منذ اللحظة الأولى التي انطلقت فيها معركة «ردع العدوان» في السابع والعشرين من تشرين الثاني من العام الماضي، حيث انتهت بسقوط سلطة الرئيس بشار الأسد في الثامن من كانون الأول الفائت، وجد «الائتلاف« المعارض والحكومة التابعة له (الحكومة المؤقتة التي تنشط في ريف حلب الشمالي) والفصائل المرتبطة بهما، أنفسهم، أمام مشهد غير مسبوق، تحوّلت خلاله «تحرير الشام» من إدارة موازية في إدلب، وفصيل يسعى إلى التوسع، إلى حاكم سوريا الجديد، والذي يسعى إلى إذابة جميع الفصائل والكيانات السياسية، بدعم تركي وقطري، وقبول عربي وغربي. على أن الائتلاف، الذي نشأ في البداية بدعم سعودي، عن طريق دمج «المجلس الوطني» مع كيانات سياسية سورية معارضة أخرى، في إطار محاولة الرياض سحب ورقة المعارضة من يد تركيا – التي استحوذت عليه مرة أخرى بعد انكفاء الدور السعودي في الأزمة السورية -، حاولت أنقرة، على مدار أكثر من عشرة أعوام، تنظيم عمله، ودفعه إلى شكل ما من أشكال العمل المؤسساتي، على الصعيدين الإداري والعسكري. غير أن هذه المحاولات منيت بالفشل، في ظل عدم امتلاك المسؤولين السوريين في المؤسسات التابعة لـ«الحكومة المؤقتة» القدرة على اتخاذ أيّ قرارات بشكل منفرد عن أنقرة، التي عملت على تتريك مناطق نفوذ الحكومة المشار إليها، وإتباعها لإدارة ولايات تركية، وفي ظل التبعية المالية المستمرة، التي تحوّل خلالها موظّفو «المؤقتة» إلى أتباع مطلقين لتركيا ومؤسساتها، العسكرية والأمنية والسياسية.
وعلى الرغم من المشاركة الصورية لفصائل تابعة لـ«الجيش الوطني» المنضوي تحت كنف «وزارة الدفاع» في «الحكومة المؤقتة»، بدا واضحاً استئثار «تحرير الشام» بالمشهد بشكل كامل، عن طريق إدارة العمليات العسكرية على الأرض، وما يرافقها من عمليات سياسية وإعلامية، لتجد هذه الفصائل نفسها ممزقة بين قيادة الشرع في عملية «ردع العدوان» والقيادة التركية المستعجلة في المعارك التي اندلعت ضد «قوات سوريا الديموقراطية» (قسد) في ريفَي حلب والرقة. وبعد دخول الشرع القصر الرئاسي، وجلوسه على سدة الحكم باعتباره قائداً للإدارة الجديدة، بدأت وفود من قادة الفصائل تتوافد إلى زيارته، بحثاً عن دور في المستقبل السوري، كما قام وفد من «الائتلاف»، يضمّ رئيسه هادي البحرة، وبدر جاموس، رئيس «هيئة التفاوض» التي كانت تنشط في المسار الأممي للحل (اللجنة الدستورية)، بزيارة الشرع، قبل نحو أسبوعين، لمناقشة مستقبل هذه الكيانات السياسية المعارضة، في ظل مساعي الشرع لحل جميع الفصائل وتشكيل حكومة موحدة في سوريا.
تتعرّض «الحكومة المؤقتة» لضغوط ميدانية ترتبط بانسحاب مستمر لفصائل كانت تعمل تحت كنفها
وكشف البيان الذي تلى اللقاء، بشكل غير مباشر، عن حالة الضياع التي يعيشها «الائتلاف»، الذي استمع إلى رؤية الشرع لمستقبل الأوضاع في سوريا، بما يشمل الدعوة إلى مؤتمر للحوار، لم يتم تحديد موعد له، من دون الحديث عن مصير «الائتلاف» وحكومته. وسبق هذا اللقاء تأكيد من الشرع، الذي قام بتشكيل حكومة لتسيير الأعمال أوكل وزاراتها لمقرّبين منه في «الهيئة»، رفضه دعوة كيانات سياسية إلى مؤتمر الحوار، وترحيبه بحضور أعضاء هذه الكيانات بصفتهم الشخصية وليس الرسمية، ما يعني إقصاءً متعمّداً لـ«الائتلاف»، ودعوة غير مباشرة إلى حلّه، الأمر الذي يفسر تقديم عدد من أعضائه استقالاتهم.
وفيما لم يعلن «الائتلاف» حل نفسه حتى الآن، لا تزال حكومته تنشط في ريف حلب، بعدما قامت بتسليم المعابر الحدودية مع تركيا إلى الشرع، الذي أصدرت حكومته قراراً بمنع اعتماد أي وثائق تصدر عن تلك الحكومة، والتريث إلى حين البتّ بأمرها، الأمر الذي يمهّد لحلّها أيضاً، وإنهاء أي محاولة لمنافسة الإدارة الجديدة. وفي هذا الإطار، أشارت مصادر سورية معارضة، في حديثها إلى «الأخبار»، إلى أن «تركيا وجّهت رسائل مباشرة إلى أعضاء الائتلاف، والحكومة المؤقتة، بالاستعداد لحلّهما، من دون تقديم أي ضمانات لمستقبلهما، وذلك في ظل الثقة المطلقة التي اكتسبها الشرع من أنقرة، التي تنظر إلى ما جرى في سوريا على أنه انتصار تركي على سلطة الأسد».
وإلى جانب الضغوط التركية، تتعرض «الحكومة المؤقتة» لضغوط ميدانية أخرى ترتبط بانسحاب مستمر لفصائل كانت تعمل تحت كنفها، استعداداً للمرحلة المقبلة التي تقوم فيها وزارة الدفاع في حكومة تسيير الأعمال بعملية هيكلة الفصائل وتشكيل وزارة للدفاع في سوريا. وعلى رغم ذلك، يكشف تمسك «الائتلاف» بتشكيله حتى الآن، ورفض «الحكومة المؤقتة» حلّ نفسها، عن محاولات مستمرة لحصد أكبر قدر من المكاسب قبل الإقدام على هذه الخطوة، التي تبدو، حتى الآن، حتمية، ما لم تتغير الظروف. إذ تظهر مسألة منافسة أو حتى معارضة الشرع ممنوعة، ويضاف إليها التجفيف التركي المستمر لتمويل هذه الكيانات المرهق مالياً، والمتوقع أن يتوقف في أي لحظة، ما يعني عملياً إنهاءً لحكومة «الائتلاف».
والجدير ذكره، هنا، أن «الائتلاف» الذي تسلّم عام 2013 المقعد السوري في «الجامعة العربية» لدورة واحدة، لم ينجح منذ تأسيسه في عام 2012 وحتى الآن، في تحقيق أي هدف من أهدافه، نظراً إلى أنه لم يساهم فعلياً في إسقاط السلطة السابقة، ولم ينجح في مسارات الحل السياسية. كما لم ينجح في خلق حكومة حقيقية قادرة على إدارة منطقة صغيرة في ريف حلب، وبقي أسيراً للدول التي تدعمه، فيما تنكشف عنه، بين وقت وآخر، ملفات فساد مالية عديدة، الأمر الذي أفقده حتى قدرته على استثمار الظهور الإعلامي، ليبقى أمله الوحيد الحصول على مكسب ما من سقوط السلطة السابقة، في انتظار المتغيرات التي قد تحملها الأيام المقبلة.
أخبار سورية الوطن١ الأخبار