آخر الأخبار
الرئيسية » عربي و دولي » الاعترافات الغربية تتوالى: كلّ هذه الضجّة لا توقف الإبادة

الاعترافات الغربية تتوالى: كلّ هذه الضجّة لا توقف الإبادة

 

يحيى دبوق

 

 

 

بعد ما يقرب من عامين على بدء الحرب الإسرائيلية الشاملة على قطاع غزة، قرَّرت مجموعة من الدول الغربية الاعتراف رسميّاً بدولة فلسطينية. وتوالت هذه الاعترافات، أمس، بدءاً من بريطانيا وأستراليا وكندا، على أن تلحق بها كلّ من إسبانيا وفرنسا والنرويج وسلوفينيا والبرتغال، وغيرها. وفي حين وُصفت الخطوة – المتأخرة جدّاً – بالتاريخية، ولكن مفاعليها العملية لن تكون كافية للردع، كما إنها لن توقف الإبادة والتهجير والقتل والتدمير.

 

فما معنى هذا الاعتراف، ولماذا لم تبادر إليه الدول المذكورة سابقاً؟ ولماذا لا يردع هكذا إجراء، إسرائيل عن مواصلة ما بدأته منذ عامين؟  الإجابة باختصار: إنه تبرير لإرادة مواصلة دعم إسرائيل، في ظلّ حربها على غزة، فيما ليس الاعتراف بفلسطين لأحقيّة الفلسطينيين بدولة أو لردع إسرائيل.

 

ولعلّ من أهداف الإعلان المتقدّم، المساهمة – وإنْ شكليّاً – في إعادة بعض التوازن المفقود إلى الخطاب الرسمي الغربي، بعدما أضحى الدعم الغربي لإسرائيل عارياً تماماً من أيّ غطاء أخلاقي.

 

ومن الناحية النظرية، يعني الاعتراف الديبلوماسي بفلسطين، الإقرار بحقّ الشعب الفلسطيني في تقرير المصير، وفتح الباب أمام عضوية فلسطين الكاملة في الأمم المتحدة، وتمكينها من مقاضاة إسرائيل أمام المحاكم الدولية، والسماح بإقامة علاقات ديبلوماسية رسمية معها، ولكنه لا يغيّر – من الناحية العملية – شيئاً في واقع الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية: لا يوقف الاستيطان الذي تسارع إلى حدود غير مسبوقة، ولا يعيد القدس إلى الفلسطينيين – حتى بشقّها الشرقي، ولا يمنع إسرائيل من قصف غزة اليوم وغداً وبعد غد، كما إنه لا يعيد اللاجئين إلى ديارهم، ولا يلزم تل أبيب بتمكين الدولة الفلسطينية نفسها محلّ الاعتراف الغربي، ولا طبعاً بتطبيق أيٍّ من قرارات الشرعية الدولية؛ أي إنها خطوة ديبلوماسية ستُسجَّل في السجلات الرسمية للدول، وليس في موازين القوى على الأرض.

 

أمّا عن الأسباب الكامنة وراء الاعتراف، ودوافعه الحقيقية، فهي أولاً ضغط الرأي العام العالمي الذي يشاهد، منذ نحو عامين، إبادة بالبثّ الحيّ. وهكذا مشاهد، رغم العمل على قمعها ابتداءً، إلّا أنها تحدث لدى الشعوب هزّات أخلاقية تستدعي من الأنظمة مواجهتها، عبر خطوات لا تؤدي إلى ضغوط عملية على إسرائيل.

 

ويبدو أن الغرب معنيّ أيضاً في أن يخفّف من ردود الفعل داخل العالم الإسلامي، كون الأنظمة الغربية تخشى موجات غضب جديدة من شأنها الإضرار بمصالحها في العالم الإسلامي. وهكذا، يُصبح الاعتراف بفلسطين، خطوة لتهدئة الشارع الإسلامي، وهدية إلى الأنظمة العربية والإسلامية، بأن هناك تحرّكاً ما يحدث ضدّ الاحتلال، ولكن من دون المساس بالمصالح الفعلية لإسرائيل والعلاقة معها.

