الرئيسية » كلمة حرة » الإنسان (3)

الإنسان (3)

 

 

مالك صقور

 

ويطول الحديث عن ( الإنسان ) الإنسان الذي هو غاية الديانات وغاية الفلسفة وغاية الفن والأدب . وسأكتفي بالحديث عنه ، ولكن من أجل العبرة والأعتبار أورد باختصار شديد ما كتبه المرحوم الأديب ممدوح عدوان في كتابه ( حيونة الإنسان ) . كتب المرحوم الأستاذ ممدوح عدوان عشرين فصلاً تحت عناوين مختفة ، يعرض فيها ضروباً من وحشية الإنسان . منها ماهو عالمي ومنها ماهو عربي ومنها ماهو محلي . يقول في المقدمة : ” والمسألة هي أنني أرى أن عالم القمع المنظم منه والعشوائي الذي يعيشه هذا العصر في عالم لا يصلح للإنسان ولا لنمو إنسانيته . بل هو عالم يعمل على ( حيونة الإنسان- أي تحويله إلى حيوان ) .

ويستطرد ممدوح عدوان في شرح فكرته ، فيقول :” إن تصورنا للإنسان الذي يجب أن نكونه أمر ليس مستحيل التحقق ، حتى نرى واقعنا الذي نعيشه ، نتلمس حجم خسائرنا في مسيرتنا الإنسانية ” .

وإذا كان الأنبياء و الفلاسفة و المتصوفون والأدباء والفنانون يسعون كل على طريقته ، إلى السمو بالإنسان نحو أن يعود جديراً بالجنة التي فقدها أو الكمال الذي خسره او اليوتوبيا ( جمهورية أفلاطون ) ؛ أو كما حلم الفارابي ب(المدينة الفاضلة ) التي يرسمونها أو يتخيلونها لهذا الإنسان .. فإن ممدوح عدوان في كتابه هذا حاول أن يعرض عملية انحطاط وتقزيم وتشويه هذا الإنسان .

ثم يعرض قصة الكاتب المصري الشهير يوسف إدريس ” العسكري الأسود ” ، وهذه القصة تصنف بما يسمى (أدب السجون ) . وهو الأدب الذي كتبه من عانوا السجن والتعذيب الذي يمارسه الإنسان على الإنسان الآخر عقوبة ردعية إو قمعية أو تربوية أو خلافا للرأي السياسي ..

وتحت عنوان ( صناعة الوحش.. صناعة الإنسان )يقول ممدوح عدوان :” إن اللغة هنا ، تبدو فقيرة ، وحين نضطر لاستخدام كلمات ” وحش” و ” وحشي ” فإننا نظلم الوحوش .” لأن الوحوش لا تبني معسكرات اعتقال ولا تبني السجون ، ولا تعذب الوحوش أبناء جنسها ألخ …

هذا غيض من فيض عن الإنسان ..

وفي النهاية :

الفيلسوف إنسان والمعتوه إنسان ..

المخترع إنسان و المخرب إنسان

الظالم إنسان والمظلوم إنسان

العادل إنسان والمستبد إنسان

ومع ذلك :

الغني إنسان والفقير إنسان

الملك إنسان و المهرج إنسان

القائد إنسان والبيدق إنسان

كذلك :

الحاكم إنسان والمحكوم إنسان

وفي الوقت نفسه :

الإنسان جبار و الإنسان مسحوق

الشاعر إنسان والكاتب إنسان والموسيقار إنسان ، والفنان إنسان ، والجاهل إنسان ، والزبال إنسان ( ولنتذكر أنه لولا الزبال لاختنق السادة جميعا بالنفايات ).

ثم ليتذكر الإنسان أن عود الثقاب من بقايا عيدان الغابة ، لكن عود الثقاب الصغير الضئيل ، يحرق أكبر الغابات ، وحتى المدن أيضاً .

وأخيراً :

هذا الإنسان خليفة الله على الأرض وصورته ومثاله ، هو الذي مخر عباب البحار ، وهو الذي سبر أغوار الفضاء وغزا المجرات ، وهدّ الجبال ، وروض الأنهار ، واخترع آلات وآليات لا تخطر على بال الكثيرين ، وتوصل إلى سرّ الاستنساخ ، وجعل الكرة الأرضية بقارتها الخمس (قرية صغيرة ) ، بمنجزاته المذهلة والعظيمة ، ولكن ، ولكن ، ولكن لم يستطع أن يقتل أو يلجم على الأقل الوحش القابع في أعماقه ..

أتمنى أن ينتصر العقل على الغريزة ..

(موقع اخبار سورية الوطن-1)

x

‎قد يُعجبك أيضاً

خطورة هيمنة الخطاب الديني 

    غسان كامل ونوس   أشرت منذ سنوات، وفي مناسبات عديدة، إلى خطورة هيمنة الخطاب الدينيّ، وأعود إلى القول ذاته، الآن، وأنا أسمع، وأتابع ...