بقلم: نارام سرجون
هل هناك من شك ان أكبر خطأ يرتكبه المنتصرون هو الاطمئنان للنصر .. ان الاطمئنان لسلطة الكنيسة وهيبتها يوما ورطها في خطئية صكوك الغفران ظنا منها ان المؤمنين لن يعترضوا على سلطة الله التي منحت للكنيسة .. ولكن كلف هذا الاطمئنان الكنيسة انشقاقا وحروبا دينية كارثية فتكت بملايين المؤمنين ..الاطمئنان للنصر لايجب ان يكون سلاحا بيد العدو .. فأقوى سلاح بيد عدوك هو ان تطمئن .. كما يجهد الصياد في طمأنة الطرائد حتى تنساه الى ان يفاجئها من حيث لاتحتسب ..حتى نحن في محور المقاومة طمأننا نصرنا في العراق على الاميريكيين وعلى الاسرائيليين في ضربة مزدوجة .. وكان سبب نصرنا هو اطمئنان العدو الاميريكي الى اننا لن نجرؤ على تحديه وان ديبلوماسية الصدمة والروع التي سحقت العراقيين قد أصابتنا بالصدمة والروع والهلع والرعب .. ففاجأه اننا لم نكن نخشاه وفاجأه اننا كنا نقاتل دون اي حسابات .. وكان اطمئنان الاميريكيين والاسرائيليين اننا خائفون ومرتبكون من سقوط بغداد وسقوط بيروت بتفجير الحريري هو سبب هزيمتهم لانهم استسهلوا المعركة التي كانت أقسى معارك خاضها الاسرائيليون والاميريكيون المطمئنون مع كانوا يظنزنه مرتبكا وخائفا ..
وبالمقابل فان اطمئناننا الى اننا انتصرنا انتصارا ناجزا كان نقطة ضعف فينا وسلاحا فتاكا بيد العدو .. فاطمئناننا اننا كنا المقاومين واننا الوحيدون الذين تحدوا اميريكا واسرائيل وقهروهما جعلنا نظن ان الشرق صار يدين بالولاء لنا وان انتقادنا صار مستحيلا .. واننا حصلنا على صك غفران من قبل خصومنا ومنتقدينا في الشرق العربي .. وان معاداتنا من قبل اي سياسي او فصيل او حركة في المنطقة لن يمكن تبريرها ولن يكتب لها النجاح .. فنحن المنتصرون ونحن الذين حصلنا على صك الغفران بالدم والبارود الذي قاتلنا به .. وفيما نحن مطمئنون اذ بالعدو يأخذ اطمئناننا كنقطة اختراق ويتسلل الينا في غفلة منا وينشر دعاية مذهبية وطائفية ذكية بدأت بأسطورة الهلال الشيعي التي اطلقها ابن الملك الاردني الجاسوس .. وسوقتها الجزيرة بعناية ودهاء .. ودفعنا دفعا للقبول بالعلاقة مع تركيا لدفع تهمة الهلال الشيعي عنا .. ووقعنا في فخ الاطمئنان للص والكذاب الافاق اردوغان الذي طمأننا الى انه قادم لينضم الى محور المقاومة … وكان هذا الاطمئنان له سببا في ان نفتح له حدودنا .. وهكذا الى ان تحول النصر الذي اطمأنينا اليه الى فخ بيد الاميريكيين والاسرائيليين .. فصارت تهمتنا جاهزة ولم يعد بمقدورنا الدفاع عن انفسنا .. وسقطت أمجادنا وانتصاراتنا في أيام قليلة تحت وابل القصف الاعلامي في المحطات الدينية المذهبية والاخوانية التي تكاثرت كالفطر في تركيا والسعودية وقطر ودول الخليج .. وابتلعت هذه الفضائيات والمحطات كل أخبار النصر السوري على الاميريكيين والنصر الالهي على حزب الله .. ونفثت أخبار التمذهب والتطرف والتدين ..
