آخر الأخبار
الرئيسية » كتاب وآراء » الإِهَـابُ السـوري ومعركةُ ميسلون

الإِهَـابُ السـوري ومعركةُ ميسلون

 

كتب د.المختار

 

تطلُّ علينا اليومَ مناسبةٍ غاليةٍ على قلوبنا، هي الذكرى 104 ل #معركةِ_ميسلونَ التي وقعَت في 24 تموز/يوليو، 1920م، وعُدَّت نقطةَ البدايةِ، في جهادٍ، استمرَّ ما ينوفُ على ربعِ قرنٍ، ضدَّ #الانتدابِ_الفرنسي على سورية. تلك المعركةُ التي كانت وستبقى رمزاً للعزّةِ والكبرياءِ التي تغنّى بها السوريون، فكانت معركةً رابحةً بالمفهومِ التاريخي، وخاسرةً بالمفهومِ العسكري…؟!

 

فقائدها “الشهيد البطل #يوسف_العظمة” لم يخضها عن عدمِ درايةٍ بأنَّها ستكونُ خاسرةً عسكرياً، بل صمّمَ على خوضِها، من أجل المحافظةِ على ( الإِهَـابِ ) السوري، والمحافظةِ على الثوابتِ التاريخيةِ لهذا الإِهَـاب.

 

إذ لم يسبق أن استطاعَ نظامٌ من الأنظمةِ الاستعماريةِ التي حكمت بلادَنا، لفتراتٍ متفرقةٍ من الزمنِ، أن يبقى للأبد أو أن يعبثَ بثوابتِ هذا الإِهَابِ..!

 

أليست مقولةُ #الرئيس_بشارِ الأسد “لن يكونَ الرئيسُ بشار من #يحني_رأسَه_ورأسَ شعبِه إلا للهِ سبحانه…” امتداداً وترسيخاً لذلك الإِهَابُ السوري.؟

 

لقد كان قرارُ يوسفِ العظمة، وزيرِ الحربية آنذاك، بالمواجهةِ، بالرغمِ من معرفتِه بالفارقِ الهائلِ بين إمكاناتِ جيشِه حديثِ التأسيسِ، وإمكاناتِ القواتِ الغازيةِ، قراراً مبنياً على خوضِ المعركةِ، من أجلِ عزّةِ الوطنِ وكرامتِه.

 

وأنقلُ عنه قولَه للملكِ فيصل، عندما أبلغَه أنّه رافضٌ لشروطِ إنذارِ غورو، وذاهبٌ للقتالِ في ميسلونَ:

“بعد أن انتهَت الأمورُ إلى هذا الحدِّ، يجب أن نموتَ جميعاً شرفاءَ”.

وعندما سألَه #ساطعُ_الحصري: “ما الجدوى من ذهابِك للقتالِ ضدَّ جيشٍ متطورٍ يملكُ المدافعَ والدباباتِ والعرباتِ القتاليةِ، وأنتم لا تملكون إلا بعضَ البنادقِ القديمةِ…؟”

 

أجابَه بفخرٍ “أعلمُ أنني ذاهبٌ للموتِ، ولكن لكي لا يقالَ إنّهم دخلوا دمشقَ دون مقاومة، فأنا أذهبُ تاركاً ابنتي الوحيدةَ “ليلى” أمانةً في أعناقكِم وأرجو ألا تنسوها…..”.

 

فكان الشهيدَ والبطلَ والقدوةَ، وكان أولَ وزيرِ دفاعٍ في العالمِ يستشهدُ في الصفوفِ الأماميةِ لساحاتِ القتال.

 

#موقعــةُ_ميسلون

 

اتفقَت فرنسا وبريطانيا في 15 أيلول / سبتمبر من عام 1919م، في مؤتمرِ فرساي، على تقاسمِ الحصصِ؛ فاعترفَت بريطانيا بالانتدابِ الفرنسي على سوريةَ، مقابلَ اعترافِ فرنسا بالانتدابِ البريطاني على فلسطين.

