آخر الأخبار
الرئيسية » كتاب وآراء » الاستئناس الحزبيّ مسؤوليةً وطنيةً وممارسةٌ ديموقراطيةٌ.

الاستئناس الحزبيّ مسؤوليةً وطنيةً وممارسةٌ ديموقراطيةٌ.

*د.سومر صالح
 تُعدّ عملية الاستئناس الحزبي الذي يجري راهناً، من أهمّ المحطات التاريخية في سيرورة الحزب النضالية، ولا نبالغ إذا قلنا أنّها من أبرز الأحداث التي لا تقلّ أهميةً عن مخرجات المؤتمر القوميّ السادس 1963، من جهة التركيز على التوازن بين متطلبات المركزية والديموقراطية، في سبيل الحفاظ على مرونة الحزب ووحدة صفوفه، وتطبيقاً لمبدأ القيادة الجماعية، ولأنّ المؤتمر القوميّ السادس كان استثنائياً في طرحه من الناحية الأخلاقية السياسية، دائماً ما نعود الى مقرراته، باعتبارها بوصلةً وطنيةً قوميةً أخلاقيةً في تعاطي الحزب مع قيادة الدولة، ككيانٍ حزبيٍّ واحدٍ وأفرادٍ (مسؤولين)، حيث دعا المؤتمر أعضاء الحزب إلى أن يحصروا همومهم بمسؤولياتهم فقط، مشدّداً على أنّ حقوقهم هي الحقوق نفسها التي يتمتّع بها أيّ مواطنٍ بلا أدنى زيادةٍ أو امتياز، مؤكداً على أنّ للجماهير الشعبية اللاحزبية حقّ انتقاد الحزب وحقّ المراقبة على  أعضائه،  مشدداً على ضرورة الانتباه إلى صفات المنتسبين للحزب وأخلاقيتهم.
اليوم تجري عملية الاستئناس الحزبيّ بروح المؤتمر القومي السادس للحزب، أعطاها زخماً المكاشفة التاريخية للرفيق الأمين العام للحزب الدكتور بشار الأسد، التي تُعدّ مضامينها بوصلةً تشير إلى الأهداف الحقيقية للحزب من عملية الاستئناس، والتي تتلخص بكسر حالة الركود الحزبيّ على المستويين التنظيميّ والفكريّ واستعادة الحيوية الحزبية لمسيرته النضالية، واستعادة الصورة المثلى للحزب في الوعيّ الجمعيّ السّوري،
وجعل الجميع يتحمل المسؤولية الوطنية والحزبية سيما الكوادر الكفوءة، بعدما أدت أخطاءٌ فرديةٌ في ممارسات بعض المسؤولين الحزبيين إلى عرقلة مسيرة الحزب من الناحية الديموقراطية، من هنا تأتي أهمية كلمة الرفيق الأمين العام للحزب، في الإشارة إلى الخطأ والمكاشفة مع القواعد البعثية، ولأنّ الهدف الرئيس في عملية الاستئناس كما حدده الرفيق الأمين العام للحزب هو حفظ المؤسسة الحزبية وتطويرها وتقويها، من خلال توسيع مشاركة القواعد الحزبية في اختيار ممثليهم لمجلس الشعب، تأتي أهمية عمليات الاستئناس الحزبيّ الحاليّ في اختيار الحزب لممثليه في مجلس الشعب، في لحظةٍ تاريخيةٍ صعبةٍ يمرّ بها الوطن، من حربٍ إرهابية وحصارٍ اقتصاديّ، وحملاتٍ نفسيةٍ عبر وسائل الإعلام وشبكات التواصل، تهدف إلى ضرب الوطن أولاً والمجتمع ثانياً، عبر سلاحيّ الإرهاب والحصار، لذلك عملية الاستنئناس الحزبيّ ليست مجرد عمليةٍ تنظيميةٍ داخليةٍ تنتهي بانتهاء المهمة باختيار كوادر بعثيةً لدخول انتخابات مجلس الشعب في تموز القادم، بل هيّ روحٌ جديدةٌ في مسيرة الحزب سيبنى على مخرجاتها سياساتٌ وإجراءاتٌ مهمة، باعتبارها جزءً من آلية القيادة الحزبية لمؤسسات الدولة، فنجاح التجربة يعني شيء، وعدم نجاحها يعني شيءً آخر، و لا يخفى على أحد حالة الجدل الكبير والانتقاد التي كانت تسود الأوساط الحزبية والشعبية من مفهوم “ثقة القيادة”، وكيف تمنح ولمن تمنح، وما هيّ معاييرها، وتعلق عليها أخطاء بعض السياسات والممارسات الإدارية والتنظيمية، أمّا اليوم، نخرج من هذا الجدل إلى جدلٍ آخر، فالقيادة لن تمنح الثقة إلّا لمن منحه الجهاز الحزبي الثقة، والمعايير واضحةٌ في تعاميم القيادة المركزية إلى الجهاز الحزبيّ السابقة للجهاز الحزبيّ في عملية الاستئناس، سيما بعدم توجيه قيادات الفروع لصالح أحد، وعلى رأس هذه التوجيهات الكلمة التوجيهية للرفيق الأمين العام للحزب والذي تحدث صراحةً “ولا يكونَّن في حسبان أيّ أحد أيّ اعتباراتٍ غير الاعتبارات الوطنية.. اختاروا بعيداً عن أيّ ولاءات ضيقة، واعتباراتٍ غير موضوعية، وعصبياتٍ لا تنتمي لعقيدة الحزب الوطنية والقومية”…