وفجأة خرج علينا الربيع العربي والثورة السورية وماتت انتصاراتنا وصار الجيش السوري الذي كان مفخرة الشعوب العربية هو الجيش الذي يقتل السوريين ويحرقهم ويخنقهم ويغتصبهم .. وصار الرئيس بشار الاسد والسيد نصر الله هما قتلة أهل السنة والاطفال وليسا القائدين اللذين فتكا بالجيش الامريكي والاسرائيلي واللذين كانت صورهما تعلق في بيوت العرب وترفع في قلب الازهر.. وانتشرت ثقافة المذاهب والتطرف والتوحش .. ولم يعد احد يتذكر ان الأسد ونصر الله هما اللذان صنعا أهم نصرين للمسلمين وللعرب وللشرق كله .. وكان هذا الاطمئنان هو أهم سبب لنجاح مشروع اميريكا واسرائيل في اشعال المنطقة واشعال سورية .. وتدمير الانتصار ..اليوم يبدو ان الروس هم الذين دخلوا مرحلة الاطمئنان للانتصار الذي حققوه على الاميريكيين في سورية .. فليس من شك ان دخول الروس في الحرب السورية هو الذي قلب الاوضاع بسرعة .. وتمكن بالتنسيق مع الجيشين السوري والايراني وحزب الله من الحاق هزيمة منكرة بجيوش اميريكا الاسلامية .. وارتبكت اميريكا التي أذهلتها الحركة الروسية اللامتوقعة وتقهقرت الى الوراء لتترك للروسي الساحة ..
ولاشك ان هذه المعركة اكسبت روسيا سمعة كبيرة واعادت اليها نكهة الشعور بالقوة العظمى .. وتذوقت فيها طعم الاتحاد السوفييتي الذي فقدته .. بل ووضعت أقدامها في المياه الدافئة حلم قياصرة روسيا جميعا .. ولكن على الروس ان ينتبهوا لفخ الاطمئنان الذي وضعوا انفسهم فيه .. لأن اهم عامل في انتصارهم في سورية كان رغبة الشعب السوري وترحيبه بقدومهم ومقامهم بيننا .. وقوة قاعدة حميميم سببها انها محاطة بترحيب شعبي وبحاضنة موالية لروسيا وتحفظ لها الجميل في مساندة الشعب السوري ..
ولكن هل الاميريكيون سيتركون الروس يتمتعون بهذا النصر والانجاز والتموضع أم انهم يبحثون في دفع الروس للاطمئنان أكثر وأن وجودهم في سورية غير قابل للتغيير كما لو ان الاشتراك في الحرب على الارهاب هو صك غفران ابدي لروسيا .. ولكن الامريكيين والاسرائيليين في نفس الوقت يعملون على تحريض السوريين كشعب وافراد وجماعات على روسيا من خلال حرب منصات التواصل الاجتماعي واطلاق شائعات كثيرة عن الدور الروسي في تخريب الاقتصاد السوري او التحكم بالانتاج السوري والثروات السورية كالغاز في البحر وتدمر وحقول النفط في القلمون .. ولكن أهم ضربة يتلقاها الوجود الروسي في سورية هو في استئساد اسرائيل وتكرار قصفها لسورية بوجود القوات الروسية .. وهذا القصف لايقبل كثير من السوريين الا انه منسق جدا مع موسكو وان اسرائيل لاتجرؤ على القصف دون ابلاغ موسكو .. وموسكو هي التي تعطي الضوء الاخضر لاسرائيل .. وصار صعبا جدا ان يقتنع السوريون ان روسيا عمياء وانها لاترى الطائرات الاسرائيلية التي تقلع باتجاه سورية وتضرب قرب قواعد روسيا وتحت أنفها مباشرة .. وسواء كانت الاهداف لسورية او لحزب الله او لايران فان القصف هو قصف على الاراضي السورية .. وهو يشكل اهانة كبيرة للسوريين الذين يرون انهم انتصروا في حرب كونية ولكنهم لايردون على اسرائيل التي اهتزت من رد صواريخ غزة واستنجدت بالعالم .. وهناك كثيرون صاروا مقتنعين ان سورية قادرة جدا على الرد على اسرائيل ولكن روسيا تفضل التريث وتنصح بعدم الرد وربما تفرض عدم الرد لاعتبارات تخصها وتخص اتفاقاتها مع الاميريكيين واسرائيل بشأن التهدئة في الشرق الاوسط ..
ولكن الاسرائيليين والاميريكيين يتحركون في شبكات التواصل الاجتماعي بكثافة ويحرضون السوريين وخاصة سكان المدن الساحلية على التواجد الروسي .. وهذا التحريض ودفع الناس للحنق والغضب من روسيا ان نجح فانه سيقلب مشاعر السوريين ومزاجهم ضد الروس .. وقد بدا واضحا من ردود الافعال الاخيرة ان مزاج عدم ترحيب بروسيا صار يتبلور في الاوساط الشعبية .. ولذلك فان اهم مصدر اطمئنان لقاعدة حميميم سيتبخر وهو الاحتضان الشعبي والترحيب .. وان واصل الاسرائيليون لعبة التحريض وتوجيه الاهانة عبر القصف دون ردع روسي او سوري فان الجنود الروس في القاعدة سيتحولون الى سجناء في القاعدة لانهم لن يتجولوا بحرية في شوارع المدن السورية وسيجدون من يرمي عليهم الحجارة بعد ان كان الناس يتسابقون لمصافحتهم .. وسينسى الناس روسيا التي قاتلت معهم وبذلت الدم معهم وصمدت معهم في وجه اعتى حرب ديبلوماسية وكونية وعسكرية كادت تأخذها الى حرب عالمية ..
