آخر الأخبار
الرئيسية » كلمة حرة » الاختلاف في الرأي يفسد للودّ قضية..!

الاختلاف في الرأي يفسد للودّ قضية..!

 

 

وصفي ابو فخر

 

غالبا ما نردّد أنّ “الاختلاف في الرأي لا يفسد للودّ قضية” وتعود هذه المقولة الى أحمد لطفي السيد المولود عام ١٨٧٢م والذي تخرّج من كليّة الحقوق عام ١٨٨٩م المتأثر بالإمام محمد عبده وكذلك جمال الدين الافغاني (بعد ملازمته له في استنبول) وبقراءته لكتب ارسطو التي ترجم بعضها للعربية …

تقلّد السيد عدّة مناصب حكومية في مصر و عرض عليه الضباط الاحرار في ثورة ٢٣ يوليو ١٩٥٢م ان يصبح رئيسا لمصر لكنه رفض … عرف بتبنّيه للمفهوم الليبرالي للحرية في أوروبا وله مساهمات ومواقع جامعية واكاديميّة لا تحصى… توفيّ في القاهرة عام ١٩٦٣م .

الاختلاف موجود منذ أن خلق الله سبحانه سيدنا آدم حتى يومنا هذا ومن المؤكد أنّنا متفقون على مبدأ الاختلاف وهو سنّة كونيّة من سنن المولى وحالة صحية “لولا اختلاف الاذواق لبارت السلع” .

الاختلاف في الرؤى جزء طبيعي من التفاعل البشري بما له من مساهمة في توسيع رقعة آفاق التفكير عند البشر شريطة سواد روح التسامح مع وجهات النظر المتناقضة والاحترام وحسن الاستماع وضرورة البحث عن نقاط مشتركة لتحفيف التوتّر وبناء الفهم المشترك وتجنب الانجرار نحو العداء الشخصي او الإساءة اللفظية وصولا لاستمرار الود والعلاقة الطيبة لإرساء دعائم مجتمع متناغم…

وهكذا لا ينبغي للتباين وعدم التوافق في وجهات النظر ان يؤثر على العلاقة الطيبة بين البشر وتباعا على حسن المعاملة, وهنا يتساءل الامام الشافعي “ألّا يستقيم أن نكون إخوانا وإن لم نتفق في مسألة؟” ويرى غاندي أنّ ” الاختلاف في الرأي يجب الا يؤدي للعداء والّا كنت انا وزوجتي من ألدّ الأعداء ” .

ويذهب بعض السلف (خلافا لما يشاع عن نسبة ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم) ان “الاختلاف ابتلاء وامتحان, والرحمة في الجماعة والاتفاق, ولكن الله سبحانه يبتلي عباده بخلاف حتى يتبيّن الراغب بالحق والحريص على التفقّه في الدين ومعرفة الدليل” .

الاختلاف لا يعتبر تخلّفا او رجعيّة وانما الخلاف بسبب الاختلاف هو التخلف والرجعية وعليه يجب توسيع ثقافة الحوار وتقبل الرأي الاخر وهنا لا بد من الإشارة الى حوار الحضارات (بأشكاله الدينية والسياسية والاقتصادية) الذي يؤدّي الى تخفيف التوتّر بين الشعوب في حوار على مستوى الثقافة بعيدا عن السياسة ومشاكلها والاقتصاد وهمومه فالثقافة “توحّد الشعوب والسياسة تفرّقها”… ومن أعلام حوار الحضارات نذكر الرئيس الإيراني الأسبق محمد خاتمي الذي ذهب الى انه ليس للحوار حدود وفي حال تغيّبه سيسقط الجميع في غياهب الحروب والاستعمار والهيمنة … وكذلك المفكر الفرنسي روجيه غارودي الذي بيّن أنّ “الحوار بين الحضارات وحده يمكن ان يولّد مشروعا كونيّا يتسع ابتغاء ان يخترع الجميع المستقبل للجميع”

ولا أدلّ على كل ما سبق إلا ما جاء في الذكر الحكيم

“يا أيّها الناس انا خلقناكم من ذكر وانثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إنّ اكرمكم عند الله اتقاكم…”

من حقنا الآن ان نتساءل عن مفهوم الإختلاف في الرأي لدينا وهل هو حقا ” لا يفسد للود قضية ” …؟

تبيّن واقعيا أن ذلك عار عن الصحة ( ولو بشكل غير مطلق) ومثال ذلك انقطاع علاقتنا ببعضنا البعض نتيجة لاختلافاتنا وحالات “الحظر” التي نلجأ اليها بوسائل تواصلنا الافتراضية المختلفة ( مع التحفّظ على حالات الحظر الخاصة ) وكذلك خلاف المتابعين للشأن الرياضي تبعا لتخصّصاتهم واهتماماتهم واصطفافاتهم وأيضا برامجنا الحوارية التي تنتهي أحيانا بالمشادات الكلامية او العراك بالأيدي أحيانا أخرى .

وقد تعود الظاهرة أعلاه لعوامل مختلفة أهمها التربية والنظام التعليمي والثقافة السائدة بأصولها الدينية والاجتماعية والسياسية (كنظام الحكم مثلا الذي يقوم على القمع والرأي الواحد وغياب المشاركة بأنواعها رغم تغنّينا بفضائل ممارستها) فمن الظاهر اننا نفسد كل القضايا بالصراع والتجنّي والإساءة اللفظية و… فمجتمعاتنا مليئة بالنرجسيين الذين سيطر عليهم “الانا الأعلى” واقصاء “الهو” فهل افكارنا لعبة ملاكمة على حلبة صراع ؟.

 

 

ورغم وجود العديد من الآيات المليئة بالكلمات التي تخاطب العقل “افلا يتدبرون” و “افلا تعقلون” التي تحثّ على إعمال العقل وعدم التعصّب فمن الصعوبة بمكان ان نتقبل حكم العقل من اجل وحدة الوطن او الحفاظ على حبل الود مع الاخرين.

وباختصار, وبمزيد من الحسرة على منظومتنا الفكرية

(وسلوكنا أحيانا) ودون التعرّض للخطاب الطائفي والاقصائي الذي نشهد ويلاته بكثرة في الآونة الأخيرة فان مبدأ “رابح-رابح” لا محل لوجوده واقعيّا بيننا فالسائد حاليا أنّ “من ليس معنا فهو ضدنا”.

وهكذا كفانا الاختباء وراء أصابعنا, فالاختلاف في الرأي لدينا يفسد للودّ قضية!!!

 

(موقع أخبار سوريا الوطن-١)

x

‎قد يُعجبك أيضاً

عن العدالة الانتقالية 

    د.أحمد غزيل     نصت المادة 49 من الاعلان الدستوري على تشكيل هيئة لتحقيق العدالة الانتقالية لمعاقبة المجرمين وانصاف الضحايا .   ان ...