نارام سرجون
كم تبدو اسرائيل بحاجة الى مسكنات وجرعات أمل .. ومهدئات .. وهي حاولت ان تقول لنفسها في اغتيال الشهيد العاروري انها بخير .. وانها طردت بالتعاويذ الارواح الشريرة .. ولكن المرض مستقر في عظامها ودمها المسموم .. وليس هناك من ارواح شريرة تسبب الامراض وألام الموت .. ولن تنفعها تعويذات الاغتيالات .. بل تحتاج أن تنتحر لتتخلص من آلام النهاية ..
لاتقدر اسرائيل ان تفهم ولن تفهم .. فعقلها ليس عقلا يفكر الا بطريقة الواهم .. وهذه نتيجة طبيعية لمن يظن ان الله غير متوازن خلق الشعوب ولكنه ظلمها بخلقه لها وتخلى عنها وفضلهم على كل الشعوب وكأنه اله مزاجي .. لايفهم ولايكترث بما خلق .. وانه مثل البشر .. يهوى ويكره .. ويبيع عقارات ويهدي عقارات لبني اسرائيل وحدهم .. ولذلك فان هذا العقل لايقدر ان يقرأ التاريخ ولايعرف معنى كلمة تاريخ .. ولا تقدر أنت ان تحاضر في هذا العقل او تقدم نصيحة له لأنه عقل مثقوب مثل السلة بالاوهام والخرافات .. تسكب فيه النصائح والمنطق ولكن لايبقى منها قطرة واحدة الا وتمر عبر الخرافات والاهواء البشرية .. ولاتقدر ان تقنعه انه ضد التاريخ وضد الجغرافيا وضد المنطق .. وانت تضيع وقتك اذا مافكرت في محاورته .. او انه يمكن ان يقبل بالسلام .. وانه سيمشي في السلام .. والغريب ان الاسرائيلي يرى كل التاريخ … ويعرف انه تعرض للخراب مرتين وأنه هذه المرة قائم لان اوروبة ترعاه .. ومهما أعدنا له درس الصليبيين وأنه يجب ان يعلم ان اوروبة لاتقدر ان تبقى معه الى الابد .. وعندما تحكي له عن تجربة فرنسا في الجزائر وابادتها لمليون ونصف جزائري وخروجها منها بعد كل المجازر … وتجربة جنوب افريقيا وانهيارها .. وتذكره انه هرب بنفسه في جنوب لبنان .. ويتذكر انه كان في غزة يوما .. ولكن كل هذا لن ينفع لأنك لاتناقش عقلا بل صنما .. او شخصا مختلا عقليا .. وكما نقول فالج لاتعالج .. العقل المثقوب لايحتفظ بقطرة ماء من ماء المنطق .. ويبقى جافا ..
ولذلك لافائدة من أن تنتظر منه ان يفكر .. ولا ان يتعلم ان الاغتيالات هي مسكنات مؤقتة وأنها لاتغير من مسار الصراعات فالصراعات مثل المحيطات المالحة لاتقدر ان تجعلها حلوة المذاق باضافة ملعقة من السكر اليها .. فهو عقل غرائزي .. وصعب ان تقنعه ان الاغتيالات لايمكن ان تحبط الناس الا ليوم او يومين .. ولكن كل ثورات الدنيا تنتصر .. وأن الاغتيالات لم تغير مسار شعب .. وانه لن يكون افضل حالا من نموذج الجزائر او جنوب افريقيا او فييتنام .. وهذه هي محنة العقل الصهيوني فهو يريد ان يرى مايحب ويتمنى .. فهو راى انه مكروه اينما حل ولكنه لايعرف لماذا هو مكروه ومنبوذ اينما حل دون غيره من البشر الا لأنه الافضل وانه شعب مختار .. ويظن انها العنصرية هي التي تلاحقه ولايرى انها عنصريته هو ولاعقلانيته هو .. وهو يرى ان
ولذلك فان الاغتيالات هي سياسة غبية جدا .. وقد جربتها اسرائيل منذ ولادتها .. ولكنها كانت مسكنات ليوم او يومين .. لأن ألم الاحتلال وألم العبودية أقوى من ألم الفقد .. وألم فقدان الوجود وفقدان الارض والشجر وقبور الاجداد أقوى من ألم رحيل الاشخاص .. بل على العكس فان الالام هي التي تقوي الأرواح ..
