عبد اللطيف شعبان
رحم الله القائد الخالد حافظ الأسد الذي قال ” الثقافة هي الحاجة العليا للبشرية “، أي للبشرية جمعاء لا لفرد دون آخر ولا لأقوام دون أخرى، ويبقى لكل فرد ولكل قوم ولكل بلد انتهاج ما يراه مناسبا للعمل باتجاه تحقيق هذه الحاجة في ضوء مبادئه ومنطلقاته وطموحاته، واهتماماته الجادة المنسجمة مع المبادئ والمنطلقات والطموحات، ما يجعل من المستوجب على كل فرد أو جماعة أو دولة أن تؤسس لما يمكّن من تحقيق الثقافة المرغوب والمطلوب انتهاجها في إطارها العام المتنوع المسارات والمتعدد الاتجاهات.
أيام الاستعمارين التركي والفرنسي كان الجهد الشخصي في بلدنا سورية هو الغالب عند المتعطشين للثقافة، وليسوا قلة أولئك الذين حققوا حضورا ثقافيا باعتمادهم على مطالعاتهم الخاصة بدءا بالقرآن الكريم والعديد من الكتب التي تمكنوا من الحصول عليها بجهدهم الشخصي / حتى أن العلامة الشيخ سليمان الأحمد حاز مرتبة العضوية في المجمع العلمي للغة العربية / وكان لبعضهم فرادى أو مجتمعين السبق في إحداث أكثر من مجلة أو جريدة بعضها استمر لأشهر وبعضها استمر لبعض السنين، ومن تتح له الفرصة بالاطلاع على بعض منها يجد فيها ما يستحق عالي التقدير كما ونوعا، رغم الظروف القاسية التي عاشها محرروها وكتابها في ذاك الزمن المنصرم.
لم يكن بمستطاع السلطات السورية يومئذ الاهتمام الرسمي في الثقافة وانحصر جهدها في إحداث بعض المدارس في مراكز المدن الكبيرة، إلى أن تمكنت الحكومة من إحداث وزارة الثقافة عام / 1958 / والتي عملت على إحداث مراكز ثقافية في مراكز المدن وتتابع هذا الإحداث حتى قارب عددها المائة في هذه الأيام وأغلبها في بناء مستقل ومزود بآلاف الكتب وقاعة مطالعة وقاعة محاضرات تشهد العديد من الأنشطة الثقافية المتنوعة أسبوعيا، واستعارة الكتب متاحة لكل قارئ، وفي كل سنة يدخل لكل مركز كتب جديدة، واهتمت الهيئة العامة السورية للكتاب ( التابعة لوزارة الثقافة ) في طباعة مئات الكتب المتنوعة سنويا، ومعارض بيع الكتاب الدائمة والعرضية التابعة لوزارة الثقافة تبيع الكتاب للقارئ بنصف السعر، وتواكب ذلك مع دور ثقافي رائد لوزارة الإعلام بدأ منذ إحداثها عام / 1961 / من خلال عشرات دورياتها الإعلامية والورقية اليومية والأسبوعية والشهرية والفصلية، والتي كانت بين أيدي القراء بأسعار رمزية، عدا عن دورها الثقافي الرائد من خلال برامجها المتنوعة في الإذاعة والشاشة التلفزيونية، بالترافق مع الحضور الكبير والبارز لاتحاد الكتاب العرب في الساحة الثقافية، أكان ذلك من خلال مئات الكتب التي ينشرها سنويا ويبيعها للقراء بنصف السعر أو من خلال الأنشطة الثقافية الأسبوعية التي تشهدها قاعات فروعه في المحافظات.
المؤسف أن هذا الحضور الثقافي الكبير الذي تنامى بتسارع خلال العقود الماضية يشهد بعض الانكفاء في السنوات الأخيرة، فقاعات المراكز الثقافية التي كان يحضر أنشطتها المئات انكفأ هذا العدد إلى العشرات، وقاعات المطالعة التي كان يرتادها عشرات القراء أو المستعيرين يوميا انكفأ هذا العدد إلى الآحاد، وكتابها الذي كانت تضعه بين يدي القارئ بعشرات الليرات أو مئاتها أصبح في هذه الأيام بآلاف الليرات أو عشرات آلافها، والملفت للانتباه الضعف الكبير لحضور جيل الشباب في المراكز الثقافية كمستمع أو قارئ لانشغاله التام في المنهاج التعليمي المعقد، والمؤسف أكثر يتمثل بالانكفاء الكبير والخطير للإعلام الثقافي، فعشرات الدوريات الإعلامية المتنوعة التي كانت بين يدي القراء يوميا لم تعد موجودة وعشرات البرامج الإعلامية الثقافية التي كانت على الشاشة التلفزيونية أو البرامج الإذاعية إسبوعيا لم تعد متاحة بسبب التقنين الكبير للتيار الكهربائي.
