في زيارة هي الثانية من نوعها منذ سقوط سلطة الرئيس السابق بشار الأسد، وصل المبعوث الأممي إلى سوريا، غير بيدرسن، إلى العاصمة السورية دمشق، حيث التقى قائد الإدارة السورية الجديدة، أحمد الشرع، ووزير الخارجية في الحكومة السورية المؤقتة، أسعد الشيباني. وتأتي زيارة المبعوث الأممي الذي عبّر عن تفاؤله بمستقبل سوريا بعد سقوط نظام الأسد، هذه المرة، إلى دمشق، بالتزامن مع إعادة إطلاق صندوق «التعافي المبكر» لدعم مشاريع إعادة الإعمار، وذلك إثر تخفيف الولايات المتحدة قيودها المفروضة على سوريا لمدة 6 أشهر، ووسط آمال بأن تلعب دول الخليج العربي دوراً كبيراً في دعم هذا الصندوق، بحسب تصريح مديره آدم عبد المولى.
وفي وقت لم تتسرّب فيه معلومات كافية حول ما دار في اللقاء، تشير زيارة بيدرسن إلى وجود نقاشات حول تفاصيل عديدة بين المنظمة الأممية والسلطة الجديدة، بعضها يتعلق بملف المساعدات الإنسانية، وبعضها الآخر يرتبط بالعملية السياسية وفق قرار الأمم المتحدة 2254، الذي انتقده الشرع بسبب عدد من المواد الواردة فيه، المتعلقة بمشاركة النظام السوري الذي لم يعد موجوداً، وأخرى ترتبط بتصنيف «هيئة تحرير الشام»، التي تدير سوريا حالياً، باعتبارها منظمة إرهابية.
في غضون ذلك، سافر الشيباني إلى سويسرا للمشاركة في «منتدى دافوس الاقتصادي» الذي بدأت فاعلياته أمس، وتستمر حتى 24 كانون الثاني الجاري، ويشارك فيه نحو 3 آلاف شخص، بينهم نحو 350 مسؤولاً من رؤساء ووزراء، لمناقشة «التعاون من أجل العصر الذكي»، وفق الشعار الذي رفعه المنتدى هذا العام. وفي ظل عدم وجود الملف السوري بشكل واضح ضمن أجندة المنتدى، تُعتبر مشاركة الشيباني صورية، وترتبط بالمساعي الأوروبية المتزايدة للانفتاح على سوريا بعد سقوط نظام الأسد، الأمر الذي تحاول بروكسل استثماره لزيادة الضغوط على روسيا في سوريا، ومحاولة الحد من تدفق اللاجئين السوريين، وفتح باب عودتهم إلى بلادهم.
بدورها، أعلنت تركيا، التي تملك اليد الطولى في سوريا، إعادة فتح قنصليتها في حلب، بعد إغلاق استمر لأكثر من 12 عاماً، بمراسم احتفالية كبيرة، تجسّد «النصر» التركي في الحرب السورية، وبشكل خاص في مدينة حلب، المحافظة الأكثر أهمية بالنسبة إلى تركيا في الشمال السوري.
إلى ذلك، وفي لقاء أثار الجدل في الشارع السوري، استقبل الشرع، والدة الصحافي الأميركي أوستن تايس، الذي اختفى في سوريا عام 2012، في إطار زيارة تجريها إلى سوريا بقصد البحث عن ابنها، الذي أنكر نظام الأسد معرفته بمصيره، كما لم يُعثر حتى الآن على أثر له، وسط اتهامات للنظام السابق بالتورط في إخفائه. وأثار اللقاء الذي قامت «وكالة الأنباء السورية» (سانا) بنشر صوره، موجة كبيرة من الانتقادات ضد الشرع، الذي اتهمه سوريون بإهمال قضية السوريين المغيّبين، بعد أن تعرّضت السجون السورية، بما فيها سجن صيدنايا، لعمليات سرقة وتخريب تسببت بإتلاف معظم الوثائق، في حين تُرك السجناء الذين أُطلق سراحهم من دون تقديم أي مساعدات، بعد أن تم استهلاك قصصهم إعلامياً.
أما على صعيد العملية السياسية الداخلية، ومشروع «حل الفصائل»، وما يرافقه من حل مفترض لكيانات سياسية، فلا يزال «الائتلاف» المعارض الذي ينشط من تركيا، والذي وجد نفسه خارج الخريطة السياسية بعد قبض «تحرير الشام» على السلطة، يتمسك بـ«حكومته» (الحكومة المؤقتة) التي تنشط في ريف حلب، برغم الخلافات الكبيرة بينهما في الفترة التي سبقت سقوط نظام الأسد، وسط جدل حول مستقبل هذه الحكومة ومؤسساتها، بما فيها وزارة الدفاع، التي تنضوي تحتها مجموعة من الفصائل، من المفترض أن تحل نفسها. وفي هذا السياق، ذكرت مصادر أهلية أن «الحكومة المؤقتة» لا تزال تتابع نشاطها بشكل منفصل في ريف حلب، كما أنها لا تزال تفرض رسومَ عبور على البضائع التي تمر نحو مناطق سيطرة الإدارة الجديدة، بما فيها إدلب وحلب، في وقت تخلّت فيه عن إدارة المعابر بين سوريا وتركيا، بموجب قرار فرضته الأخيرة.
أمّا على الصعيد الميداني الداخلي، فلا تزال بعض مناطق ريفَي حمص واللاذقية تعاني من عمليات اغتيال واعتقال يومية في إطار ما يُطلق عليه «ملاحقة فلول النظام» تارة، و«أعمال فردية» تارة أخرى. ويتسبب ذلك بتعميق الاحتقان في بعض المناطق ذات الغالبية العلوية، والتي تجد نفسها تحت تهديدات مستمرة في ظل وجود مسلحين متشددين في صفوف «الهيئة» يرفعون شعارات تنادي بقتل أبنائها، الأمر الذي يحاول بعض الوجهاء احتواءه خوفاً من الانزلاق نحو حرب أهلية في سوريا. وأظهرت تسجيلات مصوّرة مشاركة واسعة لمقاتلين متشددين في تظاهرة خرجت في حمص، نادوا خلالها بإقامة «دولة إسلامية»، في وقت تتعرض فيه مناطق الريف المحاذي للبنان لهجمات مستمرة من قبل مسلحي «الهيئة»، وبحجة التفتيش عن الأسلحة، تم خلالها اعتقال عشرات المواطنين واقتيادهم إلى جهة مجهولة.
كذلك، شهدت القصير ومحيطها اشتباكات سمع صداها في المنطقة، استُعملت فيها أسلحة متوسطة وثقيلة، وذكرت مصادر أهلية أنها مرتبطة بالتعديات الأخيرة على الأهالي لأسباب طائفية، في وقت تناقلت فيه وسائل إعلام مرتبطة بالإدارة السورية الجديدة أنباء تربط هذه الاشتباكات بعمليات اقتتال متعلقة بالتهريب، الأمر الذي لم تؤكده أو تنفِه مصادر مستقلة، في ظل التعتيم الإعلامي المفروض على نشاطات «الهيئة» وأجهزتها الأمنية. أما في ريف حمص الشمالي، فقد ذكرت مصادر أهلية أن فصائل تابعة لـ«الهيئة» قامت بطرد عائلات من بعض القرى، منها الحازمية والأشرفية، والكاظمية، حيث تم الاستيلاء على منازل العائلات، وتسليمها لعائلات مرتبطة بالفصائل، وسط تحذيرات من عملية تغيير ديموغرافي قائمة في المنطقة.
أخبار سورية الوطن١ الاخبار