محدّدة من خط فكري واحد، ضمن مذهب واحد من ديانة واحدة وقوميّة واحدة، ما يثير هواجس الأحزاب والعقائد والمذاهب والديانات والقوميّات الأخرى. ما يعني أن النيّة قائمة على التمهيد لانتخاب الرئيس الانتقالي رئيساً لاحقاً لولاية وأكثر، بصورة تسقط عن الإعلان الدستوريّ صفته الانتقالية كمحطة نحو الاحتكام للإرادة الشعبية، ليصبح محطة للسيطرة على هذه الإرادة الشعبية وتعليبها، بحيث يتمّ التمهيد لحكم الحزب الواحد وترجيح كفة عقيدته ومذهبه ودينه وقوميته.

 

في الإعلان الدستوري الانتقالي دائماً سعي لأقل مدة بأقل صلاحيّات، وكلّما مال الإعلان إلى توسيع الصلاحيّات جعل المدة أضيق، وكلما أطال المدة جعل الصلاحيات أقل. أما في هذا الإعلان فنحن أمام أوسع صلاحيات وأطول مدة، وفي الإعلان الدستوري الانتقالي عادة ابتعاد عن حسم القضايا التي يجب تركها للدستور الدائم، مثل المبادئ العامة، من علاقة الدولة بالدين إلى طبيعة النظام السياسي الى المسألة القومية، وكلها قضايا مصيرية يجب أن يشترط تضمينها للنص الدستوري بخضوعها للاستفتاء وليس لتصديق الرئيس الذي يُعيّن لجنة وضع الإعلان الدستوري. ثم في الصلاحيّات، يذهب الإعلان الدستوري الانتقالي إلى تضييق حدود صلاحيات هيئة الحكم، وبصورة أشدّ عندما تصبح الهيئة فرداً، والتقييد يتمّ بطريقين، الأول اعتبار الصلاحيّات الممنوحة للحكم الانتقاليّ هي صلاحيّات تسيير شؤون الدولة بمعناها الضيّق، إلا في مواجهة حالات استثنائية طارئة تستدعي صلاحيّات أوسع. وهنا الطريق الثاني للتقييد وهو اشتراط القرارات التي تقيد الحريّات خصوصاً بموافقة هيئات شريكة في الحكم مثل المحكمة الدستورية والهيئة التشريعيّة للحكم.

 

لأن الإعلان الدستوريّ لم يقُم بمراعاة كل هذه القواعد. كان طبيعياً أن يخوض الحكم الجديد معركة إسقاط أي دور للقرار 2254، فيصير ممكناً استبدال مدة السنة ونصف السنة بخمس سنوات، واستبدال حكم هيئة جامعة بحكم فرد، واستبدال تأجيل بتّ كل ما يتصل بنقاش الهويّات بالاستعجال في حسمه. وهذا ما يؤسس لحال من عدم الاستقرار لا يتناسب مع حاجات سورية التي تعيش أشدّ أيام عدم الاستقرار قسوة.

 

 

 

 

أخبار سوريا الوطن١_البناء

x

‎قد يُعجبك أيضاً

صدمة الساحل تُعيد خلط الأوراق في سوريا

عريب الرنتاوي أحداث الأيام الأخيرة في سوريا، وضعت البلاد على حافة الانتقال من “التقاسم إلى التقسيم”، فالأصوات التي تعالت في مدن الساحل وبلداته، وفي محافظة ...