ربما قد يكون من غير المستغرب وضع الكهرباء قي ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي حرمتنا الإعلام الثقافي التلفزيون والإذاعي ، ولكن الاستغراب الكبير في غياب الإعلام الورقي، وأرى من الجائز السؤال هل من بلد عالمي يشهد ذلك لهذه الدرجة كما هو الحال عندنا، خاصة وأن الإعلام الالكتروني غير متاح لكثير من عامة الشعب ويضعف توفره مع الارتفاع الكبير المتتابع في أجهزة الاتصال، علما أن الفترة السابقة التي انقضت بانقطاع الإعلام الورقي ستتسبب في ضعف رواجه حال تمت استعادته، نظرا للارتفاع الكبير في سعر أي عدد إعلامي ورقي، ولو بقي توفره متتالي لاعتاد الناس على ارتفاع سعره المتتابع
وانطلاقا من قناعتي التامة بمقولة الثقافة هي الحاجة العليا للبشرية، واستدراكا لما فات أقترح التالي :
1– ضرورة أن تتاح الكهرباء ساعات إضافية – بطريقة أو بأخرى – كل يوم في جميع المراكز الثقافية، وأن تكون الأنشطة الثقافية ذات نوعية تجذب حضورا كبيرا خلال هذه الساعات .
2 – ضرورة إعادة إتاحة الاعلام الورقي بجميع أعداده وأنواعه بأقل من سعر الكلفة، وليكن ذلك بأعداد تتناسب مع قبول شرائه، شريطة أن يتم وصول / 2 – 10 / نسخ ( حسب عدد المتوقع استفادتهم ) من كل دورية اعلامية ورقية خاصة أو عامة دورية اعلامية لقاعة المطالعة في كل مركز ثقافي و لكل فرع من فروع اتحاد الكتاب العرب ولكل إدارة عامة رسمية بدءا من مديرية وأعلى، ليتاح قراءتها للمهتمين بالثقافة الذين لم يستطيعوا شراءها لسبب أو لآخر، وليكن ذلك خلال يوم أو يومين من صدور العدد لا بعد أيام وأسابع، مع ضرورة تخصيص رفوف خاصة تنظم ترتيب هذه الدوريات لدى الجهة اتي تصلها، وعلى مسؤولية موظف معني بذلك .
3 – نظرا لصعوبة وصول الكثيرين إلى المراكز الثقافية لسبب أو لآخر، أقترح ضرورة نزول وزارة الثقافة ووزارة الاعلام واتحاد الكتاب العرب – وبشكل مكثف – إلى الميدان الشعبي والمؤسساتي ، باعتماد تنظيم ندوة ثقافية مرة على الأقل كل شهر في كل قرية بالاستفادة من قاعات مبرات التعزية أو قاعات المراكز الدينية أو أي قاعات أخرى، وأيضا في كل منشأة تعليمية /تعليم أساسي بحلقتيه – تعليم ثانوي – معاهد بأنواعها – كليات جامعية /، وأيضا في كل منشأة كبيرة صناعية أو خدمية ( قطاع خاص أو عام ) حال توفرت قاعة تؤمن ذلك، ولا من حجة في قلة عدد المحاضرين فهم متوفرون حال وجود من يقدر عطاءهم وينظم أدوارهم ويختار أكفأهم ، خاصة وأنه من الجائز أن يقدَّم نفس النشاط الثقافي في عشرات الأمكنة.
ويبقى المهم الأهم يتجلى في إعادة النظر في المناهج التعليمية في كافة مراحلها وخاصة التعليم الأساسي والثانوي التي تكاد تخلو من الثقافة العامة، وضرورة تضمين منهاج كل صف مقرر في الثقافة العامة، شريطة أن يكون مؤلفا بصيغة لا تحتاج إلى ساعات خصوصية كما هو حال بقية المواد.
*الكاتب:عضو مشارك في اتحاد الصحفيين السوريين
(موقع اخبار سورية الوطن-٢)