قال الدكتور عبد العليم محمد مستشار مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام إن القدس ليست مجرد مدينة ككل المدائن، بل هى فى اللحظة الراهنة تكاد تكون هى كل فلسطين من جنين إلى نابلس إلى رام الله ومن حيفا إلى يافا، بمعنى أن القدس توحد الفلسطينيين أينما وجدوا على أرض فلسطين؛ فى الداخل الإسرائيلى وتحت الاحتلال وفى الشتات.
وأضاف في مقاله اليوم بالأهرام ” القدس والأقصى.. حدود السردية الإسرائيلية” أن هذا الأمر يزداد وضوحاً وصدقية بقدر توغل إسرائيل والنخبة الحاكمة فى أسطورة أرض إسرائيل الكاملة إن من الناحية العقائدية الإيديولوجية والدينية أو من الناحية العملية الاستيطانية الاستعمارية فى الأراضى الفلسطينية؛ خاصة مع تصدر الصهيونية الدينية ومكونات التحالف اليمينى المتطرف واجهة المشهد واعتقاد هذا التحالف الشرير فى أن لحظة الحسم أى تصفية القضية الفلسطينية قد حانت، وفقا لحظة الحسم التى قدمها فى عام 2017 زعيم تيار الصهيونية الدينية.
وقال إن القدس والمسجد الأقصى أصبحا هما حجر الزاوية فى تنفيذ هذه الخطة، أى تصفية القضية الفلسطينية؛ فهى العاصمة الموحدة والأبدية لإسرائيل، والأقصى هو مكان جبل الهيكل فى الأسطورة الدينية، ولن يكتمل المشروع الصهيونى الدينى إلا بالسيطرة والهيمنة الإسرائيلية على المدينة المقدسة والمسجد الأقصى وإقامة الهيكل الثالث المزعوم. غير أن واقع القدس والأقصى فى قلبها، يقف حجر عثرة فى طريقة تنفيذ وتحقيق هذه الأسطورة الدينية- الصهيونية التى تستهدف تغييب الوجود المادى والثقافى والرمزى للشعب الفلسطينى فى التاريخ والحاضر، واستحضار الوجود المتخيل والوهمى والمصنع فى دوائر الفكر والإستراتيجية الصهيونية.
وقال إن هذه الخطة الصهيونية تستهدف تحويل الوجود الفلسطينى الدائم والثابت فى القدس والأقصى إلى وجود مؤقت بمنحهم صفة مقيمين وفى المقابل تحويل الوجود الإسرائيلى واليهودى المؤقت والطارئ إلى وجود دائم وثابت من خلال شبكة الهيمنة والسيطرة على كل شئون المقدسيين من مواليد وإقامة ضرائب وتراخيص؛ مرتكزا على القوة والقمع والمؤسسات الأمنية. يقاوم المقدسيون هذه الخطة على جبهتين، أولاهما وأهمهما جبهة الصمود والبقاء والحياة اليومية، وثانيتهما جبهة الثقافة والتاريخ ورموز الهوية الحضارية والعربية للمدينة المقدسة؛ ذلك أن الصراع حول القدس والأقصى لا يقتصر على الأرض فحسب، وإنما يمتد الصراع إلى ما تحت الأرض من سرديات كامنة فى أعماقها دينية وقومية وعربية ورمزية، على صعيد جبهة الصمود والبقاء يقف نضال أهالى حى الشيخ جراح وسلوان فى بطن الهوى ووادى حلوة شاهدا على مقاومة القدس، وقدرة المقدسيين على الانخراط فى إطار حركات اجتماعية تقود جهدا منظما ومستداما ضد المخططات الإسرائيلية، التى تستهدف محو وجودهم رمزيا وفعليا، من خلال تقديم نماذج سياسية من خلال الجمعيات والتحالف والتفاعلات واللقاءات والاحتجاجات والمسيرات والبيانات فى إطار الوحدة والقدرة على التأثير والالتزام من كل المشاركين فى هذه الفاعليات.
