| ميسم رزق
بعيداً من الزهو الإسرائيلي بالصيغة التي صدر فيها قرار التمديد لقوات الأمم المتحدة العاملة في لبنان، عن مجلس الأمن، يشير التدقيق في المسار الذي سبقَ انعقاد الجلسة في نيويورك إلى معركة دبلوماسية لم تكن سهلة، خصوصاً أن العدو الإسرائيلي، ومن خلفه الأميركيون وحلفاؤهم، يعملون وفق رؤية تستهدف جعل «اليونيفل» أداة لتحقيق هدف وحيد، هو القيام بأعمال «المراقبة والحراسة» لمصالح إسرائيل. ولتحقيق هذه الرؤية، بذل العدو جهوداً كبيرة ليكون القرار أكثر قساوة في حقّ لبنان. وكان يرغب في إدخال تعديلات إضافية بما يجعل من اليونيفل قوات متحلّلة من أيّ ضوابط تتعلّق بمصالح لبنان وسيادته، ويتحدث مسؤولون في بيروت عن «نجاح في منع تل أبيب وواشنطن وأبو ظبي من تحقيق المراد الإسرائيلي».
وفي خلاصة المشهد، يعتبر لبنان الرسمي، مدعوماً بتأييد بعض القوى السياسية، أن النسخة الحالية من قرار التمديد أفضل من تلك التي أُقرّت العام الماضي. ويستند أصحاب هذا الرأي إلى إضافة عبارة تشير إلى ضرورة التنسيق بين القوات الدولية والحكومة اللبنانية في ما خصّ تحركاتها الميدانية. وإذا كان العدو ومَن خلفه احتفلوا بأن القوات الدولية غير معنية بأخذ إذن من أحد، إلا أن الجميع يعلم، أن لبنان – متى أراد – يستطيع الدفاع عن موقفه، خصوصاً حين يستند إلى أرضية صلبة ومتينة عنوانها المقاومة.
أمام القرار الذي صدرَ العام الماضي بصيغته الكارثية، نتيجة كسل – وربما ما هو أكثر – من قبل مندوبة لبنان في الأمم المتحدة حينئذ السفيرة أمال مدلّلي، أولاً، وتخاذل واستهتار الإدارة الرسمية في بيروت، ولتفادي تكرار هذه «الفضيحة»، دخل حزب الله المعركة، خاصة بعدَ الحراك الإسرائيلي الكبير واللافت في أروقة مجلس الأمن الدولي، والضغوط الكبيرة التي تعرّضت لها بعثات الدول لجعل القرار أكثر سوءاً. وواكب الحزب مسار التفاوض حول نص قرار التمديد على خطيْن متوازييْن:
الأول، التشاور مع الدولة اللبنانية. ووفقَ المعلومات، حصل تواصل مع وزير الخارجية عبدالله بو حبيب الذي سمِع اقتراحاً بالذهاب إلى نيويورك برفقة ضابط من الجيش اللبناني. وقيلَ لبو حبيب إن عليه أن يقود هذه المعركة بسلاحيْن: الأول، التهديد بسحب لبنان طلب التفويض الممنوح لـ«اليونيفل»، والثاني هو موقف روسيا التي سيطلب منها لبنان استخدام حق «الفيتو»، وأن لبنان على اتصال مع الروس الذين أبدوا تجاوباً في هذا الشأن.
يتحدث مسؤولون في بيروت عن «نجاح» في منع تل أبيب وواشنطن وأبو ظبي من تحقيق المراد الإسرائيلي
بناءً عليه، تواصل بو حبيب مع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الذي تواصل بدوره مع المعاون السياسي للأمين العام لحزب الله الحاج حسين الخليل للاستفسار حول التهديد بسحب التفويض، وما إذا كان الحزب فعلاً لا يريد «قوات الطوارئ». فكانَ الجواب أن «لبنان بعث برسالة إلى مجلس الأمن يطلب فيها التمديد وفقَ صيغة تؤكّد على التنسيق مع الجيش، وإذا لم يُراع طلب لبنان فإننا جدّيون بسحب الطلب». وأفضى النقاش إلى اتفاق على إرسال رسالة إلى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وأخرى مشابهة إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، مفادهما «أننا في لبنان لن نقبل بصيغة لا تنصّ على التنسيق بين اليونيفل والجيش، وأن العدو الإسرائيلي هو من يقوم بخرق القرار 1701، وفي حال لم يُؤخد بالتعديلات التي يطلبها لبنان، فإنه سيسحب طلب التمديد».
الخطّ الثاني الذي عمِل عليه الحزب كان التواصل مع عدد من الدول الأعضاء في مجلس الأمن، بحكم العلاقة السياسية القائمة معها، وتحديداً روسيا والصين والبرازيل واليابان وسويسرا. وقد ظهرت نتيجة هذه الاتصالات، وموقع الحزب لدى هذه الدول في مواقفها، خصوصاً البرازيل واليابان. أما روسيا والصين اللتان تتمتعان بحق الفيتو، فقد امتنعتا للمرة الأولى عن التصويت، بما يخدم الموقف اللبناني. وبالتزامن، كان هناك خط مباشر مع باريس، بحكم العلاقة المستمرة والمتشعّبة بين الحزب والفرنسيين حول ملفات عديدة. وخلال التواصل، أشار الفرنسيون إلى دور «خبيث» جداً تلعبه دولة الإمارات في الملف. كما نقلوا أن إسرائيل «تواصل ممارسة ضغوط كبيرة لتحقيق ما تريده»، وأن «الأميركيين لم يأخذوا تهديد لبنان بسحب التفويض على محمل الجدّ، لكننا أوضحنا لهم جدّية لبنان في هذا السياق».
على هذا الأساس، جرت مداولات مجلس الأمن التي شهدت تعديل المسوّدات الفرنسية أكثر من مرة (كون فرنسا حاملة القلم الموكلة بكتابة القرار)، قبل اعتماد الصيغة الأخيرة التي أُقرت. ومرّ مسار إقرار القرار بثلاث مراحل أساسية: الأولى، كانت نسخة اعتبرها حزب الله «غير كافية»، وأبلغ الفرنسيين موقفاً حاسماً منها، وأنه ينتظر منهم أكثر من ذلك، خاصة أنها لم تلحظ تعديلاً للقرار الذي صدر العام الماضي. في المرحلة الثانية، ذهب الفرنسيون إلى تعديل الصيغة التي جرى تسريبها بالحبر الأزرق (خاصة بعدَ أن سمعوا مرة جديدة ملاحظة حول جدّية لبنان بسحب الطلب، إلى حدّ أنهم تحدّثوا عن ضرورة إبلاغهم مسبقاً إذا ما كان لبنان قد قرّر سحب الطلب ليتسنّى لهم سحب قواتهم الفرنسية). وكانت هذه الصيغة مقبولة بعدَ أن أُضيفَ إلى البند المتعلّق بحرية حركة اليونيفل، «متابعة التنسيق مع حكومة لبنان، والأخذ في الاعتبار السيادة اللبنانية بحسب اتفاقية صوفا». إلا أن هذه الصيغة، «فاجأت» الأميركيين والإماراتيين الذين ثارت ثائرتهم، لأن الفرنسيين لم يقوموا بالتنسيق معهم، فرفضوها ومارسوا ضغوطاً لتعديل المسوّدة الفرنسية الثانية، فكانت النتيجة بأن أسقطت الصيغة الأخيرة بعض التعديلات التي طالب بها لبنان، مثل تسمية المنطقة المحتلّة شمال بلدة الغجر، بخراج بلدة الماري، ووصف تواجد العدو هناك بأنه «قوة احتلال».
سيرياهوم نيوز3 – الأخبار