 

وهو بالضبطِ، مضمونُ اتفاقِ الدولتين في 9 أيار/ مايو 1916م، على ما سُمّي باتفاقِ (#سايكس_بيكو) الذي عُدَّ الأساسَ الذي قامت عليه سياستُهما الاستعماريةُ الجديدةُ في المشرقِ العربي، وليتمَّ بعد ذلك إبلاغُ الحكومةِ السوريةِ، بضرورةِ الخضوعِ للسيطرةِ والوصايةِ الفرنسيةِ، والقبولِ بشروطِ إنذارِ غورو. وقد حُدّدَت مدةَ الإنذارِ بستةِ أيامٍ، على أن ينتهيَ بعد منتصفِ ليلةِ /21 / تموز 1920م.

وفي حالِ لم تقبل به الحكومةُ العربيةُ الفيصليةُ، فإنَّ الجيشَ الفرنسي سيزحفُ إلى دمشق. وقدَّم الغزاةُ الفرنسيون آنذاك، مجموعةً من الحججِ والذرائعِ، “تشبهُ إلى حدٍّ بعيدٍ الحججَ والذرائعَ الأمريكيةَ في هذه الأيام”، وقد نصَّ #إنذارُ_غورو على المطالبِ الآتية:

 

1 ـ أن تقبلَ الحكومةُ العربيةُ الفيصليةُ في سوريةَ انتدابَ فرنسا على سوريةَ، من دونِ قيدٍ أو شرط.

2 ـ أن تعيدَ الجيشَ إلى ما كان عليه قبل شهرِ شباط (أي حلُّ الجيشِ وإلغاءِ الخدمةِ الإلزاميةِ).

3 ـ أن ترضى بالتعاملِ بالورقِ السوري ( العملةُ السوريةُ الورقية).

4 ـ ألاّ تمنعَ الفرنسيين من احتلالِ خطِّ رياقِ حلبَ، أي احتلالُ محطاتِ بعلبكَ وحمصَ وحماه، حتى مدينةِ حلب.

5 ـ قبولُ المستشارين الفرنسيين في دوائرِ الحكومةِ السورية.

6 ـ تسليمُ الضباطِ المقاومين “الذين كانوا يعملون على رأسِ العصابات”.

 

غيرَ أنَّ الشعبَ السوري نظرَ إلى هذه الطلبات والتهديداتِ، على أنَّها إهانةٌ للكرامةِ والعزّةِ الوطنيةِ، فقرّرَ رفضَها ومواجهتَها. وعمَّت المظاهراتُ والاحتجاجاتُ جميعَ المدنِ السورية.

وبدأَ يوسفُ العظمة بتجميعِ صفوفِ المقاتلين لملاقاةِ الجيشِ الفرنسي المؤلفِ من تسعة آلاف جندي، والمزوّدِ بالمدافعِ والدباباتِ، والزاحفِ لاحتلالِ دمشق.

 

ومن الجديرِ ذكرَه هنا، أنَّ الجيشَ الفرنسي آنذاك، كان يملكُ أعظمَ قوةٍ بريةٍ في العالمِ، كما كانت بريطانيا تملكُ أعظمَ قوةٍ بحرية.

 

الاسـتعدادُ للمعر.كـة

 

بدأت الحكومةُ السوريةُ تُعدُّ العدّةَ، ورسمَ وزيرُ الحربيةِ خطةَ المواجهةِ، وأمرَ بملاحظةِ الحدودِ من حلبَ إلى مرجعيون، وقسّمَ هذه الحدودَ إلى مناطقَ ثلاث: الأولى منطقةُ حلب، والثانيةُ: منطقةُ حمص ـ تلكلخ، والثالثةُ: منطقةُ مجدل عنجر إلى مرجعيون. وحدد مهمة القوات بما يلي:

 

أ ـ الدفاعُ عن #العاصمةِ_دمشق.

ب ـ الارتباطُ مع قيادةِ البقاعِ والقنيطرة.

ج ـ تشكيلُ احتياطٍ قوي لأمرِ المنطقة.

 

وأصدرَ وزيرُ الحربيةِ أمراً بإرسالِ لواءِ المشاةِ الثاني، إلى منطقةِ مجدل عنجر، واللواءِ الرابعِ إلى منطقة حاصبيا وراشيا، وأرسلَ العقيدَ #حسن_تحسين_الفقير، قائدَ الفرقةِ مع اللواءِ الثاني، لتنظيمِ خطٍّ دفاعي في مجدلِ عنجر، وقام بنشْرِ القواتِ من مشاةٍ ومدفعيةٍ ورشاشاتٍ، في الأماكنِ التعبويةِ اللازمةِ والمناسبة.

