آخر الأخبار
الرئيسية » ثقافة وفن » الإيديولوجيا الجديدة في سورية.. التحالفات الدولية واستمرار التعاون مع روسيا

الإيديولوجيا الجديدة في سورية.. التحالفات الدولية واستمرار التعاون مع روسيا

أ. نبيل أحمد صافية

تؤثّر المتغيّرات الدّوليّة والإقليمية، وخصوصاً عودة سورية إلى الحاضنة العربية والمطالَبة بتقليص النفوذ الإيرانيّ في ضرورة إيجاد حالة توافقية تقتضي استراتيجية سوريّة جديدة، تتّجه نحو سياسة توازن دقيقة بين الحفاظ على علاقتها الاستراتيجية مع إيران واستيعاب متطلّبات الدول العربيّة لتحسين العلاقات معها، وهذه الاستراتيجية يمكن تلخيصها في النقاط التالية:

الحفاظ على التحالف الاستراتيجي مع إيران، تدرك إيران مدى أهمّيّتها لسورية، فإيران تُعد شريكاً استراتيجياً لسورية منذ عقود، عندما وقفت سورية إلى جانب إيران في حربها ضد العراق، تحقيقاً للمصالح المشتركة،  ووقفت إيران إلى جانب سورية خلال أزمتها، وقدّمت لها الدعم العسكريّ والاقتصاديّ بمقابل استراتيجيّ، وليس لسواد العيون السّوريّة، كما أنّ دمشق تدرك أنّ إيران تُمثّل عمقاً أمنياً وعسكرياً مهمّاً في مواجهة التحدّيات الإقليميّة، خصوصاً من إسرائيل والولايات المتحدة.

كما يمكننا أن نشير ضمن تلك الاستراتيجية إلى ضبط النفوذ الإيرانيّ، فسورية قد تُحاول تقليل الاعتماد المفرط على إيران في بعض المجالات لتخفيف الضغط الدوليّ والعربيّ، لكنّها ستُحافظ على علاقتها ومصالحهما المشتركة ضمن إطار محور المقاومة، الذي كثيراً ما أشار إلى ضرورة القضاء على إسرائيل وزوالها في عام ألفين وخمسة وعشرين وفق الترويج الإعلاميّ ضمن ذلك الإطار، والغريب اللافت حالياً أنّ إسرائيل قضت على بعض قادة المقاومة كالشّهيد حسن نصر الله والسّنوار وغيرهما، وهي تتمادى في عدوانها على سورية، ولا تقوم سورية بأيّ ردٍّ حاليّ، رغم أنّي قد أراه ليس بعيداً، خصوصاً مع التحضيرات غير المباشرة أو المباشرة للاتفاق السوريّ الإسرائيليّ الذي أشرت إليه في دراسة استراتيجية سابقة ونشرته من أربعة أجزاء وقدّمته لسيادة اللواء محمد الشعار نائب رئيس الجبهة الوطنية التقدميّة، وأشرت لذلك في الجزء الأوّل، كما تمّ التقديم للجهات المختصّة ذات العلاقة في ضوء ما قامت به وزارات سابقة من مثل وزارة التربية والأوقاف والثقافة والخارجية.

ومن تلك الاستراتيجية: تعميق العلاقات مع الدول العربية للاستفادة من الزخم العربيّ، وسورية تُدرك أنّ إعادة الانخراط العربيّ، يُمكن أن يُوفّر دعماً سياسياً واقتصادياً كبيراً، لا سيّما في مشاريع إعادة الإعمار، وإنّ التقارب مع دول مثل السعودية والإمارات يعزّز فرص سورية في تخفيف وطأة العقوبات الدوليّة واستعادة علاقاتها الاقتصاديّة الإقليميّة، وحالياً سورية تسعى للاستجابة للمطالب العربيّة بحذر، ومن المعلوم أنّها توافق على خطوات تدريجية لتقليص مظاهر النفوذ الإيرانيّ العسكريّ، لكن دون المساس بجوهر التحالف مع إيران، تَبَعاً للاتّفاقيات المبرمة بين الجانبين، ويمكن أن تُروّج سورية لتحييد النفوذ الإيرانيّ تدريجياً، إذا حصلت على ضمانات عربية بدعم إعادة الإعمار واستقرارها الداخلي، كما يمكن لسورية احتواء الضغوط الدوليّة والإقليميّة في التعامل مع إسرائيل، والاستفادة من التوازنات الإقليميّة،  وسورية قد تستغلّ تلك التحوّلات الإقليميّة، مثل الاتّفاق السعوديّ-الإيرانيّ، لتخفيف الضغوط عليها وتجنّب اتّخاذ خطوات حادة ضدّ إيران.

ولعلّ من تلك الاستراتيجية: تنويع التحالفات الدوليّة، واستمرار التعاون مع روسيا، فروسيا هي الحليف الأساسي الآخر لسورية، وقد تلعب دور الوسيط بين دمشق والدول العربية، خصوصاً في ضبط الوجود الإيرانيّ بما لا يضرّ بالمصالح السوريّة، وإنّ تعزيز الدور الروسيّ في سورية، يُشكل بديلاً جزئياً عن الدور الإيرانيّ في بعض المجالات الأمنيّة والاقتصاديّة، وقد أشرت في الجزء الأوّل للاجتماع الثلاثيّ الروسيّ الأمريكيّ الإسرائيليّ في تلّ أبيب بتاريخ 25/6/2019م ، وهو الذي جمع بين نيكولاي باتروشيف سكرتير مجلس الأمن الرّوسيّ وجون بولتون مساعد الرّئيس الأمريكيّ لشؤون الأمن القوميّ وقتئذٍ ومئير بن شبات رئيس مجلس الأمن القوميّ الإسرائيليّ ، وكان الاجتماع برئاسة بنيامين نتنياهو رئيس وزراء إسرائيل ، ودعا الاجتماع إلى ضرورة انسحاب القوّات التي دخلت سورية بعد عام 2011م ، وقال فيه نتنياهو:

” إسرائيل تدخّلت مئات المرّات لمنع إيران من التجذّر عسكريّاً في سورية “، ونوّهت إلى أنّني أشرت إليه في دراسة استراتيجية سابقة منشورة أيضاً تحت عنوان: “التطبيع السوري الإسرائيلي القادم ( اتفاق السلام ) أبعاده استراتيجية”، وذكرت ذلك في الجزء الرابع المنشور بتاريخ ٢١/١٢/٢٠٢٠، وبالتالي فإنّ ذلك الاجتماع يحقّق المصالح الروسيّة، لتكون بديلة ولو بصورة جزئيّة لإيران، وهذا ما نراه حالياً نتيجة الاعتداءات الإسرائيليّة المتكرّرة على معظم الأراضي السوريّة، تحت ادّعاءات صهيونيّة متعدّدة، وهنا نتساءل: أين صواريخ ( إس 400 ) وغيرها الروسيّة؟ ومتى يتم استعمالها؟ وما علاقة الجانب الرّوسيّ في ذلك إلى الآن؟.

ومن التّنويع في التحالفات الدوليّة: فتح قنوات مع الغرب، وسورية قد تُقدّم نفسها كطرف مستعدّ لتقديم تنازلات تُلبّي المخاوف الغربيّة والعربيّة (مثل تقليص النفوذ الإيرانيّ) مقابل رفع تدريجيّ للعقوبات الدوليّة، من أجل إعادة الإعمار والتنمية، أو للحدّ من التصعيد مع إسرائيل عبر ضبط الوجود الإيرانيّ قرب الحدود الجنوبية، تحقيقاً لمطالب روسيّة، وهو المطلب الأمريكيّ والإسرائيليّ الذي تمّ الاتّفاق عليه _في الاجتماع المشار إليه قبلاً_ لتسعى سورية من أجل توظيف التعاون مع روسيا أو دول عربية لتخفيف التوتّرات الإسرائيليّة مع سورية، وستكون أرض الإمارات مقرّاً لعقد ذلك الاتّفاق، وهو ما أشرت إليه أيضاً في دراسات منشورة سابقاً قبل أربع سنوات، وفي الجزء الرابع من دراستي عن التطبيع السوريّ الإسرائيليّ، إضافة إلى بحث بعنوان: ” هل تكون أبو ظبي بوابة السّلام العالميّ الجديد، وعاصمته الاستراتيجية؟”، وهو منشور بتاريخ 3/4/2023.

ويمكن أن تعتمد سورية على الدور الاقتصاديّ العربيّ، وهي تُراهن على أنّ ذلك التعاون مع الدول العربية في ملف إعادة الإعمار وغيره، سيُوفر بدائل تُخفّف من الاعتماد على إيران اقتصادياً، بالاستفادة من مبادرات الاستثمار العربية، خصوصاً من دول الخليج، ليكون جزءاً من استراتيجية دمشق الجديدة لتحقيق الاستقرار الداخليّ وتعزيز التنمية الداخلية، وتقوية موقع الحكومة السوريّة، وتقليل الاعتماد على الدعم الإيرانيّ في مواجهة التحدّيات الداخليّة.

وسوريا تعتمد استراتيجية قائمة على التوازن الاستراتيجيّ، بحيث تُحافظ على علاقتها مع إيران لضمان دعمها العسكريّ والسياسيّ، لكنّها في الوقت نفسه تستجيب جزئياً لمتطلّبات الدول العربية لتحسين علاقاتها الإقليميّة وتأمين الدعم الاقتصاديّ، وهذه الاستراتيجية تُركّز على تحقيق المكاسب من مختلف الأطراف، دون خسارة التحالفات الأساسية لها، وسنكون في الجزء الثّالث مع العلاقات السّورية الروسيّة وتأثيرها في تلك الإيديولوجيا، فلننتظر قادم الأيّام.

الباحث والمحلّل الياسيّ، وعضو اللجنة الإعلاميّة لمؤتمر الحوار الوطنيّ في سورية

 

 

 

 

سيرياهوم نيوز 2_راي اليوم

x

‎قد يُعجبك أيضاً

أربعة أعوام ومعرض الشارقة هو الأول على مستوى العالم في البيع والشراء والتنظيم … العامري: وجود ضيف الشرف في المعرض يكشف ما لديه من كنوز وخصوصية لإثراء المشهد الثقافي

    | إسماعيل مروة   الحركة الدؤوبة والمستمرة خلال أيام معرض الشارقة للكتاب من مديره المشرف سعادة الأستاذ أحمد بن ركاض العامري قدمها في ...