الاميريكون بارعون في تغيير مزاج الناس والتلاعب به وويتقنون لعبة الوقت .. وقد فعلوها في الجنوب العراقي الذي كان مزاجه مع ايران .. وبالتدريج نجح الاميريكون عندما قلبوا مزاج الشيعة العراقيين ضد ايران تدريجيا عبر الشائعات والعمل المتقن في شبكات التواصل الاجتماعي وعلاقات السفارة الاميريكة الضخمة مع قطاعات عراقية واسعة.. وتمكن الاميريكون من شق الشيعة الى معسكرين سيتصارعان قريبا .. والاميريكيون فعلوها بذكاء في المناطق السنية العراقية التي كانت موالية للرئيس صدام حسين وللفكر البعثي ولكن التحريض والتلاعب بمشاعر الناس قلب البعثيين العراقيين والضباط السنة الى مقاتلين في داعش بلا رحمة انتقلوا من مقاتلة الاميركان الى مقاتلة العراقيين الشيعة برعاية وحماية الامريكان ودعمهم العسكري واللوجستي ..
لانستطيع ان ندعي اننا نعرف كيف يفكر الروس ولا حجم الضغط التي يتعرضون لها في اوكرانيا وبيلاروسيا وفي الداخل الروسي .. ولانعرف فعلا ان كان صبرهم وصبرنا تكتيكا يخفي مفاجآت لصالحنا .. ولكن نصيحتي الخالصة للأصدقاء الروس الذين قاتلوا معنا ووقفوا معنا وكسبوا قلوبنا .. لاتطمئنوا لأي اتفاق اميريكي معكم ولا لأي وعود اسرائيلية .. الاسرائيليون بقصفهم للاراضي السورية لايحققون اي هدف عسكري جدير بالاهتمام .. لكنهم يقصفون الثقة بين روسيا والشعب السوري ويهدمون المحبة الشعبية لروسيا بين السوريين.. ويساعدون التصورات التي تنتشر بان روسيا تتقاسم سورية مع الاميريكين وانها راضية على قصف الشعب السوري او لاتقبل منه ان يرد حفاظا على مصالحها .. واسرائيل بكل قصف انما تقصف أوتاد قاعدة حميميم التي تصل بين القاعدة وقلوب السوريين في الارض السورية اي الترحيب الشعبي السوري والثقة المطلقة بالروس .. وتذكروا ان الاميريكان والاسرائيليين والاتراك يعبثون بأمنكم أيضا في اوكرانيا .. وكل اعدائنا يعملون ضدكم في اوكرانيا .. وهم يعملون على هدم مابنيتموه في سورية .. انهم ينتظرون نضوج رأي عام شعبي في سورية معارض لوجودكم وقد بدا يتشكل .. وعندها يكفي اطلاق حادثة مفبركة مثل قصة أظافر أطفال درعا كي يحمل الناس السلاح ويقاتلوا العساكر الروس في حميميم وسيكون اول من سيزودهم بالسلاح هي القواعد الامريكية على الاراضي السورية .. وعندها لن تستطيع اي حكومة سورية السيطرة على المشاعر المنفلتة .. ولن تتمكن من ايقاد الذاكرة السورية وتذكير الناس بما فعله الاصدقاء الروس .. فذاكرة الناس قصيرة وتمحوها لحظات الغضب .. والشواهد كثيرة .. سيكون اطمئنان الروس هو الفخ الاميريكي الذي يسقطون فيه .. مثل فخ حرب النجوم ووهم المرايا العاكسة في الفضاء .. مع الفارق ان انتصار سورية هي أهم حرب نجوم كسبتها روسيا الناهضة من بين حطام الامبراطورية الماركسية .. ولايجب ان تسقط نجوم روسيا في حرب سورية .. في فخ اسرائيلي امريكي
(سيرياهوم نيوز-صفحة الكاتب١٠-١٢-٢٠٢١)