 

تتحرّك إسرائيل ضمن معادلة تراها لا تقهر: ما دامت الولايات المتحدة تقف إلى جانبها، فهي فوق القانون والمحاسبة

 

 

وما تقدَّم يعني أن الخطوة تكتيكية، وليست إستراتيجية، لأن الدول التي أعلنت اعترافها، تواصل تعاونها الأمني والاقتصادي مع إسرائيل، ولا تقطع عنها السلاح والذخيرة، ولا تجمّد الاتفاقات المهمّة معها، والأهمّ أنها لا تفرض عقوبات عليها. فإسبانيا مثلاً، قرّرت إلغاء اتفاقات السلاح مع الكيان الإسرائيلي، لتعود بعد أشهر وتقرّر أن تسرع من خطوات تنفيذ الإلغاء، ولاحقاً ربّما، تقرّر «الإلغاء عن جدّ».

 

لكن، كيف تنظر إسرائيل إلى هذه الخطوات؟ في الواقع، تصف الحكومة الإسرائيلية، بقيادة بنيامين نتنياهو ووزرائه المتطرفين، الاعتراف الغربي بفلسطين، بأنه «استسلام للإرهاب»، أي إنها تواصل المقاربة نفسها بلا تغيير يذكر، في إشارة منها إلى أنها لن تعمد إلى الانكفاء أو تغيير إستراتيجياتها. وهكذا، تتجاهل إسرائيل «الحركات المزعجة»، كما يرد في التعبيرات العبرية، للدول الغربية. لكنها، في الموازاة، لا تجمّد أيّ علاقات ديبلوماسية مع الدول المُعترِفة بفلسطين، ولا توقف أيّ تعاون أمني أو اقتصادي معها، كما إنها لم تبدِ خشية من أيّ تبعات قانونية أو سياسية، لأنها تدرك الأسباب والمنطلقات والأهداف وراء هكذا خطوة، وتدرك أيضاً أن هذه الخطوة لن تترجم لاحقاً أو تعقبها عقوبات رادعة.

 

في الخلفية، تتحرّك إسرائيل ضمن معادلة تراها لا تقهر: ما دامت الولايات المتحدة تقف إلى جانبها، فهي فوق القانون وفوق المحاسبة، ويمكنها فعل ما تريد بلا تبعات جدية؛ فأيّ قرار أمميّ ضدّ إسرائيل سيواجَه أميركيّاً؛ ولو اعترفت 150 دولة بفلسطين، فلن تُقبل عضويتها الكاملة في الأمم المتحدة من دون رضى الولايات المتحدة. على أن ردع الغرب لإسرائيل يتطلّب ثلاث ركائز – كلّها مفقودة: القدرة على العقاب، وجود إرادة سياسية فعلية، فيما الركيزة الثالثة، وهي قدرة إسرائيل على تجاوز التبعات، لأنها تدرك أن الغرب إنْ تحدّث، فلن يفعل، وإنْ قرّر الفعل سيؤجّل التنفيذ، أو يلجأ إلى الأفعال الشكلية، كما هي الحال في الاعتراف بالدولة الفلسطينية.

 

ولعلّ أهمية هكذا خطوات ليست في ذاتها، بل في الأسباب التي دفعت الدول الغربية إليها. وهنا، يجري الحديث عن المديات غير القصيرة: فلم تَعُد إسرائيل في الوعي الجمعي للشعوب الغربية، هي الضحية، بل قوّة احتلال، فيما هناك مطالبات غير مسبوقة لفرض المساءلة القانونية عليها. وهكذا، فإن الإجراءات لا تنتج عقوبات فورية رادعة لإسرائيل، ولكنها تؤسّس لتآكل شرعيتها والموقف العام منها.

لكنها، مع هذا، وإلى أن تكتمل المسبّبات لتغيير الموقف الغربي الحقيقي من الاحتلال، على افتراض أن تصاعُد الموقف سيتواصل لاحقاً، فقد لا يكون هناك فلسطينيون للاستفادة من تغيير الموقف الغربي. أمّا إسرائيل، فلا تقلقها الاعترافات بفلسطين، بل هي تخشى قطع السلاح والمال عنها، وفرض العقوبات، ومحاكمة الجنرالات، والأهمّ تغيير الموقف الأميركي.

 

 

 

أخبار سوريا الوطن١-الأخبار

x

‎قد يُعجبك أيضاً

دول الخليج تريد ضمانات… ترامب يخطط لقمة مع قادة بلدان عربية وإسلامية

القمة مخطط لها أن تكون على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك. قال موقع “أكسيوس” نقلاً عن مسؤولين عربيين مطلعين قولهما إن الرئيس ...