د.غسان القيم
أمدتنا الألواح الفخارية المترجمة في مدينة أوغاريت خلال مواسم تنقيبية سابقة في القرن الماضي بمعلومات وافية عن ديانة الأوغاريتيين والآلهة التي كانوا يعبدونها ويؤمنون بها وفلسفتهم بالنسبة للحياة والموت والبعث والخلود..
لقد كانوا يؤمنون بأن الخلود من سمات الآلهة وأن الموت هو مصير كل البشر مهما طالت بهم الأعمار…
وفي الأسطورة الأوغاريتية /اقهت بن دانيال/ تخبرنا ترجمتها كيف كانت الآلهة عنّاة تعد أقهت بأنها ستمنحه الخلود والحياة الأبدية فيجيبها قائلاً:
لا تكذبين أيتها البتول ؟..إن الموت هو نهاية كل إنسان سأموت موتاً وسيهيلون التراب على جسمي وينثر الكلس على جمجمتي..
نقتطف بعضا مما جاء في نص الاسطوره:
“إطلب الحياة فأنا أعطيها ..
أطلب الحياة أيها الشاب أقهات ..
أعطيك الخلود ..
أجغلك تعدّ السنين مع بعل ..
وتعد الأشهر مع إيل ..
كما يهدي بعل الحياة..
إنه يطعم الحي ويسقيه ..
يغني ويطرب له ..
هكذا اهدي الحياة إلى أقهات الشاب ..
ويرقص أقهات ثانية ..
لا تحاولي خداعي أيتها البتول ..
فخدائك أغلال في معصمي الشاب ..
ماذا يملك الانسان في النهاية ؟..
ماذا سيكون نصيبه في المستقبل ؟..
سنثرون فوق رأسي الحوارة البضاء ..
والذهب سنثرونه على جمجمتي ..
وسوف أموت موتاً..!”
ونظراً لاعتقاد الأوغاريتيون بحياة ثانية بعد الموت وأن الأموات سيقومون من القبور بالجسم فقد كانوا يضعون مع الميت حاجاته الضرورية بالطعام وبالأدوات ليجدها قربه عندما يستيقظ من نومه الذي طال..
لقد أعتقدوا الأوغاريتيون ان الانسان مؤلف من مكونات رئيسية هي الجسد الفاني والروح وكلتاهما تخرجان من الجسد بعد الوفاة وهما لا تموتان بموت الجسد ..وتصوروا الروح على هيئة كائن صغير مجنح يشبه النحلة لتبقى على اتصال مستمر مع الجسد بعد الوفاة..
ولأن أوغاريت كانت دولة منفتحة على العالم وكانت تسكن فيها مع شعبها جاليات أجنبية من كل الدول التي كانت تقيم معها اوغاريت كافة العلاقات في ذلك الزمن الغابر ..فقد وجدت في أطلالها اماكن عيادة لآلهة أخرى كان أهل اوغاريت يقدمون لها النذور والأضحيات إلى جانب إلى جانب الآلهة الأوغاريتية التي كان سكانها يعبدونها وعلى تواصل معها..
نستنتج مما قيل ان المجتمع الذي نحن بصدده رأى في الموت مجرد انتقال من عالم البشر إلى عالم الآلهة ولا تفقد الشخصية في إثناء ذلك وجودها الواقعي وإداراكها لعالم الآلهة ..
هذه هي مدينة أوغاريت .. التي حدثتنا نصوصها الفخارية المترجمة عن حياتها وحياة شعبها والعقيدة التي كان يؤمن بها ..
لقد كانت الحياة بالنسبة للأوغاريتيين وظيفة لجوهر خاص ويبقى الإنسان حيّاً طالما بقي هذا الجوهر فيه ويموت لحظة مغادرته لجسده ..هكذا وصف الموت في ملحمة أقهات بن دانيال ..أحد عناصر هذا الجوهر هو النفس ..فالوثائق الأوغاريتية تجيز لنا أن نعد النفس عنصراً يختنق لحظة الموت وهي تشبه الزفير ..
*عاشق أوغاريت ..غسّان القيّم..
الصورة المرفقة بعدستي لمدنية اوغاريت الأثرية
(اخبار سوريا الوطن 2-صفحة الكاتب)