في مواسم الأعياد، والمناسبات تزدهر الدعايات للمنتجات التي ترتبط بمواسمها، بل يزدهر الإعلان بكل مستوياته، وأساليبه، ليلتهم مواسمه واحداً تلو الآخر.. أما التلفزيون فهو الجهاز الدعائي الأكثر انتشاراً، وتأثيراً على الناس، وقدرة على الترويج للبضائع، كما للأفكار التي يُراد لها أن تذيع، وتسري.
وهنا يأتي دور الفكرة الإعلانية في إيصال مواصفات السلعة موضوع الإعلان إلى المتلقي
بحيث يتم إقناعه بأهميتها، وجودتها، ليُقبل بعد ذلك على شرائها إذا كانت منتجاً، أو إلى التعامل معها إذا كانت جهة ما تعلن عن خدماتها.. ولا مجال لتعداد المنافذ التي يطالها الإعلان فهي أكثر من أن تُعد.. إلا أن ما يهم في هذا السياق، وما يجب التحري عنه ضمن مقاييسه، ومواصفاته، هو مصداقية تلك الإعلانات التي لا تكاد صورة إحداها تختفي عن شاشة التلفاز لتظهرعليه مرة أخرى في تكرار يكاد لا ينتهي لمدة أيام، أو أسابيع، حتى يوشك المشاهد على أن يحفظ كل تفاصيل الإعلان، ولو طُلب منه أن يقوم بدور من يقومون به بدلاً عنهم لفعل ذلك على أحسن وجه.
وأصحاب المنفعة الإعلانية يقومون بكل ذلك متناسين إمكانات الأجهزة الحديثة، وتقنياتها، وبرامجها المتطورة كتقنية تخطي الإعلان التي بإمكانها تخطي الإعلانات تماماً إذا ما أراد المشاهد عدم مقاطعة متعة مشاهدته بما لا يهمه.. ولكن من جهة أخرى ألن يُفقِد التكرار المستمر للإعلان الحماسة نحوه، أي أنه المفعول العكسي الذي لا يريده المُعلن لبضاعته؟.
ولكن ماذا عن مصداقية ما يصفه الإعلان مرة أخرى؟.. هل فكرة الإعلان تقوم على مبدأ الصدق في نقل مواصفات منتجها إلى الزبون المُنتظر، أم أنها تخفي حقيقة مخالفة منتجها للمقاييس المعتمدة لتكتفي بقصة لطيفة للإعلان، وبصورة جذابة تلتقطها الكاميرا، وترافقها الموسيقا، وفي المحصلة لا يخرج المشاهد بمعلومة تخدمه أكثر مما تخدم الإعلان نفسه، وتروِّج له.
لقد باتت أغلب الإعلانات التي يهلل لها التلفزيون، ويتحف جمهوره بها بين لحظة وأخرى، ورغم ما يُنفق عليها من أموال، لا تتفق والمواصفات العالمية لفكرة الإعلان التي تتطلب في الأساس التحقق من المواصفات الحقيقية للمنتج ليُصار إلى استخدامها في الدعاية له حتى لا يتم غش المستهلك، وتضليله.
ومن جهة أخرى فإن من أهم شروط الإعلان إيصال الفكرة المكثفة، الذكية، والمؤثرة بأقل مساحة زمنية ممكنة مادامت التكاليف العالية محسوبة بالثواني، ومادامت ساحته رحبة للابتكار، والإبداع.
إلا أن معيار قبول الإعلانات التلفزيونية تغيَّر حتى أصبحنا نرى إعلاناً يكاد لا يمت بصلةٍ للخدمة، أو للمنتج الذي هو موضوعه لأن مصممه انشغل باللوحة البصرية المتسعة، وبالموسيقا الراقصة، وبعدد من (الموديل) الذين يظهرون للأداء، وقد يكونون من الممثلين المعروفين، وممن لهم رصيد عالٍ لدى الجمهور، ليطغى في هذه الحال حضور الممثل المشهور على حضور موضوع الإعلان حول منتجه.. في استغلال لمحبة الجمهور للممثل في عملية الإقناع، فيتخطى الأمر عندئذ عملية دغدغة المشاعر إلى ابتزازها.. ورغم المبالغ العالية التي تُدفع عادة لمثل هذا الإعلان الذي يقوم به المشاهير إلا أن المردود في كل الأحوال سيكون مجزياً.
إن مطاردة الإعلان للمستهلك أصبحت تتخطى الإعلان التلفزيوني إلى وسائل التواصل الاجتماعي، وإلى الصحف، وغيرها من منصات المواقع بهدف التسويق.. وكحملة لا مهرب منها.. لتغدو إمكانية السيطرة على ساحة الإعلان مرهونة بالكفاءة المالية لا بالكفاءة الفنية، أو كفاءة المُنتج نفسه، وبما قد يحجب الفرصة عن منتجات مماثلة أخرى قد تكون أكثر جودة.
كل هذا دون أن ننسى محصلة الأموال الكبيرة التي تُنفق على الإعلان غير الموفق، وغير الموافق لمواصفاته المطلوبة سواء من الناحية الفنية، أو من ناحية إفادة المستهلك، والتي كان بالإمكان الاستفادة منها في مشاريع تنعكس إيجاباً على المجتمع ككل.. كأن تقوم شركة إعلانات ما مثلاً بمشروع يخدم المجتمع فيكون نشاطها في الوقت ذاته دعاية لها ذات صدى أعلى يستقطب بالتالي إليه المستهلك طواعية، وبما فيه احترام لعقليتة، إذ أنه هو الذي سيختار منتج هذه الشركة طوعاً، وعن قناعة دون تأثير إعلاني.
وإذا كان الإعلان التلفزيوني يخضع بطبيعة حاله لرقابة ضوابطه المهنية من حيث عدم التجاوز إلى ما يخدش حس المشاهد، ومشاعره، والالتزام بأخلاقيات المجتمع، فإن الضوابط الفنية الخاصة في الإعلان التلفزيوني باتت باهتة، وأكثر تساهلاً إن لم نقل تفلتاً من معاييرها، وشروطها الفنية التي تجعلها ناجحة، ومؤثرة بالشكل الذي ينبغي لها أن تكون عليه.
وأيضاً إذا كان التلفزيون يهلل لمثل هذا الإعلان غير المؤثر ليكتفي بالمردود المادي الذي يحققه كمصدر دخل داعم له، وخاصة في مواسم محددة، فإن على الإعلان نفسه من خلال شركاته المختصة به أن يلتفت أولاً إلى معاييره المهنية الصحيحة حتى لا يكون متجاوزاً عليها، أو مضللاً للفئة التي يستهدفها من الناس.
(إضاءات) ـ لينــــــا كيــــــــلاني ـ
سيرياهوم نيوز 6 – الثورة