في الوقت الذي تعود فيه الأنظار نحو سوريا كوجهة استثمارية محتملة، تتزاحم التحديات والفرص على طاولة القرار الاقتصادي. ومع الحديث عن تدفق رأس المال السعودي بقيمة تقدر بـ6.4 مليارات دولار، تطرح تساؤلات جوهرية، هل توجه هذه الأموال نحو ما تحتاجه البلاد حقاً أم تترك لرغبة المستثمر؟ بين الحاجة إلى تحفيز الزراعة والصناعة، ومتطلبات خلق بيئة جاذبة للاستثمار، تقف الحكومة السورية أمام اختبار مصيري، كيف توجه الاستثمار بما يخدم الاقتصاد الوطني ويعيد الأمل لـ 16 مليون سوري مهددين بانعدام الأمن الغذائي؟
بين واقع الحاجة واستراتيجيات التوجيه
مع بروز مؤشرات على نية الشركات السعودية وغيرها من الشركات، في ضخ استثمارات كبيرة في السوق السورية، تتجه الأنظار إلى كيفية تعامل الحكومة السورية مع هذا التوجه، وسط تحديات اقتصادية واجتماعية خانقة ووفقاً للدكتور علي عيسى دكتوراه في العلوم الاقتصادية، مدير الجامعة الأوروبية في بريطانيا بنظام العمل عن بعد، فإن الاستثمار الحقيقي يجب أن ينطلق من مفهوم “خلق القيمة المضافة”، وليس مجرد البحث عن الأرباح السريعة.
وفي تصريحه لصحيفتنا “الحرية” قال: نحن نبحث عن رؤوس أموال تعيد استثمار الموارد السورية، لا تلك التي تدخل فقط في قطاعات ربحية سريعة كمجال الاتصالات والعقارات.
وأكد عيسى أن الأولوية يجب أن تكون للاستثمارات الزراعية باعتبارها قاطرة النمو الاقتصادي.
وبيّن في ظل أزمة غذائية تهدد أكثر من 16 مليون سوري، بحسب تقارير الأمم المتحدة ومنظمة الفاو، يجب ضخ الاستثمارات في الزراعة والصناعات التحويلية المرتبطة بها هو الخيار الأجدى، لتحفيز الإنتاج المحلي وتوسيع قاعدة الاستهلاك، بما يعيد تنشيط الاقتصاد السوري بشكل شامل ومستدام.
معوقات الاستثمار في سوريا
ورأى أن معوقات الاستثمار في سوريا متعددة، وتتراوح بين عوامل سياسية واقتصادية وتشريعية، إذ لا يمكن جذب الاستثمارات دون وجود استقرار سياسي وأمني، يضمن حرية الحركة للمستثمر والمستهلك على حد سواء، كما يشكل عدم استقرار سعر صرف الليرة عائقاً كبيراً، حيث يوجد بيئة محفوفة بالمخاطر، ويجعل المستثمر متردداً في ضخ أمواله داخل السوق السوري.
انخراطاً حكومياً
وأشار إلى أن من أبرز التحديات الأخرى، العقوبات المالية المفروضة التي تقيد النظام المصرفي السوري ضمن نظام “سويفت”، وتمنع حرية تدفق الأموال، وهو ما يتطلب انخراطاً حكومياً فعالاً مع المجتمع الدولي في محاولة لتخفيف القيود وتهيئة الظروف أمام استثمارات حقيقية.
نحو خريطة استثمارية وطنية
شدد عيسى على أهمية تبني خريطة استثمارية وطنية تشمل كامل الرقعة الجغرافية السورية، بما يسمح بالاستفادة من الميزات النسبية في كل محافظة، من الزراعات في الساحل وسهل الغاب، إلى القمح والقطن في الشرق، والفوسفات والنفط في حمص، وصولاً إلى الصناعات الغذائية والتحويلية في الشمال.
وبحسب رأي د. علي تبرز أهمية الاستثمار بالبنية التحتية، ولا سيما في شبكات النقل والمواصلات، في تسهيل حركة السلع ورؤوس الأموال، ودفع عجلة الاستثمار المتكامل.
واقترح أيضاً توجيه الاستيراد نحو المواد نصف المصنعة والآلات الصناعية، مع فرض قيود على الكماليات والسلع الاستهلاكية التي تستنزف القطع الأجنبي.
تشريعات محفزة لا معطلة
ودعا عيسى إلى توفير حزمة من التشريعات الحديثة التي تسهل الدخول في السوق السوري، وتقدم إعفاءات ضريبية لقطاعات محددة مثل الزراعة والصناعات الثقيلة، مقابل فرض قيود على الاستثمارات الربحية السريعة، مضيفاً: على الحكومة أن تمارس دوراً فاعلاً في توجيه رأس المال الخارجي بما يخدم مصلحة الاقتصاد الوطني لا مصلحة المستثمر فقط.
استثمار في الإنسان قبل الموارد
وذكر عيسى بأن الاستثمار الحقيقي يبدأ من رأس المال البشري، مشيراً إلى التجربة اليابانية التي بنت اقتصاداً عالمياً دون موارد طبيعية، بالاعتماد على التعليم والتأهيل والتكنولوجيا. ويشدد على أن سوريا تمتلك طاقات بشرية كبيرة يمكن أن تكون رافعة لأي مشروع تنموي إذا أُحسن استثمارها.
ولفت إلى أنه رغم تدفق رأس المال الخارجي الذي يمثل فرصة، إلا أن استثماره بطريقة عشوائية قد يكرس الأزمات بدلاً من حلها، المطلوب اليوم هو دور حكومي تخطيطي صارم، يوازن بين جذب المستثمر وحماية الاقتصاد الوطني، من خلال التشريعات، التوجيه، والبنية التحتية، مع إعطاء الأولوية لقطاعات الإنتاج الحقيقي، فقط عندها يمكن الحديث عن استثمار يصنع الفارق، ويقود سوريا إلى مستقبل اقتصادي أكثر استقراراً وعدالة.
اخبار سورية الوطن 2_وكالات _الحرية