كمال خلف
عندما وقعت الامارات المتحدة والبحرين اتفاقات ابراهام مع إسرائيل في أغسطس 2020 كانت الدولة الخليجية الثرية قد أحدثت تحولا في سياساتها في العقود الماضية القائمة على توفير الدعم والمساندة للشعب الفلسطيني، وكان الاعتقاد السائد حينها ان الامارات عبر هذا الاتفاق تفتح الطريق للشقيقة الكبرى السعودية لتحذو حذوها في نهج تم وصفه بأنه يشكل جوهر فكر القادة الجدد للدول الخليجية. ولم تنحاز الامارات كليا الى شكل من اشكال التحالف او الاصطفاف مع إسرائيل، وللتأكيد على ذلك ازالت الخلافات مع ايران وفتحت الطريق لعلاقات متوازنة سابقة بذلك كلا من الحليفين في نادي الخليج “البحرين والسعودية”، ليس هذا فحسب بل اندفعت نحو بناء علاقة مع سورية رغم الحظر الذي تفرضه الولايات المتحدة والغرب عموما على دمشق. وبذلك كان اعتقاد الامارات الراسخ انها في حالة تموضع يمكنها من ان تكون دولة على غرار “سويسرا” في منطقة مزدحمة بالنزاعات والتهديدات. وعلى الرغم من الحملة الإعلامية الظالمة المتزامنة مع توقيع اتفاق ابراهام والتي شنتها وسائل اعلام امارتية تجاه الشعب الفلسطيني والتي وصلت الى حد التشكيك بعدالة القضية برمتها، الا ان الامارات لاحقا ضبطت هذه الحالة المنفلتة، وأوقفت العديد من المنصات المحسوبة عليها، ودوزنة الخطاب الإعلامي بما ينسجم من السياسية القائمة.
واليوم ثمة متغيرات طرأت في البيئة السياسية في الإقليم حتمت على الدولة الخليجية النظر في إعادة الحسابات مرة أخرى. اول تلك المتغيرات يتمثل في الوضع الداخلي في إسرائيل. والوضع القائم الان في الصراع بين الإسرائيليين والفلسطينيين. ففي إسرائيل بدا الوضع كارثيا باعتراف صريح من قادة إسرائيل بسبب ازمة “الإصلاح القضائي” والانقسام الحاد لدى النخبة السياسية والمجتمع الإسرائيلي. سيطر المتطرفون الفاشيون على الحكومة، وباتوا يتصرفون كالمجرمين الدوليين، ما وضع الولايات المتحدة في موقف مرتبك في التعاطي مع ما يجري داخل الكيان المدلل. ليس هذا فحسب، انما ترافقت الازمة داخل إسرائيل بنهوض اعمال المقاومة في الضفة الغربية المحتلة، وبدأت تكتسب زخما عربيا واسلاميا متزايدا.
كانت اول الإشارات الصادرة من الامارات هو قرار تجميد صفقات لشراء أنظمة أسلحة دفاعية من الاحتلال الإسرائيلي بسبب تصريحات وتصرفات وزيرين في حكومة بنيامين نتنياهو، وكانت رسالة رئيس دولة الامارات الشيخ “محمد بن زايد” صادمة لنتنياهو اذ قال فيها ان الصفقة لن تتم طالما هذا الأخير لا يسيطر على حكومته. هذه الإشارة تبدو فرملة إماراتية في طريق تطوير العلاقات مع إسرائيل، وقد تكون خطوة ضرورية في مرحلة تقييم الامارات للتحولات الجارية على مستوى الإقليم والعالم. ليس ثمة مصلحة إماراتية في تغطية هذا العوار الإسرائيلي.
وجاء الاتفاق الإيراني السعودي الأخير في بكين كعامل اخر مهم، صحيح ان الامارات رحبت بالاتفاق رسميا واعتبرت بانه يساهم في دعم استقرار وازدهار المنطقة، لكنه في الوقت ذاته عزز لدى صناع القرار في أبو ظبي نهج مراجعة الحسابات، السعودية لم تسير في الطريق الذي عبدته الامارات عبر اتفاقات ابراهام كما كان متوقعا، وبدلا من ذلك اختارت صياغة سياستها على أساس التفاهم مع ايران والاقتراب من الصين والتمسك بالمبادرة العربية للسلام “وهي مبادرة سعودية” كأساس للتطبيع مع إسرائيل. ان وصف الاتفاق السعودي الإيراني بالزلزال هو وصف دقيق، لان الاتفاق ليس مصالحة ثنائية بين دولتين بقدر ما يعبر عن تحولات جذرية ذات طابع استراتيجي تاريخي في شكل مستقبل المنطقة ومراكز التأثير الدولي فيها.
ولا نشك ان الامارات تدرس الاتفاق بعمق بعيدا عن اللغة الدبلوماسية المرحبة، فالاتفاق سوف ينعكس على مستقبل الحل وتوزع القوى في اليمن، وهذا له تأثيره في سياسات أبو ظبي والخلافات بينها وبين الرياض في مقاربة ملف اليمن. وسوف يؤثر التعاون والتفاهم الثنائي السعودي الإيراني في ملفات ومقاربات عديدة ستأخذ طابع التسويات التي تراعي مصالح الدولتين الكبيرتين في المنطقة على حساب أدوار كانت تلعبها دول مثل الامارات وقطر.
ولم تعد اتفاقات ابراهام تمثل مستقبل نهج الخليج او المحيط العربي كما تم تصويرها، انما باتت تلك الصفقة هامشية وضيقة امام حجم المتغيرات العميقة والمتسارعة في الإقليم وعلى مستوى العالم.
ونرى ان امام دولة الامارات اليوم فرصة يجب عليها ان تلتقطها، تتمثل في وجود حكومة فاشية متطرفة منبوذة دوليا، ومدانة حتى داخل مجتمعها، وهذا كاف لتقوم الامارات بتجميد تلك الاتفاقات، وفرملة كل اشكال التعاون مع إسرائيل. وتعزيز نهج الانفتاح على سورية وايران وتركيا في الإقليم، وبناء شركات اكثر زخما مع روسيا والصين، وإعادة صياغة موقف واضح من نضال الشعب الفلسطيني قائم على العلاقات الأخوية التاريخية بين الشعبين.
قد لا يحتاج قادة أبو ظبي الى نصيحة من هذا النوع، فمن خلال متابعة نهج السياسات الاماراتية خلال السنوات الماضية يمكن ان نستنتج انها تتمتع بمرونة في الحركة، وسرعة في التقاط اللحظة، وفهم جيد لما يجري من تغيرات، وهم قادرون على روز مصالحهم وتشبيك علاقاتهم، وتغيير مسار سياساتهم بشكل سلسل وبقدرات وديناميكيات فعالة.
لا يجب القول ان الامارات متضررة من الاتفاق السعودي الإيراني، كما قرأنا في بعض التحليلات، لان الضرر يكمن في النزاع والشحن والتحريض والتصعيد، بينما الحوار هو اللغة التي تحتاجها شعوب المنطقة. ولا يجب ان نفكر في ان الامارات في صف إسرائيل ضد مصالح الامة العربية والإسلامية، فقد رأينا الامارات تهرع لمساعدة السوريين المنكوبين بفعل كارثة الزلزال، ولا يفعل ذلك حليف لإسرائيل، علينا ان نفكر في استعادة الامارات ودفن اتفاقات ابراهام للأبد.
سيرياهوم نيوز 4_راي اليوم