آخر الأخبار
الرئيسية » يومياً ... 100% » الإنسان وكرامته: أساس نهضة الوطن

الإنسان وكرامته: أساس نهضة الوطن

 

 

 

د. سلمان ريا

 

في هذا الكوكب الفسيح، وقد غدا معراجًا لمليارات الأرواح، يظل كل إنسان جزيرةً قائمة بذاتها، تحمل سرّها الخاص، وتضيء بنورها المتفرّد. لا يذوب الكائن في الحشود، ولا يختصره رسم الآخر؛ فالذات لا تُفوَّض، ولا تُحجب خلف أقنعةٍ موهومة. كل إنسان شاهدٌ على نفسه، وممثّلٌ وحيد لوجوده، وكيانٌ لا يُستعار ولا يُستبدل.

 

لقد علمتنا التجربة السورية أن أقسى ما يمكن أن يُنتزع من الإنسان هو حقه في أن يكون ذاته. حين تُصادر الإرادات، وتُفرض الأدوار الجاهزة، وتتحوّل السياسة إلى احتكارٍ وإقصاء، تضيع الكرامة، وتفقد الحياة معنىً ووجاهة. فالحرية ليست امتيازًا يُمنح ويُسلب، بل هي جوهر الإنسان وشرط وجوده.

 

استعادة الكرامة تبدأ باستعادة التمثيل الفردي: أن يكون للإنسان صوته الذي لا يُصادر، واختياره الذي لا يُلغى، ومسؤوليته التي لا تُوكَل لغيره. قال تعالى: “كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ” [المدثر: 38]، وورد عن النبي ﷺ: “كلّكم راعٍ، وكلّكم مسؤول عن رعيته”، لتذكّرنا بأن الإنسان مسؤول عن أفعاله وخياراته، سواء على مستوى ذاته أو مجتمعه. لا يحقّ لأحد أن ينوب عنك في تعريف ذاتك، ولا أن يحشرك في صورةٍ مسبقة. الفرد هو الأصل، والعلامة، وحجر الأساس في أي نهضة وطنية أو إنسانية، ومسؤوليته أمام الله وأمام الناس هي ما يعطي فعله قيمته وصدقيته.

 

السياسة، في معناها الحقيقي، ليست حكرًا على النخبة، بل فضاء رحبًا يتسع لكل صوتٍ حر، ولكل مبادرة صادقة. من المبادرة الفردية إلى الجمعيات والأحزاب والمجالس، كل مشاركةٍ تضيف إلى نهر الحياة العامة، وكل إسهامٍ يعيد السياسة إلى معناها الأصيل: مجالًا للإبداع والتشارك والمسؤولية المشتركة.

 

إن سوريا التي نحلم بها لا تقوم إلا على قاعدة واحدة: الإنسان قيمة عليا، وكرامته جوهر لا يُمس، وحريته مفتاح لكل مشاركة ومسؤولية. من هنا يبدأ الطريق: بالاستماع إلى كل صوت، بتمكين كل إرادة، وبإعادة الإنسان إلى مكانته الطبيعية، مقياسًا لكل عدلٍ ومعيارًا لكل نهضة.

 

أصدق تمثيل للإنسان هو أن يكون ذاته: حرًّا ومسؤولًا، مشاركًا في صياغة مصيره ومصير وطنه، شاهدًا على كرامته، وشريكًا في بناء مستقبله.

 

(موقع اخبار سوريا الوطن-1)

x

‎قد يُعجبك أيضاً

“الصحة المدرسية”..بين الواقع والمأمول 

    سليمان خليل     يقضي أبناؤنا أكثر من نصف يومهم في المدرسة، أمرٌ يحتّم على القائمين على العملية التربوية والصحية ضرورة وجود رعاية ...