أصبح الإعلان اليوم ثقافةً وفناً وصناعة مستقلة، وتنوَّعت وسائله وأساليبه، ولو ألقينا نظرة على تاريخ صناعة الإعلانات لوجدنا أنه فن قديم، إذ يعود تاريخ استخدام الإنسان للإعلان إلى أكثر من 4000 سنة قبل الميلاد.
فقد كان المصريون القدماء والإغريق والرومان يستخدمون ورق البردي للإعلان عن البضائع، كما وجدت رسوم جدارية تمثل دعاية تجارية في أجزاء من آسيا وإفريقيا وأمريكا.
وكان بعض الصنَّاع يعلِّقون أدوات مصنوعة من الخشب أو الحديد فوق محلهم وترمز لطبيعة عملهم كالحداد الذي كان يعلِّق حدوة حصان وصانع الأحذية الذي يعلِّق حذاءً.
بل إن الطبيعة نفسها من حولنا ترينا من مظاهرها ما يشير إلى وجود الإعلان فيما حولنا، إذ طالما كان الإعلان دائماً وسيلة الطبيعة للتواصل مع مخلوقاتها قبل أن يصبح وسيلة التجار للربح التجاري، فهي مثلاً تستخدم الرائحة واللون وتغير سلوك مخلوقاتها لتعلمنا بوصول الربيع، والطاووس يعلن عن نفسه ليجذب شريكه من خلال التباهي بريشه وألوانه الزاهية، وكذلك طائر الوقواق يعلن من خلال صوته تودده لشريكه.
كما كان الإعلان الخارجي لدى العرب قديماً يتمثل في شخصية المنادي الذي يستخدمه الأمراء والحكام للإعلان عن قراراتهم وما يودون إعلانه للشعب، ثم أصبح التجار يستخدمونه للإعلان عن وصول سفنهم وبضائعهم.
وقد انتقلت هذه العادة للغرب، ولم يأخذ الإعلان شكله الحقيقي حتى بداية عصر الطباعة في القرن الخامس عشر والسادس عشر حيث أصبح على شكل منشورات توزَّع باليد.
فظهر عام 1477م أول إعلان يهدف إلى زيادة مبيعات كتاب، وفي القرن السابع عشر بدأ ظهور الإعلان في الجرائد.
– ظهور الإعلان الخارجي..
لكن الحاجة الملحة للإعلان ظهرت مع بداية الثورة الصناعية، وتدفق كميات كبيرة من البضائع.
فكان لابد من الترويج لها وتعريف المستهلكين بها عن طريق الإعلان، فظهرت بالإضافة إلى إعلانات الجرائد والملصقات الجدارية، أشكال أخرى من الإعلان كبالونات الهيليوم، وكتابة الإعلان على القطار ووسائل النقل العامة.
ومع بداية عام 1820م زاد انتشار الدعاية في الشوارع، وبالتالي ارتفعت رسوم الضرائب المفروضة عليها، وازداد التنافس على مساحات الملصقات، ما جعل المعلنين يبحثون عن أفكار وطرق جديدة لجذب انتباه المارة.
ففكروا بجعل الدعاية متنقلة، بأن يرفع شخص لوحة إعلانية ويتنقل بها في الشوارع أو أن يرتدي الشخص الذي يعمل كلوحة إعلانية ملابس غريبة تحمل الرسالة التي يعلن عنها.
فقد ارتدى أحدهم قبعة أطول بثلاث مرات من القبعات المعتادة في ذلك الوقت وكتب عليها «زوج من الأحذية بـ 12 فرنكاً».
كما ظهر ما سمي بـ «سندويش اللوحة الإعلانية» وكانت عبارة عن قالب من الإعلان يلف الرجل به جسمه فيبدو فيه كسندويشة ليقرأ الناس الإعلان المكتوب حوله.
وما زالت هذه الطريقة موجودة حتى الآن في بعض مدن العالم.
وهكذا بدأ الإعلان يُعد الوجه الآخر للنمو الاقتصادي، ويشكِّل دعماً كبيراً للاقتصاد الوطني بشرط ألا يكون مضللاً للمستهلك فيفقد صدقيته.
وفي عام 1841م ظهرت أولى وكالة دعاية وإعلان في بوسطن، أسسها فولني بالمير، ومن ثم، ومع انتشار المحطات الإذاعية في أعوام 1920م أصبحت الإذاعة وسيلة إعلان وسرعان ما لحق بها التلفزيون في مطلع الأربعينيات.
– خصوصية اللوحة الإعلانية..
ومع بداية الستينيات من القرن العشرين، بدأت صناعة الإعلان تنحو منحى جديداً، إذ لم تعد الدعاية البسيطة المباشرة تكفي لإثارة انتباه المستهلكين، لهذا بدأ البحث عن أفضل المواهب والأفكار الإبداعية الجديدة.