راهناً وبعد مضي عدّة عمليات استئناسٍ في عدّة فروعٍ يعود الجدل مجدداً، هل كانت النتائج مرضيةً؟ أم لا؟، وتتراوح الآراء بين إيجابٍ في بعض الفروع وغير مرضيةٍ في أخرى، لينقلب الجدل الذي كان يحمّل أخطاء الاختيار للقيادات، إلى جدلٍ يطرح تساؤلاتٍ عن تحمل كلّ بعثيٍّ مسؤولية نتائج الاستئناس، ورغم أنّ البعض يحيله إلى تدخلٍ من قياداتٍ فرعيةٍ في دعم بعض الشخصيات بخلاف التوجيهات المركزية، والبعض الآخر يعزو الأمر إلى القوة المالية لبعض المرشحين، والبعض إلى وجود تكتلاتٍ ضمن عمليات الاستئناس..و و و، ولكن كلّ ما سبق، لا يلغي حقيقةً مهمةً وواضحةً أنّ من اختار هم الجهاز الحزبيّ في كلّ محافظة، والتعاميم كانت واضحةً لجهة تساوي الجميع في الحظوظ والدعم من القيادات الفرعية ، وكلمة الرفيق الأمين العام للحزب كانت واضحةً في جعل الاعتبارات الوطنية هيّ الوحيدة التي تحدد الاختيار، ولذلك يتحمل الجهاز الحزبي كاملاً في كلّ فرعٍ مسؤولية ما اختار، والمسؤولية هيّ أمام ثلاث جهات، القيادة المركزية، والجهاز البعثي كاملاً (قيادات وأعضاء)، وثالثاً وهو لايقلّ أهمية الجماهير غير الحزبية، التي خصّ المؤتمر القومي السادس لها أهميةً خاصة، فالحزب هو طليعة الجماهير، لذلك قلنا أنّ الاستئناس ليس مرحلةً تنظيميةً مؤقتةً بل هيّ روحٌ جديدة لمسيرة الحزب في التعاطي مع الدولة والمجتمع كاملاً…، وحتى نكون موضوعيين في كلامنا، لا تخلو أيّ عمليةٍ ديموقراطيةٍ من سلبياتٍ في الممارسة والأداء، والحزب جزءٌ مهمٌ وكبيرٌ ووزازنٌ من هذا المجتمع، الذي عانى ويلات الإرهاب والحرب والحصار، بهدف ضرب المشروع القوميّ العربيّ الذي بقيت دمشق نواته الوحيدة والصامدة، وخضع لعملياتٍ نفسيةٍ ممنهجةٍ تهدف ضرب وحدته الوطنية، وتماسكه الاجتماعيّ.
 لذلك، أهمّ ما في الاستئناس أمرين أساسيين، لا اعتبارات في الاختيار إلّا الوطنية منها، والديموقراطية هيّ مسؤوليةٌ وطنيةٌ قبل أن تكون حريةً مطلقةً في الاختيار، ولأنّ الديموقراطية تصحح أخطائها، نأمل أن تكون تجربة الاستئناس الحزبيّ نموذجٌ يعمم، بعد أن يقوم الحزب ممثلاً بقيادته المركزية بمراجعة التجربة وتقويمها، وتحديد أوجه القصور وربما الثغرات التي اعترت العملية الانتخابية، سواءٌ من ناحية المعايير أم الطريقة الإجرائية، ليصار إلى معالجتها، فالتجربة رائدةٌ، والمسؤولية جماعيةٌ، فكلّ بعثيٍّ كان مسؤولاً عما اختاره، لذلك نأمل أن يشكل استئناس 2020 إضافةً مهمة إلى مبدأ القيادة الجماعية المقرّ بالعام 1963 لتصبح القيادة والمسؤولية جماعيةً، والجميع يتحمل المسؤولية، فالقادم من الأيام وما تحمله من تحدياتٍ جسّام يحتّم الرقي بالمسؤولية إلى هرم الوطنية الأعلى وهو الولاء المطلق للوطن والقائد والجيش العربي السوريّ، سواءٌ في الاختيار أو التمثيل، ولا عذر لأحدٍ بانتماءٍ ضيقٍ أو منفعةٍ شخصية وحتى صداقةٍ قريبة، أومكسبٍ آنيّ..فالجميع مستهدفٌ، وطوق النجاة جماعيّ وليس فردياً، عنوانه الوطن أولاً، والوطنية ممارسةً، عبر تأكيد مبادئ السيادة الوطنية والشرعية الدستورية والمواطنة أسلوباً.
(سيرياهوم نيوز-الصفحة الشخصية21-6-2020)
x

‎قد يُعجبك أيضاً

هل حان دور سورية في حرب التدمير والابادة؟

  ميخائيل عوض تزداد مناسيب القلق على سورية ومستقبلها وتكثر التسريبات والتحليلات عن خطط اجتياحها. فاين تذهب الامور؟ وما هي المعطيات؟ نتنياهو اعلن حربا وجودية ...