| مي المغربي
استخدام الاغتصاب كسلاح أثناء الحرب ليس بجديد. ذلك أنّ الأدلة عليه، تعود إلى العصر اليوناني والروماني، وصولاً إلى الاغتصاب الجماعي كاستراتيجية في الحرب العالمية الثانية على يد الجنود اليابانيين في الصين والفليبين وكوريا. تشرح المستشارة النفسية روث سيفرت في دراسة نشرتها في دورية Women›s Studies International Forum في بريطانيا، أنّ الاغتصاب أثناء الحرب عنصر روتيني للاستراتيجية العسكرية، يهدف إلى تقويض الإرادة والمعنويات والتماسك والتصوّر الذاتي لسكان العدو، عن طريق تدمير النساء جسدياً وعاطفياً. إذ يمكن اعتبار اغتصاب النساء في المجتمع أو الثقافة أو الأمة، بمثابة اغتصاب رمزي لجسد ذلك المجتمع. وتُضيف: «غالباً ما ينطوي الاغتصاب في الحرب على زيادة السّادية، فضلاً عن انتهاكات إضافية مثل إجبار الرجال على مشاهدة اغتصاب زوجاتهم أو بناتهم وإجبار النساء على ممارسة الجنس مع أبنائهن أو إخوتهن أو أفراد الأسرة الآخرين». هذا التحليل يتّسق تماماً مع إحدى الشهادات التي وردت في تقرير LAW، هي شهادة أميرة رضوان التي تقول: «اعتادوا على ربط الأب والأخ وجعلهما يشاهدان الفتيات يتعرّضن للاغتصاب»، مضيفة أنّها عرفت أيضاً أن النساء تعرضن للاغتصاب باستخدام قوارير زجاجية. أما الباحثة القانونية والكاتبة النسوية اليزابيث ماكينون، فتخبرنا أنه غالباً ما يكون اغتصاب المدنيين طقساً مهماً لإذلال الرجال. إذ إنّهم يخبرونهم ــ بلغة الذكورة ـــ أنّهم لا يستطيعون حماية نسائهم.
يُنظر إلى الاغتصاب باعتباره سلاحاً فتّاكاً في الحرب يهدف إلى انتهاك العدو، لأنه ينتهك الافتراضات الأساسية للسيادة، من قبل الخطابات التقليدية لعلماء نظرية العلاقات الدولية. إذ تعتبر هذه الخطابات أن الاغتصاب مدمّر مثل أسلحة الدمار الشامل. ولا يمكن ــ داخلياً ــــ السيطرة عليه أثناء الحروب نظراً إلى تضاؤل شرعية الدولة. أما خارجياً، فهو على جدول الأعمال، لكنه في هذا السياق لا ينظر إليه إلا كتهديد للعلاقات مع الدول المجاورة. أحد الأمثلة ذات الصلة هو الإبادة الجماعية في دارفور، إذ تقوم مجموعات الجنجاويد شبه العسكرية بشكل منهجي بالقتل والاغتصاب والتطهير العرقي ضد الأفارقة السود في غرب السودان. وقد أدى ذلك إلى توترات بين السودان والدول المجاورة مثل تشاد حيث تتمركز مخيمات اللاجئين بالقرب من حدودها لأولئك الذين يبحثون عن «ملاذ آمن».
في المقابل، كانت هناك خطابات استشرافية تم تهميشها لأنها غير تقليدية في نظرية العلاقات الدولية. هذه الخطابات خرجت من أكاديميات نسويات اهتممن بالتنظير والتحليل، وانتقدن مقارنة الاغتصاب كسلاح حرب مثل أسلحة الدمار الشامل، لأنّهم بذلك يفقدونها البُعد الإنساني. هذا النقد يضعنا أمام إحدى الشهادات التي وردت في تقرير LAW، إذ حكت إحدى الناجيات أنها كانت ضمن إحدى الميليشيات مع مجموعة فتيات لا يتعدّى عمرهنّ 20 عاماً. تقول السيدة: «انضممت إلى الميليشيا، بالطبع كانت لديّ بعض الضغائن، لكني انضممت من أجل الحصول على الطعام وتمّ تدريبي على يد امرأة على حمل السلاح». وتستطرد بأنّه كان يتم اغتصاب الفتيات الأضعف. أما القويات، فكنّ يخضعن لتدريب على القتال وحمل السلاح. لكننا على الرغم من ذلك، تم اغتصابنا والتحرّش بنا بأشكال ممكنة وغير ممكنة».
اعتبار اغتصاب النساء في المجتمع أو الثقافة أو الأمة، بمثابة اغتصاب رمزي لجسد ذلك المجتمع
«من المؤلم بالطبع استعادة هذه الذكريات لكنني سعيدة جداً بالحديث عن هذا (الآن) لأنني أعتقد أنه من المهم التحدث… من أجل نشر الوعي للأجيال الجديدة». هذه الشهادة لإحدى الناجيات وردت في التقرير، أعقبتها دعوة التقرير إلى مزيد من التوثيق للجرائم ضد المرأة «لمواجهة السردية الذكورية للحروب الأهلية وتضخيم أصوات الضحايا»، ما يضعنا أمام نظرة أعمق تتمثل في دراسة نشرتها كارين ماردوروسيان في دورية «ساينس» في شيكاغو، واحتجت فيها على الدراسات والمقالات الأكاديمية المهتمة بالناجيات، إذ قالت: «على مدى العقود الثلاثة الماضية، ركزت التمثيلات والمناقشات حول الاغتصاب والعنف المنزلي بشكل حصري تقريباً على معاناة الضحايا، وتجاهلت السمات السلوكية والنفسية لمرتكبي الجرائم». وتضيف: «ما زال العلماء والأطباء يدرسون قضية العنف الذكوري من خلال دراسة النساء. يشرحون القضية من خلال استدعاء شخصية الضحية».
«لقد عانينا كثيراً من عدم قدرتنا على الحديث عن هذه الجرائم». بحسب الشهادات التي وردت في التقرير، لم تتحدّث النساء قبل التحقيق الذي أجرته منظمة LAW لأنه كان يتم نبذ هؤلاء السيدات والفتيات مجتمعياً باعتبارهنّ «لطّخن شرف العائلة». هذه الشهادة تجيب على سبب النسبة الضئيلة (لا تتعدى 9%) ممن قمن بالإبلاغ عن حوادث اغتصاب وتعذيب جنسي تعرضن له. على الرغم من وجود قانون محلي يجرّم ويعاقب الجرائم الجنسانية، إلا أنّ الحكومة اللبنانية أصدرت في 26 آب (أغسطس) سنة 1991 قانوناً يعفو عن الجرائم المرتكبة ضد المدنيين أثناء الحرب. هذا ما جعل هؤلاء النساء غارقات في الصمت على مدى هذه العقود. يذكر التقرير أنّ «هؤلاء النساء والفتيات (وأفراد الأسرة الذين شهدوا هذه الجرائم) ضحيتان مزدوجتان: هنّ ضحيّة العنف الجنسي الذي تعرّضن له أولاً، ثمّ ضحية الفشل التام والمطلق في المحاسبة على هذه الانتهاكات الجسيمة أو حتى الاعتراف بما حدث.