آخر الأخبار
الرئيسية » كتاب وآراء » الاستعصاء السياسي وحروب الضرورة

الاستعصاء السياسي وحروب الضرورة

أحمد الدرزي

 

لم تتوقّف ساحات المواجهة في سوريا وأوكرانيا فقط، بل أخذت بعداً جديداً نحو القارة الأفريقية، خاصةً بعد الانقلاب العسكريّ في النيجر.

 

تتابع العمليات التي استهدفت الجيش السوري، في جبال اللاذقية وفي المناطق الشرقية من سوريا، بالترافق مع حادثة الكحالة شرق بيروت، لتؤكّد أن القرار الأميركي بالعودة إلى سوريا، والعمل على قطع الطريق البري بين العراق وسوريا، أصبح ضرورة قصوى في الاستراتيجية الأميركية، في إطار المواجهة مع روسيا وإيران في سوريا.

 

أفرزت نتائج الهجوم الأوكراني المضاد أعباء جديدة على الولايات المتحدة، التي تشهد تراجعاً في موقعها العالمي، رغم أنها ما زالت القوة الأكبر في العالم، فعدد المتمرّدين عليها يزداد باطراد، كتعبير عن عدم قدرتها على ضبط إيقاع السياسات العالمية، وهي تعتبر أن حياد الدول في حربها مع روسيا في أوكرانيا، بمثابة اصطفاف مع روسيا والصين، وهي الدول الأغلبية من حيث العدد، فكيف هو وضع الدول التي أعلنت اصطفافها المباشر مع خصومها وأعدائها الآسيويين.

 

لم تتوقّف ساحات المواجهة في سوريا وأوكرانيا فقط، بل أخذت بعداً جديداً نحو القارة الأفريقية، خاصةً بعد الانقلاب العسكري في النيجر، الذي أطاح بالرئيس محمد بازوم، المنتمي من الناحية العملية للتيار السياسي الموالي للسياسات الفرنسية، الذي صنَّعته قبل وبعد استقلال النيجر، لاستمرار الهيمنة الفرنسية على الموارد النووية، من دون ضوابط للاتفاق والأسعار وحجم الإنتاج وحصة أهل النيجر منها.

 

كان الاهتمام الغربي الكبير بانقلاب النيجر واضحاً بشدة، كتعبير عن حجم المأزق الكبير، بافتتاح جبهة ساخنة جديدة، والانتقال نحو محاصرة دول الاتحاد الأوروبي، التي لا تمتلك من قرارها شيئاً إزاء الصراع الدولي، بعد سيطرة الإدارات الأميركية المتلاحقة على القرار السياسي الأوروبي، في إثر انتهاء الحرب العالمية الثانية، وخاصةً فرنسا التي خسرت من الموارد ما قيمته بين 300 و500 مليار دولار سنوياً، عدا عن ألمانيا، التي يوجد من قواتها 1000 عنصر في القارة الأفريقية.

 

يسيطر الاستعصاء السياسي على منطقة غرب آسيا، ابتداءً من اليمن، بعد أن خاض تجربة المفاوضات مع المملكة العربية السعودية، للوصول إلى اتفاق سلام يؤدي للاعتراف بواقع اليمن، وإيقاف الحرب بشكل نهائي، والذهاب نحو حل سياسي. لكنه اكتشف بعد 5 أشهر من المفاوضات المباشرة، بأن ذلك لم يكن سوى انتقال من خطة الحرب العسكرية الخشنة، إلى أساليب الحرب الاقتصادية الناعمة، المعتمِدة على استمرار الحصار، وبقاء العقوبات.

 

مما دفع بالسيد عبد الملك الحوثي لإطلاق تهديده الواضح للسعودية “إذا لم تلتزم السعودية بما تعهّدت به سنكون أمام موجة تصعيد من جديد، وسيكون هناك استهداف للعمق السعودي”، إضافة إلى توصيف القادة اليمنيين للتحرّكات البحرية الأميركية، في منطقة باب المندب والبحر الأحمر، واستعدادهم لتوجيه ضربات مباشرة لهم.

 

وفي فلسطين المحتلة، تعيش “إسرائيل” مأزقاً داخلياً مهدّداً بتفكيكها من الداخل، في إثر الاستقطاب الحاد بين التيار اليهودي الأصولي، والتيار اليهودي العلماني، مهدّداً بنشوب حرب أهلية، مع ارتفاع مستوى الهجرة منها إلى الولايات المتحدة وأوروبا، وتعبير 33% من الإسرائيليين عن استعدادهم للهجرة إلى الخارج، وفي محيطها وداخلها تتنامى القوى المهدّدة والمترابطة عسكرياً فيما بينها، في غزة والضفة الغربية ولبنان وسوريا والعراق واليمن، مع ازدياد قوة إيران العسكرية والتكنولوجية، وبدء إقرار الأميركيين بواقع الملف النووي، المنفصل عن بقية الملفات المتشابكة، بالمفاوضات المستمرة بين الطرفين.

