علا مفيد محمد:
لعلّ الغالبية منا يعلم أن الطفل أو الابن الوحيد يحظى بمزيد من الرعاية والاهتمام والخوف الزائد عليه، ما يجعل بعض المحيطين به يراهن على أنه طفل أناني مدلل واتكالي.
بدايةً، يجب أن لا نعمم أو نجزم بوجوب هكذا صفات نفسية للطفل الوحيد، ربّما في بعض الحالات يكون الأمر صحيحاً ولكن في حالات أخرى نجد من لديهم بنية دماغية مختلفة أثبتوا أنهم أكثر نجاحاً وذكاءً مقارنة بذوي الأخوة والأخوات.
هذا التناقض بين الحالتين يعود إلى تربية الأهل ورعايتهم ومدى ذكائهم وقدرتهم في بناء شخصية طفلهم.
فعندما يُهمل الأهل على سبيل المثال لا الحصر قواعد التربية السليمة تظهر الصفات السلبية في الطفل سواء كان طفلاً وحيداً أم بين عدد من الأ شقاء.
وفي هذا السياق قد تواجه بعض الأسر والعائلات المخاوف من ارتباط بناتهن بوحيد أمه، فكثيرة هي شهادات النساء اللواتي خُضن تجربة الزواج من الابن الوحيد وانتهت قصصهن بخيبات ومآسٍ مختلفة، كما هو حال إحدى السيدات التي روتْ معاناتها مع زوجها الوحيد لأمه فتقول: تزوجت وأنا في مقتبل العمر من شاب كان وحيداً لأهله، لمْ أُعرِ الأمر اهتماماً في البداية، فقبلت ومذْ أن وطأت قدماي بيت الزوجية بدأت معاناتي..
فقد اكتشفت أن زوجي غير مُعتاد على القيام بالأعمال التي بديهياً يقوم بها أي شاب إن كان في منزل والديه أو منزله الخاص والسبب في ذلك أن والدته كانت تُعفيه من تلك الأعمال وتقوم بها بنفسها، وتقدّم له كل ما يتمناه لاعتقادها بأن هذا ما سوف يجعله مرتبطاً بها أشد الارتباط لتكون النتيجة شخصية سلبية اتكالية سهلة الإحباط والغضب عند مواجهة أي مسؤولية أو التعرّض لأي مشكلة حياتية.
واصفة إياه بأنه زوجٌ مدلل يتأفف أمام أي عمل ويأمر وينهي فضلاً عن نرجسيته المفرطة وحسّ الأنا العالي لديه، عدا عن محاولاته التي لا تتوقف لتصغيري عند رؤيته لأي عمل أنجح فيه مهما كان صغيراً، واستمرار والدته في الحديث عنه وكأنه معجزة آخر هذا الزمان من فرط حبها له إلى أن انتهت الأمور بطلبي الانفصال وعودة ولدها إلى حصون حضنها.
وفي حالة مختلفة تماماً وفي نفس السياق تروي سيدة أخرى واقعها الاجتماعي بقولها: لقد تزوجت شاباً وحيداً لأمه، والأب متوف، كان رجلاً بمعنى الكلمة يعمل ليلاً نهاراً رافضاً أن ينقًص أمه وزوجته وبيته أياً من الاحتياجات اللازمة، فقد تربى على تحمل المسؤولية وأهمية العمل.
هذا الشاب «الزوج» لطيف الخُلق ودود النفس إلا أن الأمور بدأت تتعقّد عندما أخذت والدته تتدخل في كل صغيرة وكبيرة فيما بعد إلى أن افتقدنا للخصوصية، عدا عن افتعالها المشاكل وخاصةً عندما رُزقنا بالمولود الأول، الأمر الذي جعلها تشعر أو تظن أن ولدها ما عاد يهتم بها كالسابق، وأنني حسب اعتقادها خطفت منها كل ما تملك، وانتهى الحال بأن قام زوجي باستدراك هذه المشكلة بمنح أمه اهتماماً أكبر مع تعاوني معه لتشعر بالطمأنينة وراحة البال وأننا جميعاً بجانبها، وبذلك كان الخلاص حيث تحوّلت تلك الأم المتسلطة اللحوحة إلى جدة رائعة وكما يقول المثل ( أعز من الولد ولد الولد)
هذه التجارب وغيرها تقودنا إلى القول بعدم وجود صفات معلبة للطفل الوحيد.
تحمل بعض المسؤولية
من جانبه يشير الدكتور مازن الخليل اختصاصي الأمراض النفسية عند الأطفال، على أنه من الضروري أن نكون حاضرين لتلبية حاجات أولادنا ولكن من المهم أيضاً أن نشجع أولادنا على القيام ببعض الأمور وحدهم وأن نمنحهم الفرصة لتحمل بعض المسؤوليات وجعلهم يواجهون تحدّيات حقيقية لإعطاء الطفل فكرة مؤكدة عن قوته وقدرته ودعم هذه الفكرة عبر مجموعة انتصارات يحققها بمفرده دون مساعدة خارجية.
أما عن علاقة الابن الوحيد بأمه وأثرها على حياته الزوجية فقد قدم أساتذة الطب النفسي تشخيصاً نفسياً لذلك بالقول: إن عاطفة الأم تكون مركزة على هذا الابن فهو يحتل منزلة خاصة عندها حتى أنها تشعر بأنه ملكٌ لها لذا تأتيها صدمة عندما تدرك بأن هناك من سيشاركها في هذا المُلك، فيتولد لديها إحساس بالغيرة الشديدة قد يحولها إلى امرأة مسيطرة تسعى إلى فرض إرادتها على حياته حتى تبقى كما عودته عليها.
لذلك يتوجب على الآباء والأمهات أن يصنعوا من أطفالهم أعمدة لا تنحني، وإن كانت مراحل التنشئة و التربية مُتعبة ومرهقة لكن ثمارها حلوة الطعم والنكهة بما يفيد قادم الأيام.