| أحمد الدرزي
على الرغم مما أنجزه محمد بن زايد على المستوى الداخلي، فإنه يستشعر مخاطر المتغيرات الإقليمية، وخاصةً بعد الدور السياسي الصيني في ملء الانكفاء الأميركي، ونجاحه في المصالحة السعودية-الإيرانية.
مرّ تعيين خالد بن زايد وليّ عهد لإمارة أبو ظبي، وما رافق ذلك من تعيينات أٌخرى، باعتباره حدثاً عادياً ضمن السياق العام لتفضيل حكام المشرق لأبنائهم على إخوتهم، بعد أن يكبر الأبناء، فتفاعلت معه دول الخليج وبقية الدول العربية ضمن هذا الإطار، ولم ينظروا إلى الدوافع الحقيقية لما يسعى إليه الرجل الأقوى، رئيس الدولة محمد بن زايد.
أخذت الإمارات بعداً إقليمياً ودولياً، بعد أن استثمرت جيداً نتائج حرب الخليج الأولى، بعد نجاح إيران في ثورتها، وفرض العقوبات عليها، فبدأت بالتحوّل إلى مركز لرأس المال العالمي، بغطاء دولي بعد انسحاب بريطانيا من هونغ كونغ، وتسليمها للصين عام 1998، وبذلك أصبحت أحد أهم المراكز المالية العالمية، ومستقراً حمائياً لأثرياء العالم، ومجالاً مفتوحاً للالتفاف على العقوبات، التي فرضتها الولايات المتحدة الأميركية، ومعها دول الاتحاد الأوروبي، على إيران، فتحوّلت إمارة دبي بشكل خاص، إلى مركز أساسي للشركات الإيرانية، التي يتجاوز عددها 6600 شركة، بالإضافة إلى إنتاج إمارة أبو ظبي وحدها 3 مليون برميل نفط يومياً.
أتاحت خصائص وضعية الإمارات كمركز مالي عالمي، وإنتاج نفطي كبير نسبة إلى عدد السكان القليل، وطموحات رجلها الأقوى محمد بن زايد، الفرصة لاستكشاف التحولات الدولية المتسارعة، منذ أن دخلت روسيا الحرب، لمواجهة الولايات المتحدة في سوريا، وأصبحت الأكثر استشعاراً لاختلال موازين القوى الدولية نحو القوى الآسيوية الناهضة، وبدء انكفاء الغرب أمام هذه القوى، وترافق ذلك مع إدراكها فشل مغامرتها العسكرية مع المملكة العربية السعودية في الحرب على اليمن، وفشل الرهان على التطبيع مع “إسرائيل”، لتحسين موقعها الجيوسياسي، على خارطة القوى الإقليمية، التي تعمل على ملء الفراغ المتزايد للولايات المتحدة في غرب آسيا.
على الرغم مما أنجزه محمد بن زايد على المستوى الداخلي، فإنه يستشعر مخاطر المتغيرات الإقليمية، وخاصةً بعد الدور السياسي الصيني في ملء الانكفاء الأميركي، ونجاحه في المصالحة السعودية-الإيرانية، وما يمكن أن يترتب من مخاطر على الدور الإماراتي المستحدث، في ظل التوافق الإقليمي الجديد، لكل من إيران وتركيا والسعودية، التي حجزت أماكنها الأساسية على خارطة المشرق الجديد، مع تراجع الدور الإسرائيلي الواضح، والذي يعدّ الخاسر الأكبر في غرب آسيا.
هناك 3 تحديات أساسية أمام الإمارات: الأول ويتكوّن من شقّين: أ-المشروع الطموح لولي العهد السعودي محمد بن سلمان، بالعمل على تقليص الاعتماد على النفط، والانتقال إلى مجالات التنمية المتعددة المستويات، وتحويل السعودية إلى مركز مالي واقتصادي منافس أو بديل للإمارات، وهو يمتلك أغلب مقومات النجاح، من خلال مشروع 2030. ب-السيطرة على مصادر النفط والغاز في كل منطقة الخليج، ما يجعل منه لاعباً أساسياً على مستوى العالم.
التحدي الثاني هو أن تستطيع إيران خلال السنوات القادمة، الخروج من دائرة العقوبات الأميركية، وبالتالي اضمحلال اعتمادها المكلف على الإمارات كمتنفس أساسي للالتفاف على العقوبات، على الرغم مما تشكله إيران من صمام أمان لتوازن القوى على ضفتي الخليج، وهي قادرة على كبح أي طموحات متجاوزة للحدود، بما يتيح للدول الصغيرة هامشاً أكبر للاستقرار.
التحدي الثالث هو طبيعة الاتحاد الإماراتي، الذي تأسس عام 1971، المبني على نظام غريب لا مثيل له في العالم، باجتماع 7 إمارات، ضمن نظام فيدرالي ملكي، يدار من المجلس الأعلى الدستوري، المناطة به الهيئة التشريعية والتنفيذية للإمارات السبع، تكون رئاسته لأمير أبو ظبي، وهو في هذه الحالة محمد بن زايد، ويكون نائب الرئيس ورئيس الوزراء ووزير الدفاع من مهمة أمير دبي، وهو في هذه الحالة الأمير محمد بن راشد، الذي كان يسعى لأن يكون ابنه راشد وريثاً له، في كل المناصب التي يتسلمها، وهذه البنية السياسية اللامركزية، لا تتيح للإمارات أن تواجه تحديات دول مركزية قوية وخاصةً السعودية، التي تمثل التحدي المستقبلي الأكبر لها.
طبيعة التعيينات التي تمت تشي بالشكل المستقبلي لدولة الإمارات العربية المتحدة، إذ تم تعيين خالد بن زايد ولياً للعهد، وتعيين هزاع بن زايد نائباً لحاكم أبو ظبي، وتعيين منصور بن زايد نائباً لرئيس الدولة بديلاً من أمير دبي محمد بن راشد، وهو زوج ابنته أيضاً، ما دفعه إلى التسليم بالأمر الواقع، والقبول بصهره كبديل من ابنه راشد.
مجمل هذه التعيينات يشير إلى أن الخط العام للإمارات العربية المتحدة يسير من الفيدرالية الملكية، في اتجاه دولة ملكية مركزية، أسوةً بالسعودية، وهذا الأمر يحتاج إلى سنوات، ورحيل حكام الإمارات البقية، أو البحث عن صيغة أقل للحكم اللامركزي، بما يضمن سيطرة آل زايد على مفاصل الإمارات، وخاصةً أنهم يمتلكون القدرة المالية الأكبر، بين الإمارات السبع، ويسيطرون على رسم السياسات الخارجية للدولة.
سيرياهوم نيوز3 – الميادين