آخر الأخبار
الرئيسية » حول العالم » الانقسامات تعرقل ولادة الحكومة: ماكرون يصدّر نفسه منقذاً

الانقسامات تعرقل ولادة الحكومة: ماكرون يصدّر نفسه منقذاً

سعيد محمد

 

بعد انتهاء هدنة سياسية استمرت لأسابيع في فرنسا، لأغراض تمرير استحقاق دورة الألعاب الأولمبيّة – التي استضافتها العاصمة باريس -، استؤنفت المداولات مجدداً بين الكتل السياسية في الجمعية الوطنية (البرلمان)، سعياً إلى التوافق على شخصية يعهد إليها بتأليف حكومة جديدة. وتجد فرنسا، لأول مرّة في تاريخ جمهوريتها الخامسة – التي أطلقها ديغول في 1968 -، برلمانها بلا كتلة رئيسية تمتلك الغالبية الكافية لتشكيل الحكومة، بعد أن أسفرت انتخابات تموز الماضي عن ثلاث كتل متساوية تقريباً – اليسار والوسط وأقصى اليمين -، ما أدخل البلاد في أزمة سياسية غير مسبوقة، واستلزم استمرار ولاية حكومة تصريف الأعمال بقيادة جابرييل أتال – من حزب الرئيس إيمانويل ماكرون -، في ما يمثل أطول مدة تقضيها حكومة فرنسيّة مستقيلة في السلطة. وكان ماكرون قد حل البرلمان السابق ودعا إلى انتخابات عامة مبكرة غير متوقعة، بعدما تعرّض حزبه لهزيمة مذلّة أمام حزب «التجمع الوطني» – أقصى اليمين – في الانتخابات البرلمانية الأوروبيّة نهاية حزيران الماضي. ويبدو أن الرئيس كان يأمل في الاستفادة من مناخ تخوّف نصف الفرنسيين من وصول اليمين المتطرّف إلى السلطة، كي تتعزز الثقة بحزبه (النهضة) وكتلة يمين الوسط، لكنّ الناخبين خيبوا أمله مجدداً، وأنتجوا برلماناً منقسماً حصلت فيه «الجبهة الشعبية الجديدة» (كتلة ائتلاف الاشتراكيين والشيوعيين والخضر وفرنسا العصية – بقيادة جان لوك ميلانشون -) على أكبر عدد من المقاعد من دون الحصول على الغالبية، فيما انكمشت كتلة الرئيس – «النهضة» والأحزاب الحليفة – مقارنة بحصتها في البرلمان المنحل، وذهب المركز الثالث إلى «التجمع الوطني» بزعامة مارين لوبان، والذي زاد من عدد مقاعده في البرلمان، ولكنه منع من الحصول على غالبية، بعدما توحدت أحزاب الوسط واليسار في إطار جبهة (جمهوريّة) خلال الجولة الثانية من الانتخابات، أوقفت زحفه نحو السلطة.

وفي خضم ذلك التأزم، دعا ماكرون رؤساء الأحزاب وممثلين عن الكتل السياسية إلى سلسلة لقاءات مائدة مستديرة في قصر الإليزيه (الجمعة)، للتداول في الأسماء التي يمكن أن تكلّف بتشكيل حكومة قد تكون الأخيرة في ولايته الرئاسية التي ستنتهي في غضون ثلاث سنوات. وقال الناطق باسم الرئاسة الفرنسية إنه «بعد ستة أسابيع كانت من دون شك مفيدة، فقد أراد الرئيس جمع القوى السياسية الممثلة في الجمعية الوطنية بهدف تسمية رئيس للوزراء»، وأضاف: «من المأمول أن تشهد اللقاءات تشاوراً مخلصاً وصادقاً بهدف دفع الأمور إلى الأمام لمصلحة البلاد». وبينما لم يتمكن الناطق من تحديد موعد لتعيين رئيس وزراء جديد، إلا أنّه قال إن «الرئيس حدد هدفاً واضحاً من اللقاءات: إذ يريد من القوى السياسية في الجمهورية العمل معاً والاستماع إلى بعضها البعض لتشكيل أكبر غالبية ممكنة بأكبر عدد من النواب، كي تكون الحكومة المنبثقة عنها أيضاً الأكثر استقراراً، ولا يمكن إلغاؤها». ونبّه إلى ثلاثة دروس من نتيجة الانتخابات ينبغي للمنخرطين في اللقاءات تذكرها: «أولها أن الغالبية السابقة خسرت، وثانيها أن الفرنسيين لم يرغبوا في حكومة يقودها اليمين المتطرف – أي حزب التجمع الوطني -، والثالث أنه لا توجد كتلة في وضع يسمح لها بادعاء الغالبية – وهي سابقة في تاريخ الجمهورية الخامسة».

يقترح ماكرون صيغة للتفاهم حول الحكومة بين الكتل السياسية، تقوم على التلاقي في ست مساحات

 

من جهتها، رحبت مختلف الكتل بدعوة الرئيس باعتبارها تحركاً إيجابياً نحو كسر الجمود السياسي في الجمهوريّة. وكان لافتاً أن قادة أحزاب يسار الوسط (الاشتراكي والشيوعي والخضر)، الشركاء في «الجبهة الشعبيّة الجديدة» مع حزب أقصى اليسار (فرنسا العصيّة)، والذين كانوا ضمن أول من التقاهم الرئيس، أعربوا عن رضاهم التام من اللقاء، الأمر الذي قرأه البعض كمحاولة منهم للتباعد عن موقف جان لوك ميلانشون الحاد، والذي أطلقه ضد ماكرون أخيراً، ووصل إلى حد التهديد بتفعيل إجراءات لإعفاء الرئيس من منصبه إن لم يمنح الجبهة – كأكبر كتلة – فرصة تشكيل حكومة كما في العرف المتبع. وحازت «الجبهة الشعبيّة الجديدة» 193 مقعداً في البرلمان ما جعلها الكتلة الأكبر، لكنها مع ذلك بعيدة عن الغالبية اللازمة للانفراد بتشكيل حكومة – 289 مقعداً -.