 

وهنا تجد “إسرائيل” نفسها بمأزق متنامٍ، ففي تأجيلها للحرب كل يوم، بمثابة المزيد من التآكل الداخلي من جهة، والمزيد من تنامي القوة العسكرية لمحور كامل، والمزيد من الاستعدادات لخوض حرب، لم يعد بحوزتهم القدرة على الانتصار فيها، منذ حرب تموز 2006، وما تلاها من حروب مع غزة.

 

وفي سوريا حيث تُخاض الصراعات الدولية بشتى أنواع الحروب العسكرية والاقتصادية والاجتماعية السكانية، لينتقل إليها من جديد مأزق استعصاء الحل السياسي بين الغرب والشرق، إضافة إلى المأزق الداخلي، وانسداد آفاق التغيير الاقتصادي والسياسي والسكاني، للقوى السورية المتناقضة فيما بينها، والمستعدة لخوض معارك فاصلة، بما يتوافق مع اصطفافها السياسي، تبعاً للدول التي تقودها وتدعمها، وقد يكون الاستثناء الوحيد هو الحرص الشديد لقوات قسد والجيش السوري، على عدم الذهاب نحو الصدام العسكري المباشر بينهما.

 

ولا يتوقّف الأمر على السوريين الذين هم جزء من الصراعات الإقليمية والدولية، بل يذهب نحو إمكانية الصدام الأميركي مع إيران وروسيا وسوريا في مناطق شرق الفرات وبعدها في التنف، على الرغم من الانفراج المحدود في العلاقات الأميركية – الإيرانية، في إثر الاتفاق على إطلاق السجناء المعتقلين في البلدين، وتحرير 6 مليارات دولار في المصارف الكورية، ولكن ذلك لم يوقف هجمات المقاومة الشعبية على القواعد الأميركية في كونيكو والشدادي، وغيرها من المواقع، كردّ على العمليات العسكرية لـ “داعش” في المنطقة الشرقية، التي تقف خلفها الولايات المتحدة.

 

والأمر لا يتوقّف على المواجهة مع الولايات المتحدة، فالعامل الإسرائيلي حاضر بقوة في الداخل السوري، اعتماداً على الهجمات المتكرّرة على الجيش السوري، المتهم بالعمل على استعادة قدراته العسكرية بشكل متسارع، بالتعاون مع إيران، مما زاد من قلقها، والاستمرار بالاعتداءات على البنى العسكرية المتجدّدة، والأمر لا يخلو من الرسائل السياسية، التي تؤكد منع سوريا من استعادة تعافيها، مما يدفع سوريا وإيران إلى المزيد من التفكير بالحرب الضرورة، مع “إسرائيل” لتغيير البيئة الإقليمية والدولية الضاغطة بشدة، لإحداث تغيير سياسي داخلي، فإن ذلك سيدفع بالدول العربية وتركيا والولايات المتحدة، للتعاطي مع الملف السوري، من زاوية مختلفة، قد تدفع لتغيير طريقة التعاطي مع دمشق وما تريده.

 

الاستعصاء السياسي الدولي والإقليمي والداخلي، هو المسيطر على المشهد العام، والجميع وصلوا إلى الطريق المسدود، بإصرارهم على تحقيق مطالبهم، بعد فشل كل محاولات الشراكة على المستوى الدولي، وانعكاسها على الملفات الإقليمية والداخلية للدول، ومن المتوقّع استمرار الصراع بصيغته المنخفضة في القارة الأفريقية، بينما تبقى أوكرانيا ومنطقة غرب آسيا الأكثر قابلية لاندلاع الحروب، بفعل الاستعصاء السياسي الإقليمي، واستمرار الاستعصاء الداخلي في سوريا وفلسطين المحتلة واليمن، إضافة إلى إيران التي تعاني من الحصار الاقتصادي الشديد، واستمرار العبث بداخلها، حيث أصبحت الحرب ضرورة لكسر الحلقات مُحكمة الإغلاق.

 

سيرياهوم نيوز1-الميادين

x

‎قد يُعجبك أيضاً

ليلة وقف النار… ليلة القدر

    نبيه البرجي   ايلون ماسك، الرجل الذي قد نراه قريباً يختال على سطح المريخ، هدد الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو بـاحراق شاربيه من الفضاء. ...