في كل مرة تقدم فيها اسرائيل على اغتيال شخصية مقاومة فانها تحب ان تظهر الاغتيال على انه عمل فذ وعبقرية استخباراتية وأن لاسرائيل اليد الطولى في ملاحقة أعدائها .. ويتساءل المرء عقب كل اغتيال عن سبب هذه السهولة في الاغتيال .. ويصدق البعض هذا الوهم .. ولكن النظرة المتفحصة تنبئنا أن اسرائيل لاتقدر على تنفيذ اي اغتيال دون مساندة كل أجهزة الاستخبابارت العربية والاوروبية .. وسط انتشار غير مسبوق للخونة في عالمنا العربي شاقوليا وعموديا .. وهو عصر الخونة والعملاء لايتفوق عليه اي عصر .. وسوق الخونة مشبع لمن أراد أن يشتري بأبخس الاثمان ..
اسرائيل لاينقصها الخونة .. هناك مخابرات عربية تعمل معها بجد واخلاص .. مخابرات الاردن .. وكل مخابرات الخليج ومخابرات مصر ومخابرات ابو مازن ومخابرات تركيا .. والمعارضات العربية عموما هي بيئات ممتازة للتجنيد .. مثل المعارضات اللبنانية والسورية وكل منتجات الربيع العربي .. لأن المعارضين العرب يبيعون اوطانهم او يبيعون انفسهم .. بسبب ضيق افقهم ولايعرفون الفرق بين الوطن والسلطة .. ومهمة اجهزة المخابرات العربية التي تجند العملاء في كل مكان هي اختراق المجتمعات المقاومة وزرع الخونة والجواسيس والعملاء .. وهم كثر ..
اسرائيل التي هي ذراع غربي في الشرق لم تقدر ان تنهض الا على أذرع عربية خائنة .. اذرعها في العائلات المالكة كلها ولااستثني عائلة واحدة .. من المحيط الى الخليج .. وكل مخابرات العائلات المالكة تعمل موظفة لحساب اسرائيل كما كان ملك الاردن حسين يعمل ملكا وجاسوسا في نفس الوقت
اغتيال العاروري وكل من سبقه لن يجعل أرض فلسطين أرضا يهودية .. ولن يغير من مسار التاريخ .. ولن تقدر هذه العمليات القذرة ان تغير في مذاق الملح الاجاج في فم اسرائيل وهي تريد ان تشرب الماء العذب في بحر فلسطين .. ولن يتذوق الاسرائيلي ماء عذبا في فلسطين ..
العاروي استشهد كما قال ذلك الفلسطيني الشاب بشجاعة لانظير لها وهو ينهض من تحت الانقاض: امي استشهدت ربنا يرحمها .. ولكن هذه غزة الابطال ..
اسرائيل تحلم وتتمنى انها في كل اغتيال انها أغلقت الطريق نحو تحرير فلسطين .. وهي تعلم انها تضحك على نفسها .. وتعلم ان هناك من سيتابع الرحلة .. وان هناك من سيأخذ بندقية العاروي التي سقطت من يده .. وأن البنادق تلد البنادق وأن الرصاص ينبت مثل السنابل في هذا الشرق .. وأن في رحم الرصاص أرحاما لولادة الرصاص ..
ان كان هناك من يستحق التعزية اليوم فانها بندقية صالح العاروري .. التي ستكمل المشوار من غير صاحبها .. ولكنها ستصل ..
بندقية العاروري تتابع الرحلة نحو الهدف من غير حاملها .. على كتف أخرى .. فللبنادق أرواح لاتموت .. ولن تنزل البنادق حتى تزول هذه الاسرائيل من الوجود .. من النهر الى البحر ..
(سيرياهوم نيوز ١-مدونة الكاتب)