وتابع قائلا: “أما على الصعيد الثقافى والرمزى للحفاظ على روح القدس وإشعاعها ونورها الذى لا ينبغى أن ينطفئ، فإن المقدسيين يقودون نضالا واعيا ورمزيا للحفاظ على رموز فلسطين وشهدائها وعلم فلسطين، تبين ذلك فى جنازة المرحوم فيصل الحسينى مسئول ملف القدس الذى توفى 2001، وأكدت رحلة الجثمان معنى الوجود الفعلى للفلسطينيين وأن القدس لهم، وسقطت السيادة الإسرائيلية المزعومة عن القدس لبضع ساعات، وامتلك الفلسطينيون الشوارع والساحات والميادين خلال تشييع شهيدهم إلى مثواه الأخير، استوحى الفلسطينيون والمقدسيون ذلك المشهد بزخمه خلال تشييع جنازة شيرين أبو عاقلة وحاول الإسرائيليون تجنب تكرار المشهد وتدخلوا لكسر هذه المشهدية ولكنهم باءوا بالفشل.”.
ولفت إلى أن حرب الرموز والذاكرة التى تشنها إسرائيل والاحتلال على رمزية الشعب الفلسطينى وذاكرته، لا تزال فى أوجها، وظهرت بوضوح فى ما يسميه البعض «بحرب الأعلام» فخلال اقتحامات المستوطنين للمسجد الأقصى ورفع الأعلام الإسرائيلية، تمكن المقدسيون من رفع العلم الفلسطينى عاليا فى السماء باستخدام طائرة صغيرة للتصوير، تستخدم فى الأفراح، وكسب الفلسطينيون معركة الاعلام مرتين، أولاهما أن العلم الإسرائيلى الذى يرمز إلى القتل والظلم والنهب والاستيطان والاستعمار والقوة، يقابله العلم الفلسطينى الذى يستهدف التحرر والحرية والسلام والعدل، أما ثانيتهما أن العلم الإسرائيلى احتاج لكى يرتفع فى القدس إلى كتائب من الجيش الإسرائيلى والشرطة الإسرائيلية رغم أن المدينة محتلة منذ 1967 وتكاتف أجهزة الأمن لحمايته، مشيرا إلى أن المقدسيين استعانوا بخيالهم ومخيلتهم وإبداعهم لرفع علمهم الذى يرمز إلى استقلالهم وحريتهم.
وأشار إلى أن القدس والأقصى هما بؤرة المقاومة فى النضال الفلسطينى الحديث؛ مذكّرا أن من الأقصى خرجت هيبة البراق والانتفاضة الفلسطينية الثانية عندما جرؤ شارون على اقتحام الأقصى، حيث أصدرت إسرائيل قانونين، أولهما حظر رفع العلم الفلسطينى وثانيهما حظر الاحتفال بذكرى النكبة، غير أن القوانين الإسرائيلية من وجهة نظر الفلسطينيين خلقت لكى تخرق؛ حيث يرفع الفلسطينيون العلم الفلسطينى فى كل المناسبات ولا يفوتون الاحتفال بذكرى النكبة لأنها مستمرة وتستعصى على النسيان.
واختتم مؤكدا أن إسرائيل تزاوج بين الحرب على الذاكرة والرموز الفلسطينية وبين الحرب على الوجود المادى للشعب الفلسطينى وتقود معركة مزدوجة على المستويين، لافتا إلى أن الشعب الفلسطينى يجمع فى مقاومته بين الدفاع عن الذاكرة والرموز وتعزيز الوجود المادى على الأرض.
وأنهى مؤكدا أن الزمن يبدو أنه يسير لغير صالح إسرائيل رغم ما تراه نجاحات وإنجازات؛ مشيرا إلى أن عقيدة التحالف الإسرائيلى التى تتركز حول أرض إسرائيل الكاملة: لن تعنى فى نهاية المطاف إلا وحدة كل الفلسطينيين فى مواجهتها.
سيرياهوم نيوز 4_راي اليوم