وأصبحت الدعاية فناً بحد ذاته، حيث تقوم شركات الإعلان بدراسة المنتج دراسة وافية وتصميم شعار له وعلامة تجارية خاصة به، وإعداد حملة إعلانية للترويج له.
ففي إعلانات التلفزيون أو الراديو قد يتاح للمصمم مساحة تعبير أكبر في استخدام الصورة والصوت والحركة والألوان لجذب انتباه المستهلك، بينما في الإعلانات الخارجية فهي تُعد تحدياً حقيقياً لمصمم الإعلان حيث إن المشاهد يكون متحركاً، وغالباً مستعجلاً، لذا يجب أن تكون الفكرة مختصرة ومقدَّمة بشكل واضح يحقق التأثير المطلوب.
ومن مميزات الإعلان الخارجي انخفاض تكلفته مقارنة ببقية أنواع الإعلان، وبهذا يتمكن أصحاب الشركات والأعمال المتوسطة والصغيرة من إيجاد فرص للإعلان من دون تكاليف باهظة.
وفضلاً عن أهمية الملصق التجارية، فهو يرتبط ارتباطاً وثيقاً بفن الرسم.
في الوقت الحاضر، انتشرت وكالات الإعلان المتخصصة، وراحت تتنافس في ابتكار الأفكار والوسائل الإعلانية الجديدة.
فإضافة إلى الملصقات واللوحات الإعلانية تقوم بعض شركات الإعلان بتحويل شعار الشركة أو العلامة التجارية إلى تصميم ثلاثي الأبعاد على أي سطح كالأرضيات أو العشب في سهل أو حقل أو منحدر أو أرضية ملعب أو شاطئ البحر.
وبعد نهاية الحملة يتم إزالة الإعلان دون أن يضر بالبيئة أو يترك أي أثر.
وقد لاقى هذا النوع من الإعلانات رواجاً كبيراً لغرابة الفكرة وجاذبية التصميم، فقامت الصحف بنقل هذه الصور وانتشرت كذلك عبر الإنترنت من خلال هواتف المارة الذين كانوا يلتقطون الصور لها ما جعلها وسيلة فعالة تخلِّف الدهشة والإثارة حول المنتج وتحقق له حملة إعلانية ناجحة.
– شروط اللوحة الإعلانية..
يجب أن يتوافر في اللوحة الإعلانية عدة شروط لتتمكن من إيصال رسالتها للمتلقي.
فهي موجهة إلى المستهلك المار في الشارع، وعليها أن تلفت انتباهه خلال بضع دقائق أو أثناء مروره على طريق عام أو شارع مزدحم، وتخلِّف لديه انطباعاً قوياً يجعله يفكر بها.
لهذا يجب أن تكون الكلمات واضحة وموجزة وألوانها متناسقة وأحياناً قد تغني الصورة المعبرة عن الكلمات، حتى إن «الحكمة» الغالية على قلوب كثيرين وتقول «إن الصورة تُغني عن ألف كلمة» ظهرت أساساً من تقييم نوعية الإعلان على السيارات في أمريكا خلال النصف الأول من القرن العشرين.
كما يجب أن يراعى اختيار مكان اللوحة على الطريق، فلا توضع في اتجاه معاكس للمرور، وعلى التركيز على انتشارها في الطرق العامة الخالية أن يكون مفيداً للسائقين بحيث تدلهم على مراكز الطعام والوقود.
السيطرة الكاملة على المشهدالبصري للمدن
لا يتوقف الأمر على اللوحات الإعلانية ورسوم الجدران والأرضيات، بل إن تقنيات الدعاية المعاصرة جعلت من الممكن تحويل السيارات والقطارات والشاحنات والحافلات والطائرات إلى لوحات إعلانية متنقلة.
وقد جاء في نشرة لإحدى شركات الإعلان تعرف بطبيعة عملها: هل تعتقد حقاً أن الأرصفة والشوارع وجدت فقط للمشي؟ وأن النوافذ وجدت فقط للنظر من خلالها؟ والأبنية وجدت فقط للعيش والعمل فيها؟ والشاحنات لنقل الحمولات فقط؟ وأن وسائل النقل العامة وجدت لنقل الركاب من مكان لآخر فقط؟.
وهذا ما يشير إلى أن ظاهرة الإعلانات اليوم باتت تغطي كل مكان، وأصبح من الصعب إيجاد أي مساحة فارغة لا تشغلها الإعلانات.
لقد سيطر الإعلان تماماً على المشهد البصري لمدن العالم، وأصبح ظاهرة بصرية عالمية، لدرجة أننا قد لا نلاحظها أحياناً ولانلتفت لها.