أ.د. حيان أحمد سلمان
قال عالم الفيزياء الشهير ألبرت آينشتاين: “لو كان لدي ساعة واحدة لإنقاذ العالم، سأقضي خمساً وخمسين /55/ دقيقة للتعرف على المشكلة وتوضيحها وخمس دقائق فقط للتوصل إلى الحلّ”، وهذه إشارة إلى سهولة الحل بعد التوصيف الدقيق للواقع وتحديد مشاكله بناء على ربط السبب بالنتيجة أو العلّة بالمعلول، وهنا تكمن أهمية الأسئلة أكثر من الأجوبة خاصة في علم الاقتصاد.
وبرأينا لا توجد حلول صحيحة 100% لأي مشكلة اقتصادية، بل تتداخل العوامل الداخليّة والخارجية ببعضها البعض. ولكننا نرى أنه بعد مرور /7/ أشهر من سنة /2024/ تتراجع المؤشرات الاقتصادية الدولّية، هنا لا بدّ من الإجابة على الأسئلة الأربعة التالية: لماذا تتأزم مشاكل العالم الاقتصادية؟، ومتى ستبدأ بالانفراج؟ ومن أين نبدأ؟ وكيف نواجهها؟، ويكمن وراء هذا عوامل موضوعية وذاتية منها: جيوسياسية – اقتصادية – مناخية – بيئية – اجتماعية – تراجع سلاسل التوريد ومنظومة نقل السلع والخدمات – سيطرة حالة عدم اليقين – تراجع عمل البورصات العالمية والتجارة الخارجية والاستثمارات الدولية – تذبذب أسعار الصرف والفائدة – عدم وضوح السياسات النقدية والمالية سواء الانكماشية أم التوسعية – زيادة الديون المعدومة والمشكوك بتحصيلها – ارتفاع معدلات التضخم والركود التضخمي والكساد وعدد الفقراء والجياع وبؤر الإرهاب والتوتر والهجرة غير الشرعية والإنتاجية الصناعية والمردودية الزراعية والخدمية …الخ ]، بدليل أن المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية (International Institute for Strategic Studies, IISS) أكد أن الصراعات زادت لأكثر من /183/ صراعاً سنة/2023/ وأثرت على الاقتصاد العالمي سلباً بقيمة /2800/ مليار دولار، وأهمها الحرب الأوكرانية والصراع في السودان والعدوان على غزة واليمن والنيجر وتوترات في بحر الصين الجنوبي وتايوان وليبيا وسورية.. إلخ، ومن هنا نتفهم عدم دقّة توقعات المنظمات الدولية الاقتصادية.
حيث أكدت أن معدل النمو الاقتصادي سيتحسن في سنتي /2024و2025/ وسيتجاوز وحسب صندوق النقد الدولي، معدل /3،2%/، وأن الاقتصاد العالمي سيبدأ بالتعافي، ولكن ما نراه أن المشاكل الاقتصادية تتزايد من يوم لآخر وأن المواصفات والمعايير الدولية المعتمدة في المنظمات العالمية الاقتصادية (صندوق النقد والبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية) لم تعد مرجعاً موثوقاً لاعتمادها من خبراء الاقتصاد، رغم أهميتها لأنه يغلب عليها الطابع السياسي أكثر من الاقتصاي، وهذا كان السبب في بحث الكثير من الاقتصاديين العالميين عن مصادر أكثر دقة لقناعتهم أن المقياس الواحد لا يُناسب جميع الدول ومختلف الأزمنة، وأننا الآن في زمن (مضطرب متذبذب) تسيطر عليه /4/ مواصفات وهي [التقلب (Volatility)، عدم اليقين (Uncertainty)، التعقيد (Complexity)، الغموض (Ambiguity)] واستخدموا الحروف الأولى لهذه الكلمات لتشكل مصطلح (زمن “الفوكا” (VUCA)، وكمثال على ذلك، رفع سعر الفائدة بهدف امتصاص الكتلة النقدية في السوق وتقليل معدل التضخم في بلد ما قد يكون مجدياً، ولكنه غير مجد في بلد آخر، بينما رأى قسم آخر من خبراء الاقتصاد العالميين أنه يجب أن نواجه (زمن التحول الفوكا VUCA) بالشراكات لتجاوز الأزمات لضمان مستقبل أفضل، ولتحقيق ذلك يجب تطبيق/4/مرتكزات وهي: التحرر (Liberal)، الامتلاء بالطاقة (Exuberant)، التعلم المستمر وخفة الحركة (Agility)، الشراكة (Partnership) وتم جمع أوائل الكلمات الأربع لتصبح (LEAP) أي زمن الوثب.
وهذا يتطلب إدارة للتحول والإصلاح الاقتصادي بشكل يومي، لأن كل شيء بحاجة لإصلاح يومي، وتجاوز البيروقراطية في المؤسسات الخاصة والحكومية، وبرأينا أن المصطلحين الزمنيين (زمن الفوكا VUCA) و(LEAP) ينطلقان من (المركزية الأطلسية الغربية) ولا يناسبان دول العالم الصاعدة، والدليل كيف نفسر توجه البنك الفيدرالي والمركزي الأوروبي والدول العشر الأولى عالمياً لزيادة الاحتياطيات النقدية لديها؟، والتسابق لامتلاك الذهب؟، وابتداع طريقة جديدة للاقراض والاقتراض وهي (تجارة الفائدة carry trade) وتعني إستراتيجية استثمارية جديدة تقوم على استبدال عملة ذات فائدة منخفضة (مثل الين الياباني حالياً وهو صفر فائدة) بعملة ذات فائدة أعلى (مثل الدولار الأميركي أو اليورو)، واستثمار الأموال المقترضة في أصول ذات عائد أعلى في البلد ذي سعر الفائدة المرتفع مثل الولايات المتحدة الأمريكية وتركيا وغيرهما، سواء عن طريق الإقراض أو شراء سندات خزينة بفائدة /4%/، ولهذا يفكر البنك الياباني بتغيير سياسته النقدية (سياسة التيسير النقدي) خلال هذا الشهر والسماح لعوائد السندات بالتحرك ضمن نطاق أوسع مستقبلاً، وكيف سنواجه حالة عدم اليقين الناجمة عن سيطرة الترقب والانتظار على التدفقات الاستثمارية الدولية وخاصة بين دول الشمال الغنية والجنوب الفقيرة، والعالم يشهد تغيرات في السياسة الاقتصادية الغربية بسبب نجاح الأحزاب اليمينية الأوروبية وإمكانية وصول (دونالد ترامب) إلى البيت الأبيض، ويتوقع الكثير من الاقتصاديين أن حالة عدم اليقين سترتفع من /13%/ إلى أكثر من ذلك؟، وكيف نفسر توجه البريكس وشنغهاي لإيجاد بديل عن الدولار في تعاملاتهما الداخلية وإيجاد عملة بديلة أو عملة محلية مثل اليوان الصيني أو الروبل الروسي؟، أما بالنسبة لسورية الغالية فأرى ضرورة التركيز على ترسيخ ثقافة العمل لزيادة الإنتاجية الصناعية والمردودية الزراعية والخدماتية، ونتفق مع الاقتصادي (بول كروغمان Paul Krugman) وهو من المدرسة الكينزية وحائز جائزة نوبل سنة /2008/ الذي قال: (إن الإنتاجية ليست كل شيء، ولكنها على المدى الزمني الطويل تُعد كل شيء تقريباً، إذ إن قدرة أي بلد على تحسين مستوى معيشته بمرور الوقت تعتمد بشكل كامل تقريباً على قدرته على رفع إنتاجية كل عامل).
فمعذرة يا ألبيرت آينشتاين، ولكن مع كل الاحترام
سيرياهوم نيوز٣_تشرين