واستبقى الفوجُ الثاني من اللواءِ الأولِ المشاة، ولواءِ المدفعيةِ في دمشق، تحت إمرةِ الحكومةِ المركزيةِ كاحتياطٍ.

(كل هذه التشكيلات كانت حديثة العهد).

 

تذرّعَ الفرنسيون بتأخرِ ردِّ الحكومةِ السوريةِ على #إنذارِ_غورو، وأعطوا أمراً للجنرالِ “غوابيه” بالهجومِ، وتقدمَت قواتُه واحتلَّت مجدلَ عنجر، زاحفةً باتجاهِ دمشق. وكانت القواتُ التي تحت إمرتِه، تتألفُ من أربعةِ ألويةِ مشاةٍ، واثنتي عشرة بطاريةً من المدفعية، خمسٌ منها مدافعُ ميدانٍ سريعةٍ، وخمسٌ جبليةٌ سريعةٌ، وبطاريتان من عيار15,5 سنتمتراً، ولواءُ خيالةٍ سباهيةٍ مراكشيين، وسرايا فنيةٌ من استحكامٍ وهاتفٍ ولاسلكي، ووسائط كثيرة، وخمسُ طائرات، مقابلَ بضعِ مئاتٍ من المقاومين السوريين يقتصرُ تسليحُهم على البنادقِ، وثلاثةِ مدافعَ ميدانٍ، ووسائطَ بسيطةٍ أخرى.

 

وفي صبيحةِ 24/7/1920، وقعَت المعركةُ في منطقةِ ميسلونَ (تقع 28 كم غربي مدينة دمشق على الطريق الواصل بين مدينة دمشق ومدينة بيروت)، واستمرَّت نحو ساعتين، استشهدَ خلالها، ما يزيدُ عن ثمانمئةِ مجاهدٍ، ومن بينهم البطلُ يوسفُ العظمة، بعد أن قاتلوا ببسالةٍ منقطعةِ النظير. ودخلَ الفرنسيون دمشقَ وفرضوا انتدابَهم عليها بالحديدِ والنارِ، وبدؤوا بتنفيذِ برنامجِهم في تجزئةِ سوريةَ إلى دويلاتٍ وحكوماتٍ على أسسٍ طائفية.

 

الرمزيةُ في موقعةِ ميسـلون

 

لقد شكّلَت موقعةُ ميسلونَ إنموذجاً ومثالاً في تاريخِ المواجهةِ مع الغزاةِ، كان لها رمزيتُها ودلالاتُها البعيدةُ، حيث أسّست، منذ الساعاتِ الأولى لدخولِ القواتِ الغازيةِ الأراضي السوريةِ لنمطٍ من المقاومةِ، وحدّدت أسلوبَ التعاملِ معها، فاشتعلَت سوريةُ بالثوراتِ والانتفاضاتِ والمظاهراتِ الوطنية.

 

إرادةُ الصمـــود

 

فإذا كان غورو قد طالبَ بتسليمِ الضباطِ الثوارِ المقاومين، المعادين لفرنسا ( رؤساء العصابات كما أسماهم ) والاعترافِ بالانتدابِ، و #تسريحِ_الجيشِ_العربي_السوري، فإنَّ الطلباتِ الأمريكيةَ التي حملها كولن باول عام 2003م ومابعدها من تغيير الدستور وتحديد عدد الجيش، وحول المقاومة، وطردُ قادةِ الفصائلِ الفلسطينيةِ من سورية، وغيرها…

كانت تحملُ نفس المضامين…

 

فما أشبهَ اليوم بالأمسِ؛ فبينَ إنذارِ غورو والتهديداتِ الأمريكية، ردحٌ طويلٌ من الزمنِ، بقيَت فيه سورية متمسكةً بثوابتها، وموئلاً للعزةِ والكرامةِ العربية.

(سيرياهوم نيوز١-صفحة الكاتب)

x

‎قد يُعجبك أيضاً

التنّين الجديد: الصهيونية المسيحية تحت المجهر

عادل بشارة   الصهيونية المسيحية هي لاهوت سياسي تعود جذوره إلى القرن التاسع عشر. وقد اتخذت شكلها الكامل بعد ولادة الكيان الإسرائيلي عام 1948. إنها ...