ويعتقد أن يساريي الوسط يرون أنفسهم الأجدر بتسمية رئيس وزراء من بينهم يحظى بثقة تفاهم وسطي عريض يجمع بين يمين الوسط ويساره، ويبعد كأس السلطة عن المتطرفين في أقصى اليمين وأقصى اليسار على حد سواء. على أن مانويل بومبارد، الذي حضر اجتماع الإليزيه ممثلاً عن حزب «فرنسا العصيّة»، قال: «يبدو أن الرئيس، بعد مرور شهرين، قد بدأ يدرك أنه قد خسر الانتخابات بالفعل، ولكنّه يجب أن يتصرف الآن كحَكَمٍ لا ملك يمتلك صلاحية تحديد من يمكنه تولي المنصب». وكان ماكرون قد رفض بالفعل مرشحة لمنصب رئيس الوزراء قدّمها حزب «التجمع الوطني» بصفته أكبر حزب منفرد في البرلمان، وهي الموظفة المدنية لوسي كاستيتس – 37 عاماً -، قائلاً إنه يريد رئيساً للحكومة يتمتع بدعم «واسع ومستقر» لتجنب تصويت برلماني بحجب الثقة، من شأنه أن يتسبب في مزيد من الفوضى السياسية.

وبعد ممثلي «الجبهة الشعبيّة»، التقى ماكرون أعضاء من أحزاب الوسط ويمين الوسط بما في ذلك حزب «الجمهوريين» المحافظ، على أن يجري محادثات مع ممثلين عن «التجمع» اليوم (الإثنين). وقال مطلعون على أجواء اللقاء إن الوسطيين وأحزاب اليمين المحافظ هددوا بحجب الثقة إذا قاد الحكومة المقبلة مرشح من «فرنسا العصيّة» في إشارة إلى ميلانشون، فيما بدا مؤكداً أن الكتلة اليساريّة – بمجموعها – لن تدعم مرشحاً عن حزب «التجمع الوطني»، من مثل كاستيتس التي رفضها ماكرون، وكانت قبل الانتخابات العامة محسوبة على الحزب الاشتراكي إلا أنها حافظت على مسافة منه بعد خلافات مع فرانسوا هولاند، الرئيس الاشتراكي الفرنسي السابق، فعمد «الوطني» إلى اقتراح اسمها كمرشح تكنوقراط من الخدمة المدنية، يمكن أن يتفق عليها أقصى اليمين واليسار وأقصى اليسار.

ويقترح ماكرون صيغة للتفاهم حول الحكومة بين الكتل السياسية، تقوم على التلاقي في ست مساحات، بما فيها الدفاع عن العلمانية التي تؤيدها الكتلة الوسطية كما يمين الوسط – «الجمهوريون»، ورثة الحزب الديغولي –، ولكنها تثير بعض اللغط مع أحزاب اليسار بسبب حظر فرض في أيلول من العام الماضي على ارتداء المسلمات للعباءة، ما اعتبر تعدياً على حقوق الإنسان. كما ثمة أرضية لجمع الوسط واليسار حول مشروع لإصلاح النظام السياسي وإطلاق «جمهوريّة سادسة»، رغم أن ماكرون شخصياً لا يحبذ ذلك، لأنه قد يعني في المحصلة تقليص صلاحيات الرئاسة لمصلحة البرلمان – ممثلاً في رئيس الوزراء -. أيضاً، يمكن بناء توافقات تكتيكية حول مسائل البيئة والطاقة النووية، لكن المسافة تظل بالفعل بعيدة بين اليسار ويمين الوسط حول قضايا الدفاع والضرائب.

ويقول خبراء إن الرئيس مرتاح للتباينات الحادة بين الكتل، ولا يمانع شراء الوقت إلى أن يصل الجميع إلى قناعة بضرورة دعم مرشح وسطي يقترحه ليرمم به بعضاً من سلطته التي تضررت بفقدان حزبه الغالبيّة في البرلمان. ومع هذا، فإن ثمة استحقاقات قد تفرض الإسراع في المشاورات، إذ ينبغي تقديم مشروع الموازنة العامة لعام 2025 لإقراره من قبل الجمعية الوطنية بحلول الأول من تشرين الأول المقبل. وقبل ذلك، تنتظر المفوضية الأوروبية في بروكسل مقترحات من باريس حول الطرائق التي ستعتمدها الحكومة الفرنسية للتعامل مع عجزها المالي المفرط.

 

 

 

 

 

سيرياهوم نيوز١_الاخبار

x

‎قد يُعجبك أيضاً

نتنياهو متردد في إقالة غالانت وتعيين ساعر.. بين رفض زوجته وضغوط الحرب في الشمال

  نتنياهو متردد في إقالة غالانت وتعيين ساعر.. بين رفض زوجته وضغوط الحرب في الشمال الخلاف الداخلي الإسرائيلي بشأن الانسحاب من محور فيلادلفيا وتبادل الأسرى ...