لا تستسلم! لا تنسحب مهما اشتدت الصعاب! شعاران تحفيزيان يهدفان إلى غاية إيجابية، وهي التحلّي بالأمل بشكل أساسي لتحقيق الأهداف. لكن هذه الغاية تصطدم بالواقع والحقيقة. فالواقع يتعارض مع التوقعات في معظم الحالات، ولكلّ منّا ظروفه، حظه، مجهوده، وشخصيته، وعوامل عديدة تقف فاصلاً بين قرار الاستسلام أو الانسحاب، والفرق كبير بينهما.
ففي حين أنّ الاستسلام يعكس روحاً وعقلية سلبيتين وغير واعيتين وغير مدركتين، يعكس الانسحاب روحاً وعقلية إيجابيتين، واعيتين ومدركتين. لذا فإنّ مقولة لا تنسحب ولا تغادر مهما صعُبت ظروفك، تحتاج إلى إعادة نظر.
لماذا تغادر؟ هناك أسباب عديدة مثل صعوبة إتمام المهمة المطلوبة، الانجذاب إلى شيء آخر لفت انتباهك، الآخرين دفعوك، أو مثلاً كنتَ بحاجة إلى التركيز على جوانب أكثر أهمية في حياتك، أو ببساطة فقدت الأمل ولا تتخلّى بثقة تامة بنفسك. وهناك أشخاص يتوقّفون في منتصف الطريق أو عندما تصعب وتتعقد الظروف عليهم.
فعادة ما يتحمّس الشخص في عمله أو لمشروع جديد بدافع رغبة تأتيه، ويشعر حينها بأنّه منتِج ونشيط ويتوقع أن يستمر على الوتيرة نفسها، لكن غالباً ما ترافق التحديات أي خطوة جديدة، وفي منتصف الطريق، تبدأ المشاكل بالتعقد وتتصاعد وتيرة التحديات، ويبدأ شعور الحماسة بالتراجع.
هذا ما يشرحه المعالج النفسي والمستشار لدى الهيئة الطبية الدولية ومنظمة “أطباء بلا حدود” الدكتور ماريو عبود في حديث إلى”النهار”. ويوضح أنّ في هذه المرحلة، قد يبدأ الشخص بالشعور بالفشل أو بالذنب، ويتغلب الواقع على التوقعات.
هذا ما نسمّيه بحماسة البدايات، في أي مشروع أو علاقة جديدة. فعندما يواجه الشخص الواقع يبدأ بالانسحاب، وفق عبود. فما لا يعيه هذا الشخص هو أنّ الأمور، مهما كانت، تستغرق وقتاً، وعليه ألّا تكون التوقعات عالية بشكل غير واقعي، وأن يتيقّن من أنّ التحديات ستقع لا مفرّ. فالأمر عموماً يتعلق بالمثابرة والالتزام، وهما مبدآن يجب أن يتحلّى بهما الشخص، وأن يوازن بين الحماسة القوية والواقع.
أيضاً، وبحسب عبود، لا يمكن أن يعرف المرء كم من الوقت سيستغرق نجاح خطوته الجديدة أو فشلها. كذلك، لا يمكنه أن يضع تقديرياً الوقت المناسب للفرصة التي سيعطيها لهذا المشروع، فالأمر يعود إلى كلّ حالة بحالها، وأيضاً إلى نوع الخطوة الجديدة هذه والمجهود المبذول في سبيلها وشخصية الشخص نفسه. لذلك، لا بدّ من أن يدرك الشخص أنّ في حال فشل أي مشروع أو خطوة لأسباب لا تتعلق بتقصير من قبله، فلا بأس بالانسحاب والتفكير بخطوة أخرى. وهنا لا نتحدث عن الاستسلام، إنّما عن البحث عن الخلل.
لا يجب أن ينجر الشخص بكلمات التشجيع المبالَغ بها، فهي لا تنطبق على كل الحالات. ومن المهم جداً معرفة متى عليه أن يتوقف عن الخطوة التي يسير بها، وأن ينسحب لإيجاد بديل أفضل منها، عند الوجود في علاقة سامة أو بمشروع عمل يخسّره.
ماذا عن قصص النجاح التي ثابر أبطالها رغم التحديات الصعبة ووصلوا إلى ما كانوا يطمحون إليه؟
يميّز عبود هنا بين الانسحاب والاستسلام. فالانسحاب ليس استسلاماً، وأبطال قصص النجاح هذه انسحبوا من مشاريع معينة لكنّهم طبعاً وجدوا بدائل أفضل ولم يستسلموا لفشل أو عرقلة. وعادة، الأشخاص الطموحون لا يتحلّون بالأفكار المحبِطة، بل على العكس، إذا صعُبت الظروف عليهم يبحثون عن الحلول والبدائل للمضي قدماً. أمّا الشخص الذي يستسلم فهو يعيش العزلة عن أي خطوة أو علاقة جديدة، ويغرق بالأفكار السلبية التي تعيقه عن الانطلاق مجدداً. لذا، فإنّ الانسحاب هو ضرورة أحياناً وليس خطأ.
نصائح لعدم الاستسلام
وفيما يقدّر صاحب الانسحاب نفسه الموقف، لا مكان للاستسلام طالما الشخص غير مقصّر في خطوته. هنا، يصحّ الحديث عن عدم الاستسلام حتى في أصعب الظروف. وإليك بعض النصائح لعدم الاستسلام عند الشدائد:
– تحوّل من عقلية الهدف إلى عقلية الهوية. فبدلاً من محاولة تحقيق هدف قابل للقياس، خطط لتصبح هوية جديدة غير قابلة للقياس. مثلاً لا تخطّط للحصول على قوام مثالي، بل خطّط لتصبح رياضياً يستمتع بالتمرين.
– إبحث عن هدفك الأسمى والأعمق في الحياة فهو ما يحرك أهدافك السنوية والشهرية واليومية والآنية.
– ذكّر نفسك بأنك على الطريق الصحيح كلّما شعرت بخيبة أمل.
أخبار سوريا الوطن١-وكالات-النهار