تكثر التوقعات حول واقع الاقتصاد العالمي للسنة القادمة سنة /2024/ ، وتتراوح التوقعات بين (التفاؤل والتشاؤم)، وبرأينا إن كل الدلائل والوقائع تمهد على أن الاقتصاد العالمي سيكون أسوأ مما كان عليه سنة /2023/، لأن الأزمات العالمية ستتأزم من داخلها وبتأثير العوامل الخارجية المؤثرة عليها، وسيتراوح واقع الاقتصاد العالمي بين (الركود والتضخم والركود التضخمي)، وهذا ليس من باب التشاؤم، بل برأينا على أسس ووقائع اقتصادية ترسخت خلال سنة /2023/، وهنا نرى ضرورة توضيح المصطلحات لأنها باب ومفاتيح فهم العلوم أيا كان نوعها، فنقصد بمصطلح (الركود Recession ) تراجع معدل النمو الاقتصادي العالمي وعدم معالجته، يؤدي إلى تراجع قيمة الناتج المحلي الإجمالي العالمي، واستمرار الركود لمدة لا تقل عن /6/ أشهر يؤدي إلى حالة أسوأ وأشد حدة وسلبية، وهي (الكساد الاقتصادي Depression)، مثل أزمة الكساد الكبير أو الأزمة العالمية سنة /1929/ وامتد لأكثر من /10/ سنوات، ولكل القطاعات الاقتصادية وخاصة الإنتاجية منها، ويترافق هذا مع عدة مؤشرات ومنها: خروج الكثير من المواقع الإنتاجية من العمل، وتقلبات حادة في السياسات الاقتصادية النقدية والمالية والاستثمارية و الإقراض ومعدل الفائدة وسعر الصرف و الخصم وزيادة المديونية والديون المشكوك بها والمعدومة والإفلاس وتراجع الدخل الحقيقي وزيادة معدل البطالة ومستوى انكماش الناتج الإجمالي وتراجع الاستهلاك والمبيعات ومستوى المعيشة والمشاكل الاجتماعية وبؤر التوتر وإنفاق المستهلكين وعمل البورصات وأسعار الأسهم وسيطرة حالة عدم اليقين أسواق السندات سواء السندات الطويلة و القصيرة الأجل …إلخ.
وأطلق الكثير من الاقتصاديين على أزمة الكساد الكبير سنة /1929/ وحتى سنة /1940/ مصطلح ( قصعة الغبار Dust Bowl) والقصعة باللغة العربية هي الوعاء الكبير كما سموها فترة الثلاثينيات القذرة، مصطلحان من القرن العشرين حيث سادت المنطقة الوسطى من الولايات المتحدة بسبب سيطرة الجفاف وتراجع الغطاء النباتي وزيادة انجراف التربة بسبب أخطاء السياسة الزراعية لأمريكا والدول الأوروبية، ما سبب عواصف غبارية وهذا سبب تسمية الأزمة (قصعة الغبار)، وهذا يحصل الآن مع موضوع المناخ والبيئة، وانطلاقاً من هذا نقول: إن الكساد يتحقق عندما تظهر هذه المؤشرات ولا يكفي مؤشر واحد منها، فمثلاً قد تتراجع قيمة الناتج المحلي الإجمالي، لكن لا ترتفع الأسعار ولا يحصل كساد، لكن الكساد عندما تتداخل هذه المؤشرات أو أغلبها مع بعضها البعض ويصبح كل منها سبب ونتيجة للآخر، وهنا يكمن سر صعوبة أي سياسة اقتصادية يجب اعتمادها هل سياسة انفتاحية أو مقيدة أو تدخلية من قبل الحكومة أو تركها لآليات السوق من العرض والطلب، وترك الأمور لقوانين العرض والطلب ما يؤدي إلى مرض (التضخم INFELATION ) أي إن الكتلة النقدية تصبح أكبر من الكتلة السلعية وكأن نقوداً كثيرة تطارد سلعاً قليلة، فتكون النتيجة هي ارتفاع الأسعار وتتراجع القوة الشرائية، وقد يمهد هذا للركود من جديد، وهو ما يدعى (التضخم الحلزوني) أي ارتفاع كبير في منظومة الأسعار بشكل غير مبرر وعلاجه صعب جداً، وهنا نشير إلى أن كل تضخم هو ارتفاع الأسعار، لكن ليس زيادة أي سعر يعني التضخم، لأن مؤشر التضخم مرتبط بسلة من السلع التي لها وزن ترجيحي في الاستهلاك المجتمعي، وقد يكون التضخم بسبب تضخم الطلب أو تضخم التكلفة، وفي هذه الحالة تكون السلع متوافرة لكن من الصعوبة إمكانية شرائها، فتتفاقم المشاكل الاقتصادية من ذاتها وتصبح كل مشكلة مقدمة وسبب للأخرى، ونقع بما يشبه ( الجلطة الاقتصادية)، أي (الركود التضخمي Stagflation، وهو مرض معقد ومركب ويجمع بين النقيضين ظاهرياً، أي (الركود) الذي يجب أن يترافق مع انخفاض الأسعار والتضخم أي ارتفاع الأسعار، وهذه الحالة هي التي نتوقع أن تسود سنة /2024/، وتكمن أسباب ذلك في عدة مؤشرات وأهمها: معدل نمو اقتصادي ضعيف وبطالة عالية ومع هذا ترتفع الأسعار وسيعاني منه المنتجون والمستهلكون).
ويجمع الركود التضخمي بين /3/ عناصر وهي: تراجع معدل النمو الاقتصادي – ارتفاع معدل البطالة – ارتفاع مستوى الأسعار للسلع والخدمات، وقد ظهر هذا المصطلح في ستينيات سبعينيات القرن الماضي وتحديداً في (المملكة المتحدة وأمريكا)، وخاصة بعد ارتفاع أسعار النفط سنة /1973/ وحرب (فيتنام)، وعندها أقرت البنوك المركزية الاعتماد على (سياسة نقدية محفزة بشكل مفرط لمواجهة الركود الناتج)، ما سبب ارتفاع الأسعار والأجور وزيادة الركود و الكساد، ونتيجة التداخل بين ( الركود والتضخم ) فإن معالجة هذه الحالة تسبب القلق الكبير بين راسمي السياستين النقدية والمالية، ويكونون مثل من يرقص على شريط رفيع ممدود بين جبلين مرتفعين أي خطأ مهما كان نوعه قد يسبب نتائج كارثية، أرجو أن تخطئ توقعاتي وميلاد مجيد وكل سنة وأنتم بخير.
سيرياهوم نيوز 2_تشرين