د.سام دله
في المبدأ، الإعلان الدستوري (الذي هو مفهوم حديث الاستخدام) هو وثيقة دستورية أو دستور مختصر (خلافا للدساتير في الأوقات العادية) تصدر عن “سلطة الأمر الواقع” لتنظيم حكم البلاد خلال الفترة الانتقالية بصورة قانونية. ولذلك تقتصر على تنظيم وتحديد صلاحيات السلطات والمؤسسات الدستورية في الدولة والعلاقة فيما بينها، بحيث لا تتدخل ولا تحسم في القضايا المتعلقة بهوية وفلسفة بناء الدولة التي تحتاج إلى توافق وطني من خلال نقاش بين القوى المجتمعية والسياسية تكرس بما يسمى “العقد الاجتماعي”.
إلا أن الإعلان الدستوري الذي صدر في سوريا، اعتمد على نوع من الانتقائية في القضايا التي تحدد هوية وفلسفة الدولة والتي جاء على ذكرها في هذا الإعلان، وسأشير فقط إلى مثال ورد في أحكام المادة الأولى منه، دون إعطاء أي حكم قيمي على هذه الانتقائية:
– اسم الدولة “الجمهورية العربية السورية”: أبقى الإعلان الدستوري على “العربية” في اسم الدولة، رغم أن ذلك يُعد قضية إشكالية لبعض مكونات الشعب السوري (لا سيما الأكراد). وبرر رئيس لجنة إعداد الإعلان الدستوري ذلك (بما مضمونه) بأنهم أمام إعلان دستوري مؤقت ولا يرغبوا بالتغيير حتى لا يفهم بأنه مصادرة لقرار الهيئة التأسيسية التي ستضع الدستور القادم “الدائم”، خصوصاً في قضية تواترت الدساتير السورية على استخدام هذا الاسم.
وفي الواقع إن عدم إيراد “العربية” في اسم الدولة كان سيشكل رسالة مهمة لتوحيد سورية، ولاسيما بالنسبة للأخوة الأكراد، وسيعزز الاتفاق مع قوات سورية الديمقراطية (قسد)
وبالعودة إلى الدساتير السورية، نجد أن اسم الدولة في دستور 1920 كان “المملكة السورية العربية” أي قُدمت السورية على العربية، وفي دستور 1930 أصبح اسمها “دولة سورية”، وفي دستور 1950 ورد اسمها “الجمهورية السورية” رغم أن الدستور أكد على عروبة سورية وانتمائها العربي، أما في دساتير البعث عام 1973 و2012 تم تقديم العربية على السورية “الجمهورية العربية السورية”.
وبالتالي ما قاله رئيس لجنة إعداد الإعلان الدستوري غير صحيح فهذا الاسم ليس أصيلاً ومتواتراً في الدساتير السورية، بل هو قد يكون فقط من نتاج إيديولوجية البعث التي ثار السوريون عليها.
– بالمقابل، حُذف مصطلح “الديمقراطية” الذي تواتر وتكرر في مختلف الدساتير السورية (بغض النظر عن تطبيقه أو التحايل عليه)، والذي هو مطلب أساسي للسوريين رفعوه شعاراً منذ اليوم الأول للثورة.
بالطبع لم يبرر رئيس لجنة إعداد الإعلان الدستوري هذا الحذف (ربما لأنه لم يُسأل عنه)، ولكن يمكن لأي شخص عاقل متابع للشأن العام أن يدرك بأن ذلك يعكس رؤية وفلسفة سلطة الأمر الواقع* الذي محور مهمة الإعلان الدستوري “دسترتها” أو منحها صبغة دستورية، ترفض أو على الأقل تتجنب استخدام مصطلح “الديمقراطية”، الذي هو مصطلح ليس متواتر عليه فقط في الدساتير السورية المتعاقبة، بل وفي 99٪ من دساتير دول العالم ومنها دول عربية وإسلامية، وفوق ذلك هي مسألة أساسية في مطالب معظم الشعب السوري، وبالتالي هي قضية وحدت المجتمع السوري خلال الثورة، وتعزز وحدة المجتمع السوري في هذه المرحلة.
* بالطبع الأكثر انتقائية وخطورة هو الاتجاه نحو نظام رئاسي صرف، ولاسيما في مرحلة انتقالية. وهذا ما سأوضحه لاحقاً.
* ملاحظة: لا استخدم مصطلح “سلطة الأمر الواقع” بصيغة سلبية (كما قد يتبادر لذهن البعض) وإنما هذا هو التوصيف القانوني لها حتى إصدار وثيقة دستورية تمنحها الصفة الدستورية.
* (اخبار سوريا الوطن